تعددت أوجه الفساد في المجتمع مع انتشار قيم الفهلوة في الكثير من الوزارات والهيئات والمؤسسات، مما يكشفه العدد الضخم لقضايا الفساد في العديد من المصالح الحكومية، حتي اعتقد البعض أن الفساد أسلوب حياة، ما دفع "آخر ساعة" لاستطلاع رأي عدد من خبراء علم الاجتماع والنفس لكشف أسباب تغلل الفساد في الكثير من مناحي الحياة المصرية، ومعرفة الأسباب التي تدفع البعض خلال السعي خلف وهم المال والسلطة إلي السقوط في منحدر الفساد، خاصة أن الفساد بات ظاهرة سرطانية تسعي للانتشار عبر منظومة قيمية اجتماعية أصيبت بالخلل في الفترة الماضية، وأكد خبراء علم الاجتماع أن لا بديل عن إحياء منظومة الأخلاق في المجتمع. الفساد كمرض يصيب المجتمع يضرب الكثير من القيم مثل مبدأ النزاهة، لصالح إساءة استعمال السلطة كالتلاعب بأموال الدولة والمجتمع فضلا عن أشكاله المتمثلة في السرقة والرشوة والابتزاز والاختلاس والاحتيال والمحسوبية وغسل الأموال واستغلال المنصب ونهب الأموال العامة والاعتداء علي حقوق الآخرين، وغيرها من أشكال سوء استخدام الوظيفة والمنصب، واستخدام السلطة واستغلالها من قبل المسئولين لغرض تحقيق مكاسب خاصة غير مشروعة، ويرجع علماء النفس والاجتماع مظاهر الفساد إلي ضعف مؤسسات الدولة وغياب العدالة في توزيع الثروة، إضافة إلي البيئة الاجتماعية الفاسدة والنظم الإدارية المتخلفة وضعف مؤسسات المجتمع المدني أو غياب المسئولية عن مراقبة مؤسسات الدولة والمجتمع ومحاسبتهما. الدكتور يحيي الرخاوي، أستاذ الطب النفسي، قال ل"آخر ساعة"، إن للفساد أسبابا عديدة تتمثل في تحلل القيم والمعايير الاجتماعية والأخلاقية وضعف الضوابط والقوانين الاجتماعية والأخلاقية وضعف الضوابط والقوانين، وأشار إلي أهمية العقاب الذي يصدر بعد التحقيق، فوظيفة العقاب ليس فقط مجازاة المخطئ، ولكنه وظيفة إخلاقية واجتماعية أطلق عليها علم العقاب أو الردع الخاص الذي يؤدي إلي عدم عودة المخالف إلي تكرار الخطأ، أما الردع العام فهو أن يتعظ المعاقب وينتبه، مشيرا إلي أنه ليس المسئولون وحدهم الذين لايستوعبون الظروف التي تمر بها مصر بل كل إنسان لا يؤدي عمله بإتقان ولم يراع الله في وقته وفي حقوق غيره، نحو بلده فهو لا يستوعب خطورة المرحلة التي نعيشها. وأَضاف الرخاوي: الشعور بعدم الانتماء لا يؤدي فقط إلي الأداء الضعيف في العمل، خاصة لمن يتولي موقعا مسئولا وإنما اعتبره رذيلة ونقصا قد تصل إلي درجة الخيانة عند كل فرد ينكر فضل وطنه عليه أو يتنكر له، ومن هنا فإذا كان المسئول تصرف بوطنيته ومدي إتقانه وأمانته في العمل، فإن هذه المواقف تنتقل إلي عامة الناس من خلال محاسبة النفس واتباع القدوة الحسنة، وهذا من المفترض أن يكون دافعا لحسن الأداء، وليس مبررا للأداء الضعيف. وتابع الرخاوي أن هناك حوافز كثيرة لتحقيق القصد المطلوب نستبعد منه ابتداء مجرد النصح والإرشاد أو التوعية بالألفاظ، فهناك القدوة وهو حافز تربوي مهم إضافة إلي أن هناك الوازع الديني الذي يؤكد أن الأمانة والاتقان في العمل صفات المسلم والخوف من الله كما جاء في الحديث النبوي الشريف "أن تعبد الله كأنك تراك فإن لم تكن تراه فهو يراك"، فإذا وصل هذا الأمر بالعمل باتقان وإزاحة الأذي عن الطريق وان ينتاب الإنسان الشعور بالجميل نحو الوطن والنظام الذي يتحسن طريقة لإرساء قواعد الانتماء والإسهام في بدء المشاركة في تصحيح المسارالصحيح. وأشار الرخاوي إلي أن منظومة القوانين ضرورية ولكنها ليست كافية بذاتها حتي لو وصل الأمر إلي العقاب الصارم للفاسدين والمتراخين من المسئولين، لأن مجرد إصدار القوانين لا يحل المشاكل، وإنما لابد من متابعة تطبيق القانون بشكل عام، بحيث يحقق العدل بين الجميع ولا يستثني أحدا، وأن يكون تطبيق القانون بشكل علني حتي تتحقق وظيفة الردع العام من المغزي من العقاب، إضافة إلي ضرورة تشكيل منظومة القيم والأخلاق الإيجابية بداية من الطفولة قبل وبعد منظومة القوانين، فاختفاء دور المدرسة كمجتمع تربوي والانفلات في التعليم والسماح بالغش العلني، بالتوازي مع الانفلات العائلي كل هذا يؤدي إلي فساد أخلاقي للطفل منذ حداثة عمره، ومن هنا لايمكن للقوانين وحدها أن تصلح ما أفسد في مختلف المجالات كالتعليم الذي امتد أثره السلبي إلي اختفاء أغلب القيم الإنسانية والإيمانية والأخلاقية والتي وصلت إلي البيت، وذلك باختفاء دور الأسرة وضعف تكوين الضمير وغياب العلاقة بين الإنسان وربه. ويري الدكتور أحمد البحيري، استشاري الطب النفسي، أنه بالرغم من قيامنا بثورتين إلا أن الفساد لايزال "معشعش" في مؤسسات الدولة، لذلك نحن في أمس الحاجة لثورة أفكار فهناك وظائف بحكم الدستور تتم بالتعيين كوظيفة رئيس الوزراء والمحافظين، أما المحليات فيجب أن تتم بالانتخاب، وأن يمثل المواطن فيها الدور الأكبر في مراقبة أدائها، فهذه ستكون الصورة المثلي لتولي الوظائف في تلك المحليات بحيث يكون الشخص الذي ينتخب للوظيفة مسئولا أمام جهتين جهة شعبية وجهة تنفيذية، كما كان يحدث مع العمدة في القرية حيث كان يتولي العُمدية بالانتخاب من قبل المواطنين بقريته وفي نفس الوقت يحق للوزير عزله من منصبه إذا ثبت فساده أو إهماله. من جهتها، قالت الدكتورة حنان محمد سالم، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن الفساد منتشر في كل مكان ولايوجد مجتمع خال من الفساد فانتشار الرشوة واستغلال المنصب والواسطة أحد صور الفساد المنتشرة في مجتمعات دول العالم الثالث، مشيرة إلي أن الفساد يتمثل في قيام الشخص باستغلال منصبه لتحقيق مصلحة شخصية علي المصلحة العامة سواء عن طريق التعيين أو عن طريق الانتخاب، خاصة أن للفساد أشكالا وأنواعا وهناك فساد أكبر وفساد اصغر، فالفساد الأكبر مرتبط بأصحاب النفوذ والمناصب الكبيرة، والفساد الأصغر مرتبط بالمناصب الصغيرة كالموظفين. لافتة إلي أن هناك دولا تعتبر الفساد حالات فردية وليس حالات جماعية، وأن المجتمع كله ليس بفاسد لكننا نعترف أن الفساد ينتعش ويقوي حتي تحول إلي مرض سرطان ينتشر في جسم الإنسان ويحوله إلي حالة مرضية ميئوس من شفائها فعندما ينتشر الفساد بهذه الصورة الكبيرة ويصبح جزءا من نسيج المجتمعات يتحول إلي ظاهرة، يتم التكيف معها فالمشكلة ليست في اكتشاف الفساد والمفسدين، ولكن المشكلة في طريقة التصدي له وإدانته فنحن نسمع كل يوم عن أسماء كبيرة لشخصيات في عالم الاقتصاد والمال والإعلام يتم القبض عليهم بحجة الفساد لكن عند الإدانة، لا تتم إدانتهم لوجود ثغرات في القانون وإذا حدث ودخلوا السجن فإننا نجد لا وجود للعقاب الذي يستحقونه. وتوضح سالم أن هناك دولا خاصة المتقدمة نجحت في التقليص من حجم الفساد لأنها نظرت إليه باعتباره ظاهرة اجتماعية لأن الآثار المترتبة عليها مدمرة وستعوق التنمية، والنظر لهذه الدول نجد أن لديها مساحات كبيرة في الديمقراطية والشفافية وتطبيق القانون، وهذه عوامل مهمة في مقاومة الفساد كما نجد في هذه الدول عدم وجود تفرقة بين الموظف الكبير والموظف الصغير، ولا يوجد مسئول كبير فوق القانون إضافة إلي عدم اعترافهم بالمقولة المنتشرة في دول العالم الثالث ليس في الإمكان أفضل مما كان.