حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    أخبار فاتتك وأنت نائم| حادث انقلاب أتوبيس.. حريق مصنع إطارات.. المرحلة الثانية لانتخابات النواب    أوكسفام: أرباح مليارديرات مجموعة العشرين في عام واحد تكفي لانتشال جميع فقراء العالم من براثن الفقر    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    تحريات لكشف ملابسات سقوط سيدة من عقار فى الهرم    زوار يعبثون والشارع يغضب.. المتحف الكبير يواجه فوضى «الترندات»    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    ترامب يعلن عن لقاء مع رئيس بلدية نيويورك المنتخب في البيت الأبيض    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    تضرب الوجه البحري حتى الصعيد، تحذير هام من ظاهرة تعكر 5 ساعات من صفو طقس اليوم    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    منى أبو النصر: رواية «شغف» تتميّز بثراء نصّها وانفتاحه على قراءات متعددة    ياسر ثابت: واشنطن تلوّح بضغط سريع ضد مادورو... وفنزويلا مرشّحة لساحة صراع بين أمريكا والصين وروسيا    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    تراجع في أسعار اللحوم بأنواعها في الأسواق المصرية اليوم    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    بنات الباشا.. مرثية سينمائية لنساء لا ينقذهن أحد    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    علي الغمراوي: نعمل لضمان وصول دواء آمن وفعال للمواطنين    قليوب والقناطر تنتفض وسط حشد غير مسبوق في المؤتمر الانتخابي للمهندس محمود مرسي.. فيديو    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عادل عامر يكتب عن : كيفية مواجهة الفساد في مصر
نشر في الزمان المصري يوم 02 - 09 - 2014

ينطوي الفساد على آثار بالغة الخطورة ، مدمرة للمجتمع ، وبوصفه يمثل احد أشكال السرقة العامة للثروة الوطنية ، فانه يتسبب في تسرب الأموال العامة بطرق غير مشروعة إلى جيوب مرتكبي الفساد ، وغالبا ما تجد طريقها إلى خارج البلد ، بدلا من توظيفها داخل البلد لجلب المنفعة العامة .وان الفساد كالجرثومة الخبيثة تفترس الحكم الجيد وتقوض أركانه ، وتدمر الشرعية السياسية ، وتغتصب حقوق المواطنين العاديين وتهمشهم في الحياة السياسية ، بل يسهم في تشويه القرار الاقتصادي والسياسي ، وتكون الخيارات والقرارات خاطئة ، فتتسبب في تحويل الخدمات من الفئات التي هي بأمس الحاجة إليها إلى جماعات المصالح المكتسبة . وعندما يستشري الفساد في المجتمع ويتحكم به ، تهتز أركان الحكم وتنقص سيادة القانون ويتمادى مرتكبو الفساد في البحث عن وسائل أخرى جديدة للحصول على مزيد من الأموال بطرق غير مشروعة ، وعندما يتحكم الفساد بالمجتمع ويضرب أطنابه فيه ، تدخل البلاد في حلقة مفرغة ، حيث يغذي الفساد في إطارها نفسه بنفسه ، وعندها يتعذر السيطرة عليه بسهولة . وللفساد المالي والإداري مظاهر متعددة وآثار خطيرة . كما أن من الآثار الاجتماعية والثقافية للفساد، زيادة حدة التفاوت الاجتماعي، وسببه الفساد الذي عمّق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث تم إخضاع العملية الحسابية لمنطق الزبونية والمحسوبية الذي قاد إلى غياب العدالة في توزيع الثروة على المواطنين، مما جعل شرائح واسعة تعاني من الفقر والجوع، وهو ما انعكس بالسلب على تركيبة المجتمع والعلاقات الاجتماعية، نتيجة لتركز الثروة في يد فئة قليلة من الأفراد. ونتيجة لهذا الوضع ظهرت العديد من السلوكيات غير المحمودة داخل المجتمع مثل الرشوة والسرقة والعمولة، مما أدى إلى تعميق جذور الفساد.
ومن بين الآثار أيضًا، ترسيخ ثقافة الفساد، حيث إن الفساد ينعكس سلبًا على منظومة القيم الأخلاقية والثقافية في المجتمع، كما أنه يزعزع سلم المبادئ التي تحكم المجتمع في علاقاته المتعددة. فخطورة الفساد لا تتوقف عند حد الرشوة، بل تكمن خطورته الحقيقة في هدم القيم والأخلاق والمثل وتحويل مبادئ العلم والمنافسة إلى صفقات. فلقد أدى الفساد في مصر إلى غياب الوعي واللا مبالاة وعدم الاكتراث، كما أصبح الفساد عادة نتيجة لذيوعه بشدة في المعاملات اليومية سواء الحكومية أو غير الحكومية، وهذا أدّى أيضًا إلى إفقار ثقافة المجتمع المدني، حيث أصبح الولاء للأسرة دون المجتمع والدولة.
بالنظر إلى الوضع في مصر قبل ثورة 25 يناير، نجد أن سيادة القانون لم تكن تحترم بشكل كبير، فقد تم إصدار قوانين تخدم صالح فئات معينة على حساب الصالح العام. كما أن تنفيذ القانون و الأحكام القضائية كان يحكمه في كثير من الأحيان النفوذ السياسي، والقدرة المالية للشخص. والسمة الغالبة لطول إجراءات المحاكمة أضعف من قوة الردع القانونية والقضائية تجاه المفسدين، كما يحدث كثيرًا أن يهرب البعض إلى الخارج قبل المحاكمة، خاصة الأشخاص الذين كانوا مقربين من السلطة قبل ثورة يناير.
هذه الممارسات أدت إلى اهتزاز هيبة القانون في أعين الناس، وأصبحوا لا يتوانون في كسره، والتحايل عليه، لأنهم أصبحوا ينظرون إليه على أساس انه سيف مسلط على رقابهم قبل أن يكون وسيلة لحمايتهم، وأن القانون ما هو إلا وسيلة لحماية أصحاب النفوذ.
هناك العديد من العيوب في نظم الإدارة العامة في مصر والتي كان لها دوراً كبيراً في انتشار الفساد قبل الثورة،فعدم تحديد المهام والواجبات بدقة في الجهات الحكومية أعطى الفرصة للكثيرين للتهرب من المسئولية وإلقائها على الآخرين.
والبيروقراطية الحكومية وتعقد الإجراءات دفع الكثيرين إلى اللجوء إلى الرشوة لتسهيل أعمالهم، وأعطى لبعض الموظفين الفرصة لابتزاز المواطنين، أضف إلى ذلك ضعف الرقابة الذاتية في الأجهزة الحكومية مما شجع الموظفين الفاسدين على المضي قدماً في ارتكاب أفعال الفساد بلا رادع. وانخفاض المرتبات والأجور وسوء توزيعها وعدم ربطها بالكفاءة والنزاهة جعل البعض يبرر لنفسه، بغير وجه حق، الحصول على الرشاوى والتربح من وظائفهم حتى يحصلوا على الدخل الذي يحقق لهم الحياة الكريمة. والمركزية والفردية وعدم الشفافية في إدارة الشأن العام، يسرت لبعض المسئولين الفاسدين اتخاذ قرارات وتطبيق سياسات تحقق مصالحهم الشخصية أو مصالح الفئات التي ينتمون إليها، في ظل عدم إشراك أو استشارة الأشخاص المتأثرين بهذه القرارات أو تلك السياسات كانت المالية العامة للدولة تدار بطريقة ساهمت كثيراً في انتشار ظاهرة الفساد في الدولة، فصعوبة فهم الموازنة العامة أضعف من الرقابة الشعبية على موارد المال العام وسبل إنفاقه.
والصناديق الخاصة العديدة الموجودة خارج الموازنة العامة أدت إلى إضعاف الرقابة على أموالها وهي أموال عامة. ونفس النقد يوجه إلى موازنات البند الواحد. كما أن الإنفاق الحكومي يشوبه الإسراف. أما نظام المزايدات والمناقصات العمومية، وإن كان منظم بشكل قانوني جيد، ويتم نشر المزايدات والمناقصات على بوابة الحكومة الالكترونية بشكل شفاف، إلا أن الممارسة كشفت عن فساد كبير في هذا القطاع.
وقد عانت مصر من أساليب منح القروض في البنوك العامة التي كان يغلب عليها الطابع الشخصي، مما أدى إلى حصول كثير من المقربين من النظام السابق على قروض كبيرة بغير ضمانات والهروب بها خارج البلاد. كما أن إدارة شركات قطاع الأعمال العام والخصخصة التي تمت شابها الفساد بسبب تسييس إدارتها، وقرارات بيعها، وعدم اعتمادها على معايير الشفافية والمشاركة والكفاءة والفاعلية. وبالرغم من تسبب الفساد في عدد من الكوارث التي لن ينساها قطاعات عديدة من الشعب المصري ما حيوا، وبالرغم من انضمام جمهورية مصر العربية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بقرار رئيس الجمهورية – رقم 307 لسنة 2004 الموقعة بتاريخ 9/12/2003 والذي تقرر العمل به من تاريخ 14-12- 2005، إلا أن ذلك لم يفلح في وقف نزيف الدم والأموال المصرية بسبب وقائع الفساد وهو ما نتج عنه احتلال مصر للمرتبة 114 في مؤشر مدركات الفساد عام 2013 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية مقارنة بالمرتبة 98 بين 178 دولة عام 2010، وقد ارتفع التصنيف في نهاية ديسمبر 2013 الي رقم 117 من 176 دولة فقد حصلن مصر علي 53 نقطة من مائة بما يعني إن مصر في زيادة في الفساد المؤسسي ولم يتم تخليصه مما أدي الي ارتفاع مكانة مصر في الفساد وهو ما يعني أن الدولة المصرية بالرغم من تتابع رؤوس الحكم بها لم تفلح في وقف أو السيطرة علي مستوي الفساد داخل قطاعاتها المختلفة وأن مستوي الفساد ينتقل من سئ لأسوأ.
أصبحنا في مصر نستطيع وبكل بساطة تصنيف ثلاثة أنواع مختلفة من الفساد: أولها هو الفساد التشريعي الذي يتمثل في سعي الهيئات التشريعية إلي تجاوز وقائع الفساد أو محاباة المفسدين علي حساب جموع الشعب ومصلحة الخزانة العامة كما هو الحال بالنسبة للمرسوم 4 لسنة 2012 الخاص بالتصالح مع رجال الأعمال الذين حصلوا علي أراضي أو أصول مملوكة للدولة بالمخالفة لقيمتها الحقيقية. النوع الثاني هو الفساد الإداري المتمثل في تصرفات القطاعات الحكومية المختلفة فيما يتعلق بفتح أبواب إهدار المال العام. النوع الثالث هو الفساد الإجرائي الخاص بطبيعة سير العمل الحكومي ووجود فرص أو إمكانيات لإتاحة الحصول بدون وجه حق علي منافع أو زيادة أرباح مستثمر ما، مما يضر بالمال العام في الحالات الثلاث التي قمت بصياغتها تبعا للمتسبب في الفساد أو تسهيل الاستيلاء علي المال العام وما إذا كان هيئة تشريعية منتخبة أو من رؤساء القطاعات والمصالح وهم من يمكن تسميتهم بموظفي الإدارة العليا، وما إذا كان موظفا عاما عاديا، وهو ما لا يمكن السيطرة عليه إلا عن طريق الجهاز القضائي للدولة وإتاحة بعض الفرص للمواطنين للتصدي لتلك الأشكال المختلفة من الفساد.
وهنا ونحن بصدد تقييم أداء الجهاز القضائي للدولة فإنه لا يسعنا إلا أن نقول أن وقائع تصدي المؤسسة القضائية لوقائع الفساد ما زالت في طورها الأول ولا تعدو كونها مجرد حالات فردية لا يستتبعها قيام هيئات أخري داخل هذا الجهاز بمتابعة تنفيذ أحكام المحاكم أو قراراتها، وعن إتاحة الفرصة للمواطنين في التدخل لمواجهة وقائع الفساد أو ما يمكن تسميته بالمساءلة المجتمعية فإن ذلك يرتبط ارتباطا وثيقا بمستوي الشفافية الذي تتيحه الدولة لمواطنيها. ويرتبط من ناحية أخري بالصالح العام من حيث علاقة مصر بعدد كبير من المؤسسات الاقتصادية العالمية والتعاون بينها وبين تلك المؤسسات، لأن عددا لا يستهان به من تلك المؤسسات يربط بين شفافية المعلومات وبين الدعم أو التعاون الذي يمكن أن يقدم للدولة المعنية، من قبيل ما تنتهجه مؤسسة ميلينيوم تشالنج كوربوريشن، حيث تعتمد تلك المؤسسة في اتخاذ قرارات تقديم الدعم لدولة ما بعدة مبادئ يجب توافرها أهمها الحكم الرشيد والحرية الاقتصادية.
تلك المبادئ التي يستدل علي تحققها من خلال معدلات التحكم في الفساد وقدرة المواطنين علي محاسبة الحكومات، تلك الأخيرة التي لا تتحقق إلا بارتفاع معدلات الشفافية وإتاحة المعلومات، وهو ما تم الاعتماد عليه في حالة دول منها هندوراس في أعقاب أزمتها الاقتصادية والسياسية. وبالنظر إلي الحالة المصرية نجد أن معدل الشفافية في مصر في العام 2011-2012 طبقا ل"مؤشر الموازنات المفتوحة" الصادر من الشراكة الدولية للموازنات هو 13 بالمائة لتكون في المرتبة 83 بين مئة دولة أخري، وهو ما يعد مؤشرا خطيرا علي المستوي الذي يمكن أن يطاله الفساد في مصر وعلي مستقبل العلاقات والتعاون بين مصر وبين عدد كبير من المؤسسات الدولية كانت الحوكمة والياتها ثمرة هذه الدراسات لمنع حدوث مثل هذه الأزمات أو الحد منها في اقل تقدير ، وذلك من خلال مجموعة من الآليات ، من أبرزها الشفافية والإفصاح عن المعلومات المالية وغير المالية وإعدادها وفقا للمعايير المحاسبية ذات الصلة ، وكذلك تعزز دور وظيفتي التدقيق الداخلي والخارجي ، وبخاصة ما يتصل باستقلالية هاتين الوظيفتين وتشكيل لجنة التدقيق من مجلس الإدارة للإشراف عليهما .
تكتسب الحوكمة في الشركات المملوكة للدولة أهمية خاصة ، وذلك لأنها مازالت تؤدي دورا مؤثرا في النشاط الاقتصادي في العديد من دول العالم ، ومنها العراق ، وتمثل جزءا مهما من الناتج المحلي الإجمالي ، وتوفر فرص العمل ، فضلا عن إنها غالبا ما تكون مسيطرة في الصناعات ذات المنافع العامة ، مثل الطاقة ، والنقل والاتصالات وغيرها . وان أداء هذه الشركات ذو أهمية كبيرة لعموم المواطنين ، هذا من جانب ، ومن جاني أخر ، إذا ما قررت الدولة خصخصة قسم من هذه الشركات ، فان الحوكمة تعد متطلبا أساسيا من متطلبات الخصخصة ، وذلك لتشجيع المستثمرين على شراء هذه الشركات والاستثمار فيها ، وضمان الحصول على اكبر عائد ممكن من عملية الخصخصة ، وذلك بمنع حالات الفساد المالي والإداري التي قد تكون مرتبطة بذلك . يتضح مما تقدم إن قطاع الشركات العامة وكما هو الحال في العديد من دول العالم ، لا يزال يمثل القسم الأغلب من النشاط الاقتصادي باستثناء الزراعة ، إذ إن هذه الشركات تؤدي دورا مهما في تنمية الاقتصاد الوطني ، وذلك من خلال توفير فرص العمل لعدد كبير من المواطنين ، ومساهمتها بنصيب كبير من الناتج المحلي الإجمالي والقيمة المضافة الإجمالية . لذلك إن أي إخفاق يتعرض له هذا القطاع سوف لا تنحصر آثاره في القطاع نفسه ، بل تمتد إلى قطاعات أخرى من الاقتصاد الوطني ، والتي تعتمد على مخرجات هذا القطاع . وبناء على ما تقدم يجب تحليل ودراسة المشكلات التي يعاني منها ، وبخاصة مشكلة الفساد المالي والإداري التي استشرت فيه بشكل غير مسبوق ، ليس لغرض حماية هذه الشركات من الانهيار فحسب ، بل لحماية الشركات التابعة للقطاع الخاص التي تعتمد عليه بشكل كبير مصدرا لمدخلاتها أو سوقا لمخرجاتها ، وبالتالي حماية الاقتصاد الوطني كله .
أن شيوع ظاهرة الفساد، على الرغم من اختلافه من مكان إلى آخر بصوره وأشكاله وحجم انتشاره وأثره على مختلف نواحي الحياة، يعتبر من أهم أسباب الضعف الداخلي والخارجي للدول. فالفساد في جوهره حالة تفكك تعتري المجتمع نتيجة فقدانه لسيادة القيم الجوهرية، ولعدم احترام القانون، وعدم تكريس مفهوم المواطنة ، وغياب ثقافة حقوق الإنسان واحترامها بشكل طبيعي وتلقائي.
ومن هنا تبرز الحاجة إلى جعل مشكلة الفساد وتفشيه في العالم أولوية رئيسة من أولويات المجتمع الدولي ، فآثاره المدمرة على النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية تهدد قوة ومكانة أية دولة في العالم وتضعفها.
كما أن آثاره المدمرة تقلل من قدرة الدولة على تلبية الاحتياجات الداخلية لهذا البلد وتجعله عاجزًا عن الوفاء بالمتطلبات الخارجية. وبذلك لا يمكن للمجتمع الفاسد أن يكون قويًا أو أن تكون الدولة التي يداهمها الفساد قوية ، لأن القوة سمة النظام السياسي والاجتماعي في مجتمع تتمكن فيه الدولة من الوصول إلى درجة عالية من مستويات التماسك حول قيم جوهرية تكون سائدة بين الأفراد. لذلك فإن نقطة بدء استشراء الفساد تتمثل في منحى عدم النزاهة ، لاسيما عندما يبدأ هذا المنحى في التصاعد السريع ، وهذا التصاعد يعني أن الفساد يصبح ظاهرة اجتماعية رئيسية تمس المجتمع بأسره.
وإذا آمنا بأن ثقافة المجتمع تدفعه إلى التغيير، وتقود عملية التغيير حتى نهايتها، ونقصد هنا بالتغيير؛ الإصلاح والنهوض، والتنمية والتقدم، والرقي الحضاري بالخلاص من جميع مظاهر الفساد وفي مقدمته الفساد المالي والإداري، بالتالي لا بد لنا من البحث عن حلول واقعية وموضوعية تساهم في تغيير المفاهيم والثقافة التي تكاد أن تشكل عرفاً اجتماعياً فاسداً، ومن أهم تلك الحلول؛ العمل على:
1- النهوض بثقافة المجتمع؛ لتكون قادرة على الدفع باتجاه التغيير، إذ أن ثقافة المجتمع هي المسئولة عن الأنماط السلوكية والاتجاهات الفكرية السائدة في ذلك المجتمع، ولذلك فإن تغيير ثقافة المجتمع هي نقطة الانطلاق نحو التغيير.
2- التأكيد على البناء الحضاري والذي هو بحاجة إلى فعل إنساني واع مستند إلى فكر وإرادة قوية ووعي متقدم يبرمج خطوات هذا البناء وليس من الضروري أن يكون كل المجتمع بالمستوى نفسه من الوعي لكي يتحرك.
3- أن تبادر النخبة المصلحة في المجتمع، والأفضل أيضاً أن تكون هذه النخبة أو(النخب) من أصحاب القرار الديني والسياسي والأكاديمي الذين يتأثر بسلوكهم عامة أفراد المجتمع ليكونوا النواة التي ينطلق من خلالها قيادة الحرب على الفساد بكافة أشكاله وألوانه وفي مقدمته الفساد المالي والإداري، إذ ليس من المعقول أن ينهض بمثل هكذا مهمة كبيرة وخطير بهذا الحجم أفراد لا يملكون سلطة القرار أو لا تأثير لهم على النفوس أو أنهم يعملون خلاف ما يدعون وبالتالي فإن عمل هؤلاء قد يأتي بنتائج عكسية ومخيبة للآمال.
4- ترسيخ ثقافة الوعي القانوني وتعزيزها في المجتمع وتعويد الأفراد اللجوء الى القضاء دون خوف أو تردد وحمايتهم من أية جهة مفسدة مهما كان حجمها وسلطانها، لأن سياسة السوط قد أثبتت فشلها في كثير من الأحيان إن لم تكن معززة بسلطة قضائية تراقب وتحاسب ولا تستحي من قول الحق تجاه من تسول له نفسه العبث في مؤسسات الدولة ودوائرها العامة.
5- النهوض بالواقع التربوي وتحصين الأجيال القادمة بثقافة نبذ الفساد والمفسدين من خلال برامج مدرسية وتربوية مدروسة ضمن أسس علمية وأخلاقية صحيحة.
6- أن تكون الحرب على الفساد من أولويات الحكومة المقبلة معززة بمساندة السلطة التشريعية بصفتها الرقابية والابتعاد عن تسييس ملفات الفساد مهما كانت صفة المتهم بها وإطلاق يد القضاء لمحاسبة ومعاقبة المتورطين واحترام كافة قرارات العدالة.
إن أفضل سلاح لكسب المعركة ضد الفساد يكمن في التزامنا المتواصل لقيم الحكم الصادق، والانفتاح، والسلوك العادل، وحكم القانون، كما إن لتشجيع المخلصين في الأوساط الحكومية ومكافئتهم وتقديم الدعم والعون لهم – وهم يحافظون على المال العام ويكشفون المفسدين- الأثر الأكبر في استمالة فكر الآخرين في النظر إلى المخلص على أنه إنسان مرغوب فيه داخل الأوساط الحكومية والاجتماعية، والى الفاسد على أنه منبوذ داخل وسطه الاجتماعي والحكومي، بالتالي تنسحب تلك النظر لتكون جزء من ثقافة المجتمع العامة كي يستطيع التخلص من هذه الآفة التي عاثت فساداً في جميع مفاصل الدولة، وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
إن الفساد يعني إساءة الاستخدام للمسؤولية العامة، بغية تحقيق المنافع والمكاسب لشخص ما أو لجماعة ما، ويحصل الفساد عندما يستغل الموظف العام منصبه، للحصول على المال بطرق غير مشروعة، من خلال تورطه في أفعال غير قانونية وغير أخلاقية من شأنها إلحاق الضرر بالمصلحة العامة للمجتمع والانتقاص من سيادة الدولة ومؤسساتها.
إن انتشار ظاهرة الفساد تعكس ضعف المنظومة الاقتصادية والسياسية والقانونية للدولة، وللتميز بين الممارسات الفاسدة وغير الفاسدة، فإن الفيصل في ذلك الشفافية والمحاسبة، إذ أن الفساد حتى عندما يتحول إلى ظاهرة عامة، فإن مرتكبيه يمارسونه تحت جنح الظلام ويخفونه عن عيون الناس. والفساد لم يعد مقصوراً على دولة دون غيرها بل أضحى شبه ظاهرة عالمية، وأن اختلفت درجة تفشيه، وبمعنى آخر لا تنفرد دولة دون سواها بالفساد، فالدول على مستوى المعمورة تعاني وبدرجات متفاوتة من مشكلة الفساد، ففضائح الفساد شملت، اللجنة الأولمبية والمفوضية الأوروبية. والفساد يكتسب أشكالاً عدة بما في ذلك الرشوة والمحاباة والمحسوبية ونهب أموال الدولة، والتهرب الضريبي، وتبييض الأموال، وتزوير الانتخابات، والمقصود بالرشوة التماس المال من قبل الموظف أو المسئول لقاء تقديم الخدمات، لدافعي الرشوة، كتنظيم العقود الحكومية، وتخفيض الضرائب، والحصول على التراخيص الحكومية، وإقدام بعض موظفي الدولة على سرقة المال العام، وهم المؤتمنون عليه، يعد أيضاً شكلاً من أشكال الفساد الذي تتم ممارسته على عدة مستويات من بينها:
- الفساد الذي يمارس على المستوى الوطني. – الفساد الذي يمارس على المستوى الدولي.
- الفساد على المستوى الأدنى الذي يُمارسه صغار الموظفين. – الفساد على المستوى الأعلى الذي يمارسه كبار المسئولين.
والفساد تتم ممارسته من خلال دفع المال لبعض المسئولين تسهيلاً لقيامهم بواجباتهم الوظيفية، وتقديم الهدايا الثمينة والرشاوى لبعض المسئولين نظير الأفعال غير القانونية. وهناك علاقات ارتباط وسببية بين مستويات الفساد كافة التي ترتبط بعدة عوامل من بينها:
- العوامل السياسية: وفي ظلها تتباين مستويات الفساد صعوداً وهبوطاً تبعاً لقوة أو ضعف الحريات المدنية، لاسيما حرية الصحافة واستقلالية وسائل الإعلام كافة، وحرية نشاط مؤسسات المجتمع المدني من عدمها، وطريقة تنظيم الحملات الانتخابية والتي تشكل مجتمعة مدخلاً للفساد.
- العوامل القانونية: يتناسب الفساد وغياب التشريعات. فإذا كانت القوانين واضحة صارمة، فإن من السهولة بمكان اكتشاف حالات التورط في الفساد. وتطبيق القانون يتوقف إلى حد كبير على مصداقية الأجهزة القضائية والرقابية، ومدى قدرتها على مكافحة الفساد، وبغيابها تعم ظاهرة الفساد.
- العوامل البيروقراطية: تشكل البيئة البيروقراطية مرتعاً للفساد، وكلما كثرت القوانين والتعليمات وتداخلت مع بعضها بعضاً، كلما كثرت محاولات الالتفاف عليها من قبل المسئولين الحكوميين، لاسيما في ميدان الخدمات والدوائر المالية والضريبية، وتتوقف مساحة الفساد على مدى الصلاحيات التي يتمتع بها المسئول الحكومي، وعلى مدى محاسبة المسئولين عن القرارات التي يتخذونها بعيداً عن روح القانون، أي كلما زادت الصلاحيات وتراخت المحاسبة كلما اتسعت رقعة الفساد. – العوامل المعيشية: يتناسب الفساد طرداً وضعف الأجور والرواتب التي يتقاضاها الموظفين الحكوميين، الذين تنفتح شهيتهم، فيتورطون في الممارسات الفاسدة، وكلما قل احتمال انكشاف الفساد، وكلما انخفض الثمن المدفوع لدى انفضاحه كلما زاد احتمال حصوله. – العوامل الاقتصادية: تتسع رقعة الفساد في الأنظمة التي تحتكر المؤسسات الاقتصادية المفصلية التي تهيئ للمسئولين فرصاً مواتية لمعرفة ما هو مستور من الأمور، فيستغلونها لتحقيق مصالحهم الشخصية الضيقة، ومصالح الفئات التي تتحالف معهم. وتتصل العوامل الاقتصادية اتصالاً وثيقاً بالعوامل البيروقراطية، التي تؤسس لعلاقات اقتصادية، تتسم بالاستغلال نتيجة غياب المشاركة والشفافية والمحاسبة، حيث تستغل العقود الحكومية والإعفاءات الضريبية لتحقيق المنافع الشخصية. – العوامل الانتقالية: عندما ينتقل الحكم من الدولة الشمولية البيروقراطية إلى الدولة الوطنية الديمقراطية، ومن الاستبداد إلى الحرية، فإن الفساد سرعان ما ينتشر وتشيع ظاهرته فيتحكم في المجتمع استبداد الفساد.. إلى درجة أن رجال الأعمال يضمنون فاتورة الفساد التكاليف واعتبار المبالغ المدفوعة كرشاوى، خصومات ضريبية. – عوامل الإعانات والمساعدات الاقتصادية: تستغل الدول التي تعاني من سوء الحكم الإعانات والمساعدات التي تقدم لها في صورة قروض وإعانات وهبات من المؤسسات المالية الدولية، فتحدث بها مؤسسات وهمية، تُسخر في خدمة كبار المسئولين، في ظل غياب المحاسبة والشفافية.
** كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.