سوهاج - مظهر السقطى: أنهى «كرم» ابن قرية بيت داود بجرجا تعليمه، وحصل على معهد فنى تجارى وكعادة معظم أهالى الصعيد أنهت أسرته استعداداتها لإقامة الأفراح وتحديد ميعاد عرسه على الفتاة التى أحبها وتعلق بها قلبه منذ فترة طويلة ولم تفكر الأسرة ولو لحظة كيف سيدبر كرم ظروفه، ويصبح مسئولاً عن أسرة وهو لا يعمل بعد ولكن كل همهم أن تفرح بابنها بعد أن أنهى تعليمه وحجتها «عايزين نشوف أولاده قبل ما نموت» أما كرم الذى أنساه الفرح والحصول على محبوبته كيف يمكنه فتح بيت ومن أين سيقوم بالإنفاق عليه؟ غرق فى بحرى الهوى والغرام. وبعد أن منّ الله عليه ورزقه بطفلة جميلة ارتسمت على ملامحها صورة أمها أفاق كرم على الظروف المادية الطاحنة التى أصابته بحالة من اليأس والاضطرابات النفسية التى جعلته شديد العدوانية فى تعامله مع الناس حتى أقربهم إليه زوجته وابنته ذات الخمس سنوات واسودت الدنيا فى عينيه بسبب عدم قدرته على الوفاء بمتطلبات أسرته الصغيرة، ما جعله يشعر بالعجز الذى حاول إخفاءه بالتعامل بجفاء شديد مع زوجته التى ضاقت ذرعاً بهذه المعاملة السيئة التى لم تكن تتوقعها مع حبيبها وشريك حياتها ووالد ابنتها الوحيدة، رغم أنها كانت بسيطة جدًا فى متطلباتها فكان يكفيها فقط الحصول على لقيمات صغيرة تأكلها بملح وحرمت نفسها من ملذات الحياة فمنذ قدوم طفلتهما لم تطلب منه شيئاً فوق طاقته لعلمها بظروفه المادية ورغم حزنها الشديد وحسرتها على فلذة كبدها عند بكائها لمشاهدة قطعة حلوى أو حبة فاكهة فى يد طفل من أبناء الجيران ولكن الأم كانت تكتم فى قلبها وتضم طفلتها إلى صدرها وتحاول أن تنسيها بمداعبتها ودغدغتها حتى لا يشعر الزوج بشىء أو تجرح مشاعره وتحسسه بالنقص أمامها وكانت تحاول بكل الطرق التخفيف عنه ودائماً ما تقول له: «بكره تفرج.. بكره تتعدل.. سيبها على الله.. ربنا يدبرها من عنده». تحملت وفق طاقتها من أجل طفلتها والبقاء على حبها ولسان حالها يقول «العشرة لا تهون إلا على ولاد الحرام» ولكن ما زاد الطين بلة هو العصبية التى سيطرت على زوجها وإهانته لها التى زادت على الحد وأخيرًا وبعد طول تفكير قررت ترك منزل الزوجية للهروب من جحيم الإهانات وسيل الشتائم الذى لا ينقطع والألفاظ النابية التى لم تتعود عليها من شريك حياتها يومياً وكانت محاولة فرارها من منزلها كوسيلة ضغط عليه لعله يعود إلى صوابه، وهذا ما رفضه بشدة واشتبك معها فى معركة عنيفة وغير متكافئة فسرعان ما فقدت قوتها وانهار جسدها أمام شراسته وعندما تغلب عليها قام بشل حركتها وتوثيقها على كرسى بالمنزل وأحضر سلكاً كهربائياً وقام بصعقها أعلى العضد وأسفل الإبطين ولم يرحم صرخاتها أو توسلاتها بل لم يرحم صرخاتها طفلتهما الصغيرة والتى بح صوتها وانخرطت فى البكاء بعد أن أصابتها حالة من الخوف والهلع من هول ما تشاهده وهى ترى والدها يعذب والدتها بطريقة وحشية وحاولت التعلق بساقيه وإزاحته بعيدًا عن والدتها ولكن الشيطان قد سيطر عليه وأعماه وشل تفكيره فركلها بقدمه بعيدًا عنه. وفجأة سكت صوت الزوجة وسكن جسدها عن الحراك نهائيًا وسلمت روحها لبارئها واستسلمت نهائياً لرغبة شيطانه اللعين لقتلها هنا استفاق الوحش الكاسر بداخلها وتركه إبليس وجلس قبالته بضحك عليه ويسخر من فعلته الشنعاء وحاول كرم إفاقتها بكل الوسائل دون فائدة ليكتشف أنها فارقت الحياة، فأسرع إلى إبلاغ مركز شرطة جرجا مدعيًا إصابة زوجته بصعق تيار كهربائى وتوفيت تم نقل الجثة لمشرحة المستشفى المركزى وأخطرت النيابة لمباشرة التحقيق. التحقيقات كشفت كذب ادعاء الزوج بأن زوجته ماتت صعقاً بالكهرباء بجهاز منزلى.. واعترف بجريمته الشنعاء وسرد حكايته التى تدمى القلوب.. بكى طويلاً على حب عمره الذى قتله بيديه.. وكيف كانت زوجته تعشقه وتحملت كثيرًا فشله وظروفه المادية الطاحنة.. لم تحرجه فى يوم من الأيام.. بل تحملت فوق طاقتها كسله وعجزه وقلة حيلته.. ذاقت عذابه ألواناً.. ولكن قابل حبها وتضحياتها من أجله.. بالنكران والتعذيب وحملها تبعات فشله.. قتلها. وأخيرًا أسلمت روحها لخالقها وهو أسلم نفسه للمحقق الذى سلمه بدوره لرجال الأمن ووضع فى الحجز منتظراً موعد محاكمته.. طلب من أسرته عدم زيارته وخاصة طفلته فإنه لا يرغب فى أن تراه فى هذا الوضع.. الغريب فى الأمر أن الطفلة هى من رفضت الذهاب إليه فطالما كان جدها يعرض عليها رؤيته كانت الطفلة تصرخ.. فهى تتذكر أمها وعذابها أمام عينيها الصغيرتين فهذا المنظر لن يغادر ذاكرتها مطلقًا.