«ثانوية» فى معاجم اللغة هى: اسم منسوب إلى ثانٍ (أى ما يلى الأول فى الدرجة والمرتبة) وليس له الأهمية الأولى.. والثانوى عند العامة تعنى الشيء الهامشى الذى ليس له تأثير.. والغريب أن كل وزير يتحدث عن تطوير التعليم، يفاجئنا بان جوهر التطوير الذى يقصده هو تغيير نظام الثانوية العامة! والثانوية العامة ذات ال192 ربيعا، ظلت محور اهتمام المصريين جميعا منذ ميلادها عام 1825، ووقتها أطلق عليها اسم المرحلة التجهيزية، باعتبارها مرحلة تجهيز الطلاب لدخول التعليم العالى، الذى لم يكن يضم وقتها سوى مدرسة المهندس خانة ( كلية الهندسة )، والمدرسة الطبية ! وكانت كل مدرسة تجهيزية تجرى فى نهاية سنوات الدراسة الثلاث اختبارا خاصا بها، تماما مثلما يحدث فى الشهادة الابتدائية حاليا، ومع مطلع عام 1887، تم لأول مرة توحيد امتحانات المدارس التجهيزية، وأطلق على هذا الاختبار الموحد اسم الثانوية العامة. وجاء اول تغيير فى الثانوية العامة بعد 4 سنوات فقط من ميلاد الامتحان الموحد للثانوية العامة، ففى عام 1891 تقررت زيادة مدة الدراسة بالمدارس الثانوية من 3 سنوات إلى 5 سنوات، ولكن لم يستمر هذا التغيير طويلا، فتم التراجع عنه بعد 6 سنوات، وعادت مدة الدراسة إلى 3 سنوات. وبعد 9 سنوات أخرى، أى فى عام 1905 جاء التعديل الثالث فى الثانوية العامة بزيادة مدة الدراسة إلى 4 سنوات، مع تقسيمها إلى مرحلتين، كل منهما عامان اثنان، أولهما أطلق عليه اسم "الكفاءة" ويتم فيها دراسة جميع المواد العلمية والأدبية، ويحصل من يجتاز هذه المرحلة على شهادة تسمى شهادة الكفاءة تتيح له التوظف فى أى جهة حكومية، والعامان الآخران يطلق عليهما اسم التوجيهية، ويتم فيها التخصص فى أحد القسمين العلمى والأدبى، وبعد عامين فقط من هذا التعديل تم تعديل التعديل، بإلغاء شهادة الكفاءة، والإبقاء على شهادة واحدة للثانوية العامة يحصل عليها من يجتاز اختبارات السنوات الأربع. وفى عام 1928 دخل تغيير جديد على الثانوية العامة وعادت سنواتها إلى 5 سنوات بدلا من 4 سنوات، ثم جاء أغرب تغيير على الثانوية العامة فى عام 1935 لتصبح الدراسة 5 سنوات للبنين و6 سنوات للبنات! والطريف أن هذا التعديل كان هو الأطول فى تاريخ الثانوية العامة، فلم يتم إلغاؤه إلا بعد ثورة 1952، ولكن ظلت الثانوية العامة 4 سنوات لعدة عقود، ففى عام 1977، تمت العودة لنظام الثانوية العامة ذى السنوات الثلاث، وفى نهاية حكم الرئيس السادات، وتحديدا فى عام 1981، تم تحويل القسم الأدبى إلى شعبتين، كما هو الحال فى القسم العلمى الذى يضم شعبتى العلوم والرياضيات، وكان التخصص فى كل شعبه يبدأ من الصف الأول الثانوى، وبعد 7 سنوات من هذا التعديل تم تعديله مرة أخرى، فعادت الدراسة فى الصفين الأول والثانى الثانوى للدراسات العامة، على أن يتم التخصص فى الصف الثالث، ما بين الأدبى والعلمى علوم وعلمى الرياضيات. وفى 1991دخل تعديل جديد على الثانوية العامة بإدخال مواد اختيارية يدرسها من يريد من الطلاب، ويخوض فيها اختبار نهاية العام على أن تضاف تلك الدرجات للمجموع النهائى. وبعد 3 سنوات من هذا التعديل، وفى عام 1994، دخل تعديل جديد يجعل امتحان الثانوية العامة يتم على عامين، وهما الصف الثانى والصف الثالث، مع إتاحة الفرصة لم يرغب من الطلاب فى تحسين مجموعه، ولكن هذا النظام لم يستمر سوى عامين فقط، ففى عام 1996، تم إلغاء نظام التحسين، وظلت الثانوية العامة ممتدة على عامين وبنظام الأدبى والعلمى. وبعد ثورة 2011 وتحديدا مع مطلع العام الدراسى 2012 ألغت وزارة التربية والتعليم نظام السنتين، وعادت شهادة الثانوية العامة لتقتصر فقط على درجات الصف الثالث الثانوى. وفى عام 2014 أعلن الدكتور محمود أبوالنصر وزير التربية والتعليم وقتها، خطة استراتيجية لتطوير الثانوية العامة تتضمن إلغاء نظام الثانوية العامة واقتصار الدراسة بأن يدرس الطلاب المواد المؤهلة للكليات التى يرغبون في الالتحاق بها، فيما يدرس الطلاب مواد مشتركة كاللغة العربية والتربية الدينية واللغة الإنجليزية، ولكن هذه الخطة لم تخرج إلى النور، بعدما خرج «أبو النصر» من الوزارة! وبعد أن تحول الغش الجماعى وتسريب امتحانات الثانوية العامة إلى ظاهرة جامحة منذ 2011، تمت لأول مرة مواجهة الغش الجماعى وتسريب الامتحانات فى عام 2015 بنظام البوكليت، حيث الأسئلة والأجوبة فى ورقة واحدة ولكل ورقة أسئلة رقم خاص، يمكن من خلاله معرفة مصدر تسريب أى ورقة أسئلة. ولم يتوقف قطار الثانوية العامة عند هذا الحد من التعديلات، فأخيرا جاء الدكتور طارق شوقى ليعلن عن نظام جديد للثانوية العامة، سيبدأ تطبيقه مع العام الدراسى 2018-2019، وهو نظام «الثلاث سنوات مجتمعة»، حيث ستكون شهادة الثانوية هى محصلة تقييم الطالب على مدى السنوات الثلاث، كما سيتم استخدام نوعين من التقييم فى سنوات التعليم الثانوى، الأول القائم على المشاريع على مستوى المدرسة، والثانى التقييم القائم على أسئلة الاختيارات المتعددة والتى سوف يتم تصحيحها إلكترونيا. والمفاجأة أنه رغم أن خطة تطوير التعليم التى يتبناها الوزير شوقى تولى اهتماما كبيرا بالثانوية العامة، إلا أن واقع الثانوية العامة هذا العام لم يشهد أى تغيير، فالدروس الخصوصية على أشدها، الفصول الدراسية خاوية من طلابها.. وهذا ما أكدته دراسة للدكتور سليمان الصالح مدير مركز الدراسات التربوية، فبحسب الدراسة فإن نسبة حضور الطلاب المقيدين بالصف الثالث الثانوى لهذا العام لا تتجاوز 15% فى المتوسط.. وقال الدكتور الصالح «الدراسة أجريت على عدة مدارس بمحافظات القليوبية والشرقية والمنوفية، ورصدنا حال عشرات الفصول فى كل محافظة، فوجدنا أن الكثير منها خاويا تماما، وبعضها ليس فيه سوى طالبين أو ثلاثة، وأقصى نسبة حضور لم تتعد 25% فى أفضل المدارس». وأضاف: «الدراسة كشفت أيضا أن بعض المدرسين هم من يطلبون من الطلاب عدم الحضور للمدرسة، من أجل التفرغ للدروس الخصوصية، التى يعطيها أغلب الأساتذة فى نفس موعد المدرسة»!. وواصل: كثير من طلاب الثانوية العامة هذا العام لم يذهبوا للمدارس إلا لدفع المصروفات أو لاستلام الكتب، وبعدها انقطعوا عن الذهاب تماما، مكتفين بالدروس الخصوصية، وواصل «فاتورة الدروس الخصوصية هذا العام هى الأعلى مقارنة بأى سنة سابقة، خاصة بعد أن طال لهيب الأسعار كل شىء، وقاربت 100% فى أغلب المواد، فالحصة الواحدة فى مادة الفيزياء ب80 جنيها والكيمياء ب90 جنيها، واللغة العربية ب50 جنيها، والإنجليزى 80 جنيها، والألمانى 60 جنيها، والفرنساوى 60 جنيها والجغرافيا ب40 وكذلك باقى المواد الأدبية.