حقاً إنه شيء عجيب ، حيث تواترت الأنباء عن اتفاق بين الجهات الرئيسة الحاكمة على « مرشح توافقى» لرئاسة الجمهورية اتفقت عليه الأطراف الكبيرة في الساحة السياسية ، و بقى أن تجرى الانتخابات المعروفة نتائجها مقدماً ليتوج رئيساً للبلاد يرضى عنه الجيش و ترضى عنه الأكثرية البرلمانية . و هذه بالتأكيد خطيئة لا تغتفر يرتكبها من ائتمنهم الشعب على إدارة البلاد وتحقيق أهداف الثورة ، و حين فاحت رائحة الصفقة و تعالت الأصوات الغاضبة بادر الرئيس التآمرى الذى سمّته التسريبات الإعلامية ، بادر لنفى أية صلة له بالموضوع ، و لتأكيد أن أحداً لم يفاتحه في الأمر و أنه لم تتفق معه أية جهة ، بل والأكثر أنه لا ينوى مطلقاً الترشح لرئاسة الجمهورية . و بناء عليه بدأت تسريبات أخرى تظهر على صفحات الصحف و في دوائر الشائعات السياسية تحمل لنا اسماً آخر نال الحظوة عند الكبار, و على الشعب أن يبارك الاختيار فى تمثيلية الانتخابات . نقول إن هذا السعى لفرض ما يسمى بالمرشح التوافقى خطيئة كبرى للأسباب التالية: أولاً – يمثل هذا السعى التفافاً على إرادة الشعب صاحب الحق الوحيد في اختيار الرئيس ، و تحويل الانتخابات إلى مسرحية هزلية يمثل الشعب فيها دور «العبيط» و يمثل الآخرون أدواراً رديئة لا أحب أن أسميها ، و كأننا نبدد أموال الشعب و جهود الناس و الوقت الثمين للأمة دون وازع من ضمير لنمثل أدوارا لا لزوم لها فى عملية يضحك عليها الناس جميعاً و نحن « المضحوك» علينا . ثانياً – سيكون هذا الرئيس التآمرى بطبيعة الأشياء بطة عرجاء أو نعجة كسيحة لا تقدر على التفكير المستقل أو اتخاذ القرار ، فكل ما يهمه هو رد الجميل وتقديم قرابين الولاء لمن جاءوا به، و هم بالتأكيد – في نظره هو قادرون على تغييره . وكأننا وضعنا دمية ضعيفة على رأس الدولة مكافأة لكل الشهداء و لكل الثوار الذين ثاروا من أجل استرداد حق الشعب في اختيار حاكمه و محاسبته و تغييره عند الحاجة . أهذا ما تستحقه مصر يا أرباب السياسة المخلصين ؟! أهذا جزاء دماء الشهداء ؟! ثالثاً – تعنى هذه اللعبة الهزلية أن عدداً من الأفراد جلسوا معاً في غرفة مغلقة وتباحثوا و اختاروا و قرروا وفرضوا وصايتهم على الشعب ، لأنهم يظنون أنهم يعرفون مصلحته أكثر منه ، وعليه أن يطيع ويتقبل الاختيار ويشكر الله أن هيأ له هذه الشلة العبقرية التى ترعى مصالحه ، وتختار له ما في صالحه . وسؤالى هو ما الذى اختلف عن العهد البائد إذن ؟ ألهذا قمنا بالثورة ؟و هل هذه هى الأمانة في تولى ادارة الدولة لتحقيق أهداف الثورة ؟! رابعاً – ثم إن هذه اللعبة الهزلية تستخف بكل الأصول و المبادئ الديمقراطية التى تقضى بأن يكون الناخبون هم أصحاب القرار ، و أن يكون الصندوق هو الذى يحسم الاختيار . و حتى إذا جاء الاختيار معيباً فالصندوق مرة ثانية هو الذى يفرز اختياراً جديداً .. هذه هى الديمقراطية .. و يبدو أن مئات الشهداء و آلاف الضحايا ليسوا كافيين ليفهم بعض من بيدهم الأمر معنى الديمقراطية وان كانوا يتغنون بها صباح مساء . خامساً – تقضى هذه اللعبة السخيفة على أساسيات الديمقراطية و المجتمع الحر والتى فى مقدمتها التنافس الشريف بين المرشحين الذين يرون في أنفسهم أهلية تولى الرئاسة والنهوض بالبلاد، ويكون الناخبون هم أصحاب القرار النهائى في حسم الاختيار . فلا منافسة ولا تنافس فقد حسم الكبار الأمر وعلينا الشكر و الطاعة ! سادساً – ثم من قال إن هذه الفئة محدودة العدد و المتوافقين على مرشح «تآمرى» ، من قال إنهم سيتخذون القرار الصحيح ؟ و من قال إنهم مخلصون ؟ و من قال إنهم جميعاً مؤهلون لفرض الوصاية على الشعب ؟ سابعاً – وإذا كانت جماعة «الإخوان المسلمون» قد عانت وتعذبت لعشرات السنين، و ناضلت و صمدت في وجه الاستبداد والقمع .. ثم جاء اليوم الذى قامت فيه الثورة بواسطة طليعة شبابية نقية ساندها شعب توّاق للحرية، وطلع النهار وأشرقت الشمس، و سطعت الحرية ، وطال الجماعة نسيم الحرية لتعود للعمل في الساحة السياسية . هل يُقبل منها أن يكون رد الجميل هو خنق الديمقراطية، ووأد إرادة الناخبين، وحرق الصناديق في «غزوة التوافق» ؟ ثامناً – أما المجلس العسكرى فمن المؤكد أنه يستحق منا الاحترام و التبجيل لأنه ساند الثورة من البداية ، فهل يقبل منه التخلى عن أهدافها ؟ عجبى ! آخر سطر أبوها راضى و أنا راضى .. مالك انت و مالنا يا قاضى ؟ ------- بقلم - د. صديق عفيفى