نشرت جريدة «الجارديان» البريطانية في 8 فبراير مقالا للكاتب إسلام لطفي يحلل فيه الأوضاع السائدة حاليا في مصر في ظل هذه السيولة السياسية والانفلات الأمني تحت عنوان «مازال سياسيو مصر تحت سيطرة العسكر». يقول إسلام إنه لو كان يراد للثورة المصرية أن تؤدي الي قيام الديمقراطية فعلي البرلمان أن يتحررمن سطوة الجنرالات، فالاحتجاجات التي جرت بسبب مأساة كرة القدم الأخيرة في مصرهي نموذج للحياة اليومية الجارية في الثورة المصرية وحتي الآن لا يكاد يمر أسبوع أو حتي يوم دون أن يفقد البعض حياتهم من أجل الحرية أو يصابون خلال الصراع. إن الثورة بطبيعتها هي صراع علي الشرعية بين البرلمان المصري وبين العسكر والطبقة المسيطرة وبين الشعب في ميدان التحرير. ومع أن الثورة انفجرت في بدايتها كاحتجاج علي الظلم السياسي والاقتصادي والاجتماعي تحت حكم مبارك فقط كانت بعض عناصر في نظامه تتصدر أسباب انفجار الثورة، فاختيارات الرئيس المخلوع في علاقاته الخارجية وخطته لتوريث الحكم من بعده لابنه تتصدر أسباب الثورة، لقد سحق الشباب المصري هذه العناصر أما جنرالات الجيش فلم يفهموا كيف يمكنهم التوفيق بين اعتراضهم علي توريث الحكم وبين حرصهم علي حماية شرعية مبارك، وفي النهاية كان شباب ميدان التحرير هم من حسم الأمر للجنرالات. ولم يكن الجنرالات ينظرون للأمر كنظرة شباب ميدان التحرير ولم يعاملوا الثورة بالاحترام الكافي، كانوا ينظرون للثورة علي أنها تهديد لشرعية الجيش السياسية والثورية التي بنيت علي تاريخ انقلاب الضباط الأحرار سنة 1952م. فطوال الستين سنة الماضية كانت حياة مصر مصبوغة بلون زي الجيش الكاكي فلا أحد في مصر يترك منصبا رسميا دون تدخل من ضباط الجيش، كل المناصب بما فيها رئيس الجمهورية والوزراء ورؤساء المدن والقري تملأ بمعرفة العسكر. وبعد مرور سنة علي قيام الثورة يبدو أن العسكر لم يفهموا أن الثورات تسبب تغييرات شاملة في المجتمع، فمفهوم أن ثورة يمكن أن تندلع عن طريق شبكة معلومات الانترنت هو مفهوم غريب علي العسكر الذين لا يتصورون أن يسيروا وراء قيادة الشباب وغياب العسكر من الاشتراك في الثورة أمر يثير جزعهم منها تماما. كان عدد من قيادات الجيش جزءا لا يتجزأ من نظام مبارك، فقد نجح مبارك في تحويل اهتمام ضباطه بعيدا عن السياسة ونحو الاقتصاد كانت مصالحهم المادية خلال حكم مبارك تمنعهم تماما من أي تفكير في الإطاحة وتطهير مؤسسات الدولة من أعوانه وينظر كبار الضباط لهذه الثورة بمثابة مجرد حركة احتجاج ضد الفساد وضد حالات التعذيب ضد المواطنين واستمرار الضغط الاقتصادي علي الفئات المطحونة في مصر، ومازال هؤلاء الضباط الكبار يعتقدون أن الحل يكمن في تخفيف درجة الفساد والنزول بمستوي تعذيب المواطنين الي الحد «الآمن» واستئناس العمال والطبقة المتوسطة بتقديم كبش فداء أمني وإشاعة جو من الخوف العام ضد فقدان الاستقرار، وكذا التلويح بالتهديد بالتدخل الأجنبي اذا لم تهدأ حدة الثورة، وبذلك يستكمل الجنرالات خطتهم لاحتواء الثورة. ولكن ماذا عن شرعية البرلمان؟ فبدون الثورة التي قامت ما كان ممكنا إجراء انتخابات حرة ولاستمر برلمان سنة 2010 المزيف في السيطرة علي الحياة السياسية في مصر مع أنه في يوليو الماضي أدت حركة الاحتجاج الي الضغط علي المجلس العسكري الحاكم لوضع جدول زمني لانتخابات برلمانية وقد ضمنت الدماء التي سالت في مذبحة محمد محمود شفافية الانتخابات التي جرت بعد ذلك. ورغم ذلك كانت أصوات بين النواب الذين جري انتخابهم تسأل الأسئلة الخطأ عن هل تكون الأولوية للبرلمان أو لميدان التحرير، وكان النشطاء السياسيون يريدون معرفة كيف سيساند البرلمان وميدان التحرير بعضهما البعض، إن صلب الموضوع يكمن في حقيقة أن أغلب الجماعات السياسية في البرلمان حاليا - أي الإخوان المسلمين والسلفيين - يعتبرون الأصوات التي انتخبتهم بمثابة تفويض من الشعب للبرلمان مع ما يتوقعه ميدان التحرير من برلمان الثورة الذي يري فيه الميدان أحد الأدوات المشروعة لتحقيق أهداف الثورة، ويفسر هذا التعارض في الرؤية بين المتظاهرين الذين زحفوا علي البرلمان بمطالبهم وبين منع الإخوان المسلمين لهم من الوصول للبرلمان وما نتج عن ذلك من مصادمات دموية. كان الإخوان المسلمون يرون أن البرلمان هو صاحب الشرعية الوحيد وهكذا وقع النواب تحت السطوة الدعائية للمجلس العسكري وشبكة أصحاب المصالح. إن الصراع علي المشروعية لن ينتهي سريعا، من الواضح أن مصلحة مصر تستدعي تدعيم الثورة تماما والمطالبة بالانسحاب الفوري للعسكر من الحكم وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ولكن من المهم للمسئولين الباقين من نظام مبارك أن تتاح لهم فرصة محاكمة عادلة ولكن علي الثورة التمسك برفض فكرة أن قوات الأمن هي حامي الدولة فسيضمن ذلك نهاية سيطرة العسكر علي المناصب السياسية العليا في مصر وسيمهد الطريق لتراجع نفوذ الجنرالات عن خيوط السلطة في مصر، ففي هذه الحالة فقط سيرث البرلمان المنتخب والرئيس الجديد للجمهورية دولة حقيقية يستطيعون فيها تطبيق ما يتخذونه من قرارات. إن انسحاب العسكر الي ثكناتهم سيضع خيوط السلطة في يد البرلمان، وستكون لدي البرلمان فرص وضع أسس لدولة مصرية حرة ذات قضاء مستقل قادر علي تحقيق الأهداف الثورية، وطمأنة الثوار الي أن الدم الذي أريق علي أرض مصر من أجل الحرية والتغيير والعدالة الاجتماعية لم تذهب إراقته هباء، فقد أريق هذا الدم الطاهر حتى تستطيع مصر الخروج من سجن الفقر والجهل، والتحول نحو الاستقلال الحقيقي، فإذا أدرك البرلمان هذا المعني ووعاه تماما فإن الثورة تكون قد نجحت نجاحا كاملا. وإلي هنا ينتهي تحليل الكاتب للصراع الدائر في مصر حاليا بين العسكر والنواب والثوار، ولا يمكن القطع بما ستتمخض عنه الأحداث خلال الشهور القليلة القادمة ولا يمكن استبعاد وقوع جولة من الثورة المضادة - لا قدر الله - تتكاتف فيها كل قوي الشر في الداخل والخارج لإجهاض هذه الثورة الطاهرة التي أبهرت العالم، ولكن الشيء الذي نراه أكيدا فوق الأفق سواء كان قريبا أو علي بعد قليل هو النجاح المحتوم لهذه الثورة المباركة في نهاية المطاف، فقد علمنا التاريخ أن الشعب المُصر علي استرداد حريته وكرامته يستحيل أن تقهره قوي الشر مهما تجمعت، وثقتنا بعون المولي تبارك وتعالي أن الشعب الذي كسر حاجز الخوف الي الأبد ولم يعد ممكنا خداعه لا بإعلام ملوث ولا بادعاء بطولات سياسية زائفة لطغاة بالطبيعة وبالممارسة، هذا الشعب العظيم سيصل بمصر حتما الي بر الديمقراطية والعدالة الاجتماعية مهما وقع في سبيل ذلك من دمائه الطاهرة. ------- نائب رئيس حزب الوفد