ذكرت صحيفة الجارديان مقالا بعنوان " ساسة مصر لا يزالوا تحت تأثير المؤسسة العسكرية" اورت فيه ان الاحتجاجات على مأساة كرة القدم الأخيرة بمصر هي مظهر من مظاهر الحياة اليومية في الثورة المصرية المستمرة حتى الآن ، فلا يكاد شهر واحد، أو أسبوع او يوم يمر دون فقدان حياة شخص آخر ، أو تعرضه للاصابة في نضاله من أجل الحرية, فجوهر الثورة هو النضال من أجل الشرعية بين البرلمان المصري, و المؤسسة العسكرية ، والشعب في ميدان التحرير. فعلى الرغم من أن الثورة اندلعت في البداية احتجاجا على الظلم السياسي والاقتصادي والاجتماعي لحسني مبارك، كان هناك عدد من الملامح المميزة لنظامه التي طغت علي الاخري كخطته، على سبيل المثال، لتوريث السلطة لابنه. و لكن الشباب المصري سحق تلك الفكرة، ولم يستطع الجيش فهم كيفية التوفيق بين اعتراضاهم علي توريث السلطة مع حماية شرعية مبارك. و في النهاية، حسم شباب ميدان التحرير في هذه المسألة بالنسبة لهم. و كما هو متوقع، لم يرى العسكر الأمر على هذا النحو تماما، و لم يتعامل مع الثورة بالاحترام الكافي، وكان ينظر إليها على أنها تشكل تهديدا لشرعية الجيش السياسية والثورية، و شرعية انقلاب الضباط الأحرار في عام 1952. فلا أحد يترك وظيفة في الدولة المصرية دون تدخل من ضباط الجيش. ويمكن إعادة تعيين كل فرد ، من قبل الرئيس و وزرائه و قادة المجالس البلدية والقروية. وبعد عام على الطريق الثوري، يبدو أن الجيش قد فشل في فهم ان الثورات احدثت تغييرات في المجتمع بأسره, فمفهوم الثورة التي ترعاها مواقع الشبكات الاجتماعية غريبة عن القادة. وكان بعض من القيادة العليا للجيش جزء كبير من شبكة مبارك, ونجح في تحويل اهتمامات ضباطه بعيدا عن السياسة، من أجل الاقتصاد حيث أكد علي مصالحهم المالية الراسخة في النظام القديم ليمحي اي أفكار تدعو إلى إسقاط الرئيس وتطهير مؤسسات الدولة, و اعتبر كبار الضباط ما حدث مجرد احتجاجات ضد الفساد، وتجاوز الحدود بالتعذيب والضغط المستمر على الفئات الاجتماعية الأكثر فقرا في مصر, و انهم ما زالوا يؤمنون بأن الحل يكمن في الحد من الفساد، ووضع التعذيب في حدود "آمنة" وترويض الطبقات العاملة والمتوسطة بتقديم بعض رموز الأمن كبش فداء ، و قذف الخوف عامة من فقدان الاستقرار في نفوسهم, بالاضافة الي خطر التدخل الأجنبي في حالة استمرار اشتعال الثورة, و بذلك تصبح خطة الجيش كاملة. و لكن ماذا عن شرعية البرلمان؟ فمن دون الثورة لم يكن لنشهد انتخابات برلمانية حرة و لاستمر برلمان 2010 في الهيمنة على السلطة التشريعية في مصر, وعلى الرغم من أن احتجاج يوليو الماضي كان عامل الضغط الرئيسي الذي دفع المجلس العسكري الحاكم لتحديد جدول زمني للانتخابات البرلمانية، الا ان الدم الذي سال في مجزرة محمود محمد حافظ على شفافية الانتخابات. فالنضال من أجل الشرعية لن ينتهي سريعا, فمن الواضح أنه في مصلحة مصر لدعم الثورة تماما، ومطالبة الحكومة برحيل الجيش الفوري واجراء انتخابات رئاسية مبكرة. ومع ذلك، فإنه من المهم أيضا تقديم المسؤولين من نظام مبارك إلى محاكمة عادلة والطعن في فكرة أن قوات الأمن هم حماة للدولة, وهذا يضمن وضع حد للسيطرة العسكرية على المواقف السياسية الأبرز في مصر، وسيمهد الطريق لانسحاب نفوذ القادة العسكريين على بقية أروقة السلطة في مصر, وعندئذ فقط يرث البرلمان المنتخب والرئيس الجديد دولة حقيقية حيث سيكون لديهم القدرة على تنفيذ قراراتهم. رحيل العسكري يضع الكرة بقوة في ملعب البرلمان، لأنه سوف يتيح له الفرصة لوضع الأسس لمصر الحرة مع سلطة قضائية مستقلة قادرة على تحقيق أهداف الثوار وطمأنتهم بأن الدم الذي سال على الأراضي المصرية من أجل التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية لم يسيل عبثا, بل كان السبب الذي مكن مصر من الخروج من الفقر والجهل، و ساعدها على الانتقال نحو الاستقلال الحقيقي, فاذا استطاع البرلمان ادراك هذا المفهوم، ستكون الثورة ناجحة.