مقالات الثورة وميدان التحرير (55) لم يكتب بعد تاريخ الأيام الثورية بين 25 يناير و 11 فبراير 2011 . لكن المتابع لأحداث تلك الأيام يدرك أن أكثر العوامل حسما في تنحى الطاغية حسني مبارك عن الرئاسة كان هو دخول البلاد الى أجواء العصيان المدني . حينها بدأت خطوط المواصلات الى القاهرة في التوقف مع انتشار الإضرابات في العديد من مواقع العمل المؤثرة بما في ذلك قطاع الاتصالات . و أمتد اعتصام ميدان التحرير إلى إحكام الحصار على مجلسي الوزراء والشعب . و شرعت العديد من المصانع والمصالح في أنحاء البلاد في التنادي الى الإضراب. وبدا أن الطبقة العاملة تدخل بالثورة الى مواقع الإنتاج. وقتها فقط أدرك النظام أنه لم يعد مفر من التضحية بمبارك الشخصية والعائلة وبعض الأتباع كي يستمر مبارك النظام والطبقة وغالبية الأتباع . وهذا تماما ما يرعب الآن نظام مبارك فيدفع بوحدات من الجيش للنزول الى الشوارع مرة أخرى، بعدما سحبها إثر فضائح مجزرة شارعي مجلس الشعب والقصر العيني في ديسمبر 2011 . وهو عمل ينطوى على مغامرة جنرالات نظام مبارك بوضع الضباط والجنود مجددا في أتون الإحتكاك مع شعبهم .وسواء أكان هذا الإحتكاك بالمواجهة والعنف أو بالتفاعل و تفهم مطالب الجماهير وبالسخط على المجلس العسكري الحاكم. كما عاد النظام لتجييش مؤسسات الإعلام و التعليم و السياسية فضلا عن المؤسسات الدينية .وهكذا دارت “ماكينة الفتاوى ” لشيوخ السلاطين الموالين لكل إستبداد وفساد في تحريم الإضراب والعصيان العام ، بعدما جرمته كل ما ذكرنا من مؤسسات الى جانب المؤسسات السياسية ممثلة في أحزاب الشراكة مع دكتاتورية وفساد حكم العسكر دينية كانت أو ليبرالية. هذه هي اللحظة التي تواجهها مصر بعد عام بالتمام والكمال على 11 فبراير 2011. والعصيان العام ليس إختراعا غريبا . فطالما دعت اليه وبشرت به حركة ” كفاية ” و غيرها من التنظيمات السياسية والإجتماعية المعارضة لحكم الدكتاتورية والفساد على مدى ست سنوات قبل الثورة . لكن ثمة مسافة بين الدعوة وبين القدرة على التنفيذ . وهذه هي المعضلة التى تواجه القوى الثورية الآن في ظل الإفتقاد لتنظيم الجماهير الطامحة الى التغيير في نقابات مستقلة مؤثرة في مواقع العمل والإنتاج والخدمات . إلا أن الشكوك في القدرة على نجاح العصيان العام على نطاق واسع يوم 11 فبراير 2011 لا يقلل أبدا من أثر الدعوة اليه و الشروع في تنفيذه كلما كان ذلك ممكنا . العصيان المدني في الحالة المصرية على ما هي عليها من الإفتقاد الى التنظيمات النقابية المستقلة الثورية والى وسائل الإعلام المنحازة الى الشعب والحقيقة لن يجرى بضربة واحدة ويعم البلاد في يوم واحد أو أسبوع واحد . بل هو عمل يحتاج الى إستمرار ودأب وإنتشار متدرج . ويتطلب المزج بين المطالب الإجتماعية والسياسية وبين تلك العام والفئوية المؤسسية . ولا خوف من تعدد الشعارات بين تسليم السلطة الى المدنيين دون مماطلة أو إبطاء أو مناورة وبين الحد الأدني للأجور و التوزيع العادل لعوائد العمل في كل المؤسسات وإنهاء الفروق الأسطورية بين الأعلى والأدني في كل المؤسسات والمصالح وبين المطالبة بنائب عام جديد لا صلة له بنظام مبارك ورجاله وبتطهير وإصلاح القضاء والإعلام و الشرطة والجيش ،وأجهزة الأمن كافة بما في ذلك المخابرات العامة . ببساطة الناس الذين يتوجهون غدا الى العصيان المدني ويضعون البلد على أعتابه يريدون إستكمال ثورة 25 يناير 2011 و حمايتها من السرقة و الإجهاض ، و في مواجعة سلطة غير شرعية أوغلت وتوغل في دمائهم و أموالهم . ويعودون لرفع شعار الثورة العبقري : “عيش .. حرية .. عدالة إجتماعية” . والدعوة لهذا العصيان عمل مشروع مشروع بكل القواعد والمعايير والإعتبارات ، وبخاصة في اللحظات الحاسمة من الصراع بين الثورة والثورة المضادة . و11 فبراير 2012 مجرد بداية وشروع في عصيان مدنى عام تتوافر كل الأسباب والمقومات لإتساع نطاقه يوما بعد يوم . كارم يحيى صحفي مستقل يعمل حاليا بالأهرام في9 فبراير 2012