شريحة كبيرة هجرت السوق بسبب رفع سعر الفائدة على الدولة التوجه إلى الصحراء لزيادة المعروض من الأراضى السوق العقارى استرد جزءاً من عافيته فى 2017 وتعويم الجنيه عظم القوة الشرائية للأسواق الأجنبية أكد آسر حمدى رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة «الشرقيون للتنمية العمرانية» «OUD» أن الفائدة البنكية أرهقت السوق العقارى بسبب ارتفاع عائدها إلى مستويات قياسية بلغت فى بعض الأوعية الاستثمارية 20% سنوياً وهو ما جعلها الأكثر جاذبية فى ظل ما تتمتع به أيضاً من ضمان حكومى. وقال آسر حمدى فى حوار مع «الوفد»: لا يجب أن تتخلى الحكومة عن دورها الرقابى لتصبح تاجر أراضى أو مقاولاً يبحث عن تحقيق أكبر عائد مالى من بيع الأرض التى تحتكرها، وبالتالى ترفع الأسعار على شركات التطوير العقارى وهو ما يؤدى فى النهاية إلى ارتفاع أسعار الوحدات السكنية بأكثر من قدرة المواطن على الشراء. ورأى أن الحكومة انكفأت على الوادى الضيق وتأخرت كثيراً فى اقتحام الصحارى لتهيئة المزيد من الأرض التى يحتاجها القطاع الخاص لمشاريعه العقارية مستدلاً فى ذلك بتوقف عمليات ترفيق الأراضى على حدود 6 أكتوبر رغم وجود أراضِ شاسعة وممتدة بعدها. وحذر من أن حالة الانتعاش التى بدأت تهب على السوق العقارى مهددة فى حال فشلت الدولة فى السيطرة على الارتفاعات الكبيرة لمدخلات البناء كالحديد والأسمنت وهو تحدٍ يتطلب من الحكومة زيادة المعروض بطرح المزيد وإنشاء مصانع الحديد والأسمنت لتهدئة الأسعار ضمن نسب زيادة مقبولة بدلاً من هذه الارتفاعات الكبيرة التى تهدد صناعة البناء فى مصر. وكشف عن أن الشركات العقارية لجأت للأسواق الخارجية التى كانت بمثابة طوق النجاة فى مواجهة الظروف الصعبة التى واجهتها فى الداخل بعد تعويم الجنيه من ارتفاع تكاليف البناء وانخفاض القوة الشرائية للعملاء فى السوق الداخلى.. وفيما يلى نص الحوار: ■ هل يعانى السوق العقارى فى الوقت الحالى من حالة ركود؟ - لا يوجد ركود فى السوق العقارى فى الوقت الراهن وهو أمر يمكن رصده بسهولة من كم الإعلانات العائدة لشركات عقارية عن مشاريع جديدة بخلاف ما كان عليه الأمر فى السنوات الماضية، حيث كانت الإعلانات حكراً على شركات المحمول الثلاث، بينما الوضع تغير تماماً حالياً لصالح الشركات العقارية. توجد حركة بيع جيدة لكن مع وجود تأثيرات سلبية بسبب ارتفاع تكلفة مدخلات البناء، وهو الأمر الذى انعكس على ارتفاع الأسعار وهى تأثيرات ستتلاشى تدريجياً مع الوقت. ■ ما هى توقعاتكم لتوجهات السوق العقارى على مدى 5 سنوات مقبلة؟ - توجهات السوق العقارى على مدار ال 5 سنوات المقبلة ستتوقف على عامل أساسى يتمثل فى مدى قدرة الحكومة على السيطرة على انفلات أسعار مدخلات البناء كالأسمنت والحديد لأنها تمثل تحدياً حقيقياً لصناعة البناء فى مصر وهو الأمر الذى يتطلب من الحكومة التدخل بزيادة المعروض منها كإصدار تراخيص جديدة لصناعتى الحديد والأسمنت على سبيل المثال بما يجعل المعروض يواكب الطلب أو يزيد عليه، وبالتالى ستتراجع الأسعار بفعل آليات السوق. هناك زيادات سعرية سنوية مقبولة ضمن نسب مئوية برقم أحادى، لكن أن تحدث زيادات سعرية لمدخلات البناء بنسب تصل إلى 50% ليس أمراً مقبولاً وهو تحدٍ يتطلب تدخلاً إيجابياً من الدولة بالعمل على زيادة المعروض لتقابل احتياجات السوق. ■ وزارة الإسكان تحولت إلى مستثمر أو تاجر فى الفترة الأخيرة.. فهل هذا الأمر ملائم؟ - وزارة الإسكان تمثل الحكومة والحكومة لا يصح لها أن تتحول لتاجر أراضى يستهدف تحقيق الربح فى المقام الأول وهى نقطة محورية تضغط على القطاع الخاص القادر والمؤهل لتحقيق رواج عمرانى. الواضح أن الحكومة تطرح الأراضى التى تحتاجها شركات القطاع الخاص عبر مزايدات للوصول إلى أعلى الأسعار وهو دور لا يجب ولا يصح أن تسعى له الحكومة التى أولى بها أن تبحث عن مصادر متجددة من الأراضى عبر تهيئة الأراضى الصحراوية وترفيقها وعرضها للقطاع الخاص بأسعار معقولة ومقبولة تراعى الوصول إلى أسعار للوحدات السكنية تناسب دخول المواطنين. عندما تقدم الحكومة الأراضى بأسعار عالية فإن المطور العقارى سيلجأ لرفع أسعار الوحدات السكنية. الدولة ما زالت تتحرك فى طرح الأراضى ضمن الوادى الضيق الذى لا يتعدى 7% من مساحة مصر، بينما الأولى عليها أن تقتحم الصحارى وتقوم بترفيقها، وبالتالى تضمن نهضة عمرانية تلبى احتياجات المواطنين بأسعار مناسبة غير مغالى فيها. وهنا أتساءل عن الأسباب التى دعت الحكومة إلى التوقف عند 6 أكتوبر رغم أن هناك أراضى متجددة تلى 6 أكتوبر كان يتوجب على الحكومة تهيئتها وترفيقها وتقديمها للشركات التى تحتاج الأراضى، خصوصاً فى ظل احتكار الدولة لكل الأراضى الجديدة التى تقع خارج نطاق الحيز العمرانى التقليدى. الحكومة يجب ألا تستهدف الربح عند طرح الأراضى ولكن عليها أن تستهدف تهيئة المناخ الملائم لتحقيق نهضة عمرانية بعيداً عن آلية المزاد التى تناسب تاجر يبحث عن الربح ليس أكثر بما يجعل الحكومة تقدم الأرض بأسعار ما أنزل بها من سلطان. ■ الحكومة مطالبة بتوفير إسكان اجتماعى ضمن دورها المفترض لتوفير السكن للفئات الأقل دخلاً وبالتالى تدخلها فى السوق قد يكون مبرراً؟ - يمكن للحكومة أن تجد صيغة تحقق تلبية احتياجات القطاع الخاص من الأراضى مع إلزامه بتخصيص جزء من مشاريعه للإسكان الاجتماعى مقابل مساهمة الحكومة بالأرض وهى الصيغة التى تضمن وقار الدولة الرقابى بعيداً عن التحول لمقاول أو تاجر أراضى يجرى وراء الربح الأعلى. ارتفاع أسعار الوحدات السكنية قياساً على مستوى الدخل للمواطن المصرى بسبب ارتفاع ثمن الأرض بما تمثل من وزن نسبة هو الأعلى فى صناعة البناء وبالتالى طالما أن الأرض غالية ومدخلات البناء غالية فإن الوحدة السكنية كمنتج نهائى ستكون غالية لأنه لا يوجد مستثمر لا يسعى لتحقيق الأرباح بهامش كاف قياساً على حجم الاستثمارات الضخمة التى تتطلبها تنفيذ المشاريع العقارية. ■ كيف تأثرت شركات العقار بتعويم الجنيه؟ - تعويم الجنيه أنهك قدرات السوق المحلى لكنه فى المقابل عظم القوة الشرائية للأسواق الأجنبية التى كانت فى الفترة القليلة الماضية هى طوق النجاة الذى أنقذ صناعة البناء من مأزق حقيقى، وهو الأمر الذى جعل الشركات تتجه للأسواق الخارجية لمخاطبة المصريين فى دول الخليج أو الدول الأجنبية لأنهم يمتلكون العملة الصعبة التى تحولت إلى أضعاف قيمتها عند تحويلها للجنيه المصرى عقب التعويم. التعويم أتاح لمن يمتلك مصدر دخل من العملة الصعبة فرصاً استثمارية حقيقية لأن الأسعار التى كانت أعلى من قدراته تحولت بين ليلة وضحاها إلى أسعار فى متناول الأيدى. ■ كيف تأقلمت شركات التطوير العقارى مع الظروف الاقتصادية الصعبة فى السنوات الماضية؟ - الشركات العقارية فى ظل الظروف الاقتصادية الراهنة من انخفاض قيمة الجنيه وتآكل القوة الشرائية للمواطن لجأت لما يعرف بتصدير العقارات من خلال تقديم منتجات عقارية بأسعار زهيدة بقياسات العملات الأوروبية والخليجية وبالتالى فتح قنوات جديدة لضخ عملة صعبة فى شرايين الاقتصاد المصرى. تصدير العقار يمثل حلاً سحرياً للاقتصاد الوطنى لأن المستثمر المفترض سيشترى سلعة عقارية غير منقولة لا يمكن نقلها خارج مصر، وبالتالى ستضمن إيرادات متجددة من العملة الصعبة سواء خلال عملية الشراء أو ما بعد الشراء لأن الأجنبى عندما يمتلك شقة أو وحدة سكنية فى مصر سنضمن سائحاً دائماً هو وأسرته بما يضمن مصادر متجددة للنقد الأجنبى ودعم الساحة وإيجاد فرص عمل جديدة فى سوق العمل المصرى. ■ ما توقعاتكم لمستقبل السوق العقارى على المدى المنظور؟ - السوق العقارى سيتجه للصعود شرط السيطرة على أسعار مدخلات البناء خصوصاً أن الإحصائيات الموثقة تؤكد أن الطلب على الوحدات السكنية يفوق المعروض بنحو 700 ألف شقة سنوياً، وبالتالى فإن فجوة بهذا الحجم من شأنها أن تجر الأسعار لأعلى بشكل دائم فى ظل أزمة ندرة الأراضى الجاهزة، ناهيك على ارتفاع أسعارها المتواصل. ■ هناك مخاوف من حدوث فقاعة عقارية فى مصر كيف تنظر لمثل هذه المخاوف؟ - أى حديث عن احتمالية فقاعة عقارية فى مصر أمر غير دقيق ويفتقد المنطق لأن الفقاعة تتطلب ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ مع وجود حجم تمويل عقارى بالاقتراض من البنوك وهو أمر غير متوفر فى مصر التى تتبع سياسة ائتمانية متشددة للغاية بما يخص التمويل العقارى. فمثلاً الفقاعة العقارية التى أصابت دبى ضمن تداعيات الأزمة المالية العالمية فى 2009 كانت بسبب وجود عمليات تمويل عقارية كبيرة انكشفت حساباتها مع نزول الأسعار، وهو الأمر الذى أدى وجود فقاعة سعرية وهو الأمر الذى لا يتوافر فى مصر سواء من حيث رخص الأسعار قياساً على أسعار العقارات فى المنطقة، إضافة إلى أن عملية الاقتراض العقارى مقيدة باشتراطات من البنك المركزى تمنع مثل هذه الفقاعة المزعومة. ■ الودائع البنكية مضمونة حكومية وفوائدها ارتفعت إلى معدلات قياسية بلغت 20% فى بعض الأوعية كيف تأثرتم بهذا التحول؟ - ارتفاع أسعار الفائدة إلى هذه المستويات التى بلغت فى بعض الأوعية الاستثمارية نسبة ال20% سنوياً أرهق سوق العقار بقوة لأن هذ العائد المرتفع جداً فى استثمار مضمون من قبل الدولة بفعل قانون ضمانة الودائع جعل شريحة المستثمرين فى العقار تتجه إلى البنوك لقطف ثمار هذه الموجة العالية من الفوائد البنكية. فى السوق العقارى توجد شريحة مستثمرين تقدر ب40% من قوة السوق تحولت إلى البنوك أو على الأقل خفضت استثماراتها فى السوق العقارى مؤقتاً واتجهت صوب الودائع البنكية الأكثر أمناً وبعائد مغرٍ ربما لا يتوفر فى أى أداة استثمارية. رفع الفوائد البنكية جعل عملية جمع البنوك لمليارات فى غضون عدة أيام ليس بالأمر المستغرب. يمكن القول إن السوق العقارى خلال السنوات الماضية نظف نفسه من الدخلاء على أساس أن الفئة التى كانت تمتهن مهن أخرى ودخلت السوق العقارى طمعاً فى عوائد تركته وهجرته فى ظل الظروف القاسية التى واجهتها فى السنوات السابقة ليبقى السوق لأصحابه من الشركات العقارية المتخصصة.