طاف بعقلي طائف يقول لي: لماذا يغيب عنا أن نعقد مقارنة بين حدثين نحتفي بهما خلال هذه الأيام رغم كون أحدهما قد مر عليه ما يقرب من 1438 عاما هجرياً، والآخر لم يمر عليه غير عام ميلادي واحد وبضعة من الأيام، والمقارنة أراها واجبة لكي نتعلم من التاريخ ونتأسى بخير ما حدث في دنيانا. فالاحتفاء المقتدى به هو بمولد القدوة الحسنة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، أما الحدث الثاني فهو مرور عام على نجاح الانتفاضة التي قادها الشباب المصري في 25 يناير عام 2011 ميلادية ضم الظلم والفساد، وانحياز الشعب والجيش لها مما رفع سقف المطالب، فتم اسقاط رئيس الدولة وبعض من قيادات النظام. وهي مقارنة قد تبدو للبعض غريبة، فما هو الرابط بين الحدثين غير ذكرى الحدث؟! ولكن هذا هو ظاهر الأمر، أما باطنه وفلسفته فتكمن في استشراف التاريخ وأخذ الدروس منه، فالبشر هم البشر وإن اختلفت المظاهر والمعايش، فمكونات النفس البشرية - رغم تباعد السنين - تظل هي هي كما خلقها الله تعالى، وما يتعظ به هنا، هو رحلة التأني والصبر، وضرورة أخذ الوقت لتحقيق الاصلاح والتغيير المنشود وتحقيق الهدف بين الناس، وهنا نجد أن رحلة الخلق التي مر بها نبي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، تستحق العودة اليها للتأسي بها، والتعلم منها، فلقد بشر بميلاده صلى الله عليه وسلم في الكتب السماوية قبل مولده بمئات السنين، ثم كان الميلاد بمكةالمكرمة منتمياً لأهم اصلابها وأكرم قبائلها، وبعدها كان النمو البشري للنبي فتربى يتيما وحيداً بلا أخ وبلا أب ثم بلا أم حتى صار نموه الشبابي يسمح له بأن يتدبر ويتأمل ويفهم ما يحيط به من سلوكيات، لم يرض عن الكثير منها رفض الانتماء إلى فساد أو لسقطات كثير من أقران سنه، بينما أخذته فطرته النقية للتعبد والتدبر، شاقاً طريقاً لنفسه سبيلاً للهداية والصلاح، وحين قارب الأربعين عاماً تنزل الوحي وتبين الطريق الذي اختاره له الخالق، وتمت الدعوة للدين الجديد القديم فدعوته صلى الله عليه وسلم احياء للاسلام الحنيف الذي عرفته الجزيرة العربية من خلال نبي الله ابراهيم عليه الصلاة والسلام، وبدأت الدعوة بين من هم أقرب فأقرب، ثم شاع أمرها وسط عداوات أهل مكة لمن ينتمون اليها وسعيهم الدائم لمنع انتشارها والاساءة لمن ينتمون اليها، وهذا ما حدث ويحدث الآن لمن فجروا ثورة 25 يناير 2011، وبالنسبة للعدوة المحمدية فلقد تفرق أتباعها في أماكن عديدة وهم على صلابة ايمانهم وانتمائهم وتلك الهجرة كانت للحفاظ على العقيدة، حتى بدأ النصر الحقيقي بهجرة نبي الله وسوله الى طيبة «المدينةالمنورة» تاركا مشركي مكة على حال شركهم وكرههم ورفضهم لما يدعو اليه صلى الله عليه وسلم من اصلاح وصلاح. وتكون وقفة التدبر والتأمل مع المجتمع الجديد للاسلام، فقد التفت الغلبة من المهاجرين والأنصار الى دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، فكان عليه هنا أن يبدأ في تشكيل المكون النفسي للمجتمع المدني فبنى المسجد «الجامع» ليحتضن اجسادهم ويقارب بينهم في تلاق يومي خمس مرات لأداء الصلوات ومناقشة أحوال معيشتهم، ثم آخى بينهم لينهي التباعد والصراع بينهم ويصبحوا بنعمة الاسلام «الثورة» اخوانا، فسادت روح الأسرة بينهم حتى وصل الحال لأن يترك الغني للفقير جزءا من ماله، بل سما وعلت روح الأثرة فأصبح من له أكثر من زوجة يتنازل عن واحدة منهن ليزوجها لأخيه الوافد بخير الدعوة، ليتوحد المجتمع ويتغير ليشكل حياة وسلوكا جديدا على كل مجتمعات ذلك الزمان. هذا جميعه لم يحدث بين يوم وليلة، بل على مدى سنوات، ولم يكن أمر حدوثه بلا خلافات ومنازعات، ولكن الخلاف كان يحدث، ولكن القائم على أمر الدعوة كان متيقظا يقظاً عارفاً بأن هناك من يريدون أن ينقضوا على المجتمع الجديد ليسقطوه، ويسقطوا دعوته مستعدين كل ما يملكون من غال ونفيث. ولأن شباب 25 يناير على علم وفطنة أيضاً من المتابعين للأحداث على نفس القدر من المعرفة سأكتفي بأن أذكر بما قال الله تعالى في قرآنه المجيد». بسم الله الرحمن الرحيم «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً» «الاحزاب 21». ----------- بقلم - أفخري فايد