أب يقتل ابنه.. وابن يقتل والده.. هذه كلمات ليست مجرد حبر على ورق، ولكنها جرائم ومأساة باتت حقيقة واقعة تزلزل المجتمع، الأمر الذى يصيبنا بالدهشة ويجعل ألسنتنا تهمس وتردد فى حزن «هى الدنيا جرى فيها إيه؟»، تلك المآسى البشعة التى تجبرنا على التوقف أمامها نفتش ونبحث بعمق فى أسبابها. خلال الأسبوع الماضى من هذا الشهر طالعتنا الأنباء عن جريمتى قتل متشابهتين مع اختلاف مرتكبيها ومكان حدوثهما، إحداهما كان فيها الابن هو قاتل والده.. والجريمة الثانية تتمثل فى قيام أب بإطلاق الأعيرة النارية على ابنه.. فقصتنا التى نسردها في السطور التالية خاصة بواقعة مقتل أب على يد ابنه. فى منزل متواضع بمنطقة المطرية بالقاهرة، كان يسكن الأب محمد «القتيل»، ومعه أسرته، زوجته وابنهما مصطفى البالغ من العمر 16 سنة «القاتل».. يقول أحد المقربين من المجنى عليه: منذ ما يقرب من عامين بدأت المشاكل الأسرية تدب بين الأب وزوجته، ومع صعوبة استمرار الحياة فيما بينهما، انفصل الأب عن زوجته، واختار الابن «مصطفى» البقاء والإقامة مع والده. فى بداية الأمر، كان الأب يعامل مصطفى معاملة جيدة، يعطف عليه، ويلبى له كان مطالبه، ألحقه بالمدرسة، لم يكن يعلم الأب بأن نهاية حياته ستكون على يد ابنه، وبمرور الأيام تزوج الأب من أخرى، كى تقوم بخدمته وابنه، الأمر الذى أغضب «مصطفى»، ولكن والده أقنعه بأنهما فى أشد الاحتياج لامرأة تقوم برعايتهما والقيام بأعمال المنزل.. تقبل الابن الوضع وتعايش معهما. «دوام الحال من المحال»، أحس الابن بتغير والده تجاهه، أو هيأ له بذلك، حيث إنه بات لا يهتم به كما كان، وأصبح يعطى كل اهتماماته لعروسه الجديدة، وأن الزواج لم يكن من أجل خدمتهما، ودبت الخلافات بين الأب وابنه.. وسوس الشيطان فى أذن الابن «والدك مش عاوزك.. ده خلاص مراته الجديدة بقيت كل حياته»، تذكر مصطفى أمه التى ضحا بها من أجل البقاء مع والده.. تكررت المشاجرات بينه وبين والده، حتى وصلت إلى حد الاشتباك والضرب والتوبيخ فيما بينهما، وكأنهما خصمان فى أرض المعركة.. كان الأب يشتمه بأمه وهو ما كان يغضب الابن مصطفى غضباً شديداً. ظل «مصطفى» يفكر ويدبر فى طريقة ينتقم بها من والده الذى يتعمد الإساءة إلى أمه.. وأطلق خياله موعداً مع إبليس إلى أن جاء وقت الانتقام، حيث كانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباحاً، حيث يذهب الجميع إلى أعماله.. الهدوء يخيم على المنطقة لا يقطعه سوى صوت مشادة كلامية وعتاب بين الابن مصطفى ووالده، تطورت فيما بينهما إلى الاشتباك بالأيدى.. لم يستطع «الأب» المنهك مقاومة بطش ابنه الشاب.. وأسرع مصطفى إلى المطبخ وأحضر سكيناً.. أصيب الأب بحالة من الذهول من تصرف فلذة كبده.. وظل يردد «دى أخرة تربيتى فيك.. أنا أبوك.. أنا أبوك.. نسيت تعبى معاك»، ولكن الشيطان كان قد تغلب على عقل الابن الذى لم يتوقف أمام تلك الكلمات، ولم يسمع سوى صوت والده وهو يشتم أمه بأفظع الألفاظ ويعايره بسلوكها، وسدد عدة طعنات لوالده، وتركه غارقاَ فى دمائه وفر هارباً. على الجانب الآخر ظلت زوجة الأب تصرخ وتستغيث: «مصطفى قتل أبوه»، وتجمع السكان الذين أصيبوا بالدهشة لما حدث، وحاولوا نقل المجنى عليه إلى المستشفى، ولكنه كان قد فارق الحياة، وأخطرت الأجهزة الأمنية التى تمكنت من إلقاء القبض على الجانى، الذى أقر بارتكابه الواقعة، حيث أكد أن والده كان دائماً يسبه بأمه ويعتدى عليه لفظياً وبالضرب أمام عروسه الجديدة ونسى أنه ابنه وكان كل همه هو إرضاء زوجته. وقال مصطفى إن والده انفصل عن أمه منذ عدة سنوات، وإنه لم يحترم انفصالهما بل كان يحرص دائماً على تشويه صورتها أمامهم وسبها بألفاظ بذيئة وتشويه سُمعتها، رغم أننى حذرته أكثر من مرة أن هذا الأمر يسىء إلىّ قبل أن يسىء لها، إلا أنه كان يقصد إهانتى باستمرار. مات الأب وسجن الابن القاصر الذى لم يكمل عامه السادس عشر، وجاءت أمه انهارت عندما رأته خلف القضبان، لطمت وجهها «ضاع مستقبل ابنى ووالده السبب».. بكى مصطفى طويلاً بين يدى أمه، لم أتحمل إهانتك يا أمى، كان يتعمد تشويه صورتك أمامى، رجوته كثيراً أن يبتعد عن هذا الأمر ولكنه أبى أن يفعل ذلك وأصر على إهانتى وإهانتك وتعمد ذلك أمام عروسه الجديدة، كان يرغب فى قتلى يا أمى، نعم قتلته لأنه أهانك يا أمى، زوجته السبب يا أمى، فمنذ أن أتى بها إلى البيت وتحول إلى شخص آخر لم يعد أبى الذى تركتك من أجله، أراد هو قتلى وإهانتك بسبب عروسه الجديدة، لست وحدى الجانى يا أمى أنت وهو من ضيعنى!