الدولة تتعامل مع المرضى على طريقة «خيل الحكومة».. لكن مع الفارق في منظومة «رصاصة الرحمة» التي كانت تنهي حياة الحصان المسن أو المريض بطلقة واحدة في رأسه.. أما رصاصة الرحمة التي تستخدمها وزارة الصحة الآن فإنها أصبحت ذات أشكال وألوان متعددة تبدأ من ارتفاع أسعار الأدوية واختفائها مرورًا بعدم وجود أسرة وعناية طبية نهاية برفع سعر الخدمات التي تقدم للفقراء والمعدومين. رفعت وزارة الصحة سعر جلسة الغسيل الكلوي داخل وحداتها 60 جنيهًا دفعة واحدة ليرتفع سعر الغسيل في المرة الوحدة من 140 إلى 200 جنيه غير مبالية بالحالة المادية للمرضى من ناحية ومن ناحية أخرى تصاعدت الشكاوى من الإهمال وضعف الخدمات وأخطاء نتائج التحاليل واستخدام الفلاتر لعدة مرات وعدم مطابقتها للمواصفات لتصبح أداة لنقل العدوى بين المرضى لتزيد معاناتهم وآلامهم. 114 ألفًا و287 مريضًا في مصر يعانون من مرضى الفشل الكلوي موزعين على 309 مراكز حكومية وخاصة يشكون من ضعف الخدمات المقدمة لهم ويعانون من الإهمال والبيروقراطية، ما يهدر حياتهم بالموت المفاجئ إما بسبب العدوى أو الإهمال وضعف الخدمات وأخيرًا التكلفة التي لا يقدر على تحملها الكثيرون. أكد تقرير صدر مؤخرًا عن المركز المصري للحق في الدواء أن عددًا كبيرًا من مراكز غسيل الكلى سواء الخاص أو الحكومى يستخدمون الفلاتر لعدة مرات، ما يهدد حياة المرضى بالموت المفاجىء، وأوضح التقرير أن ما حدث في قصر العينى وأسفر عن إصابة 19 شخصًا بالكبد الوبائى خير دليل على ذلك. وأشار التقرير إلى أن مصر ما زالت تستخدم محلول «الأنسيتيت» فى جلسات الغسيل الكلوى، برغم منع استخدامه فى دول العالم، وذلك لأضراره الجسيمة، وتسببه فى تعرض المريض لهبوط فى ضغط الدم، وعضلة القلب، مبينًا أن هناك 83% من المراكز فى مصر تستخدم هذا المحلول. وحذر المركز من انتشار أمراض الكلى في مصر، موضحًا أن عدد المرضى على قوائم الانتظار بلغ 62 ألفًا و65 مريضًا، وأن عدد المترددين على وحدات الغسيل الكلوى بكل من المستشفيات الحكومية، والمراكز المتخصصة، والتأمين الصحى، والمؤسسات العلاجية، والقطاع الخاص بلغ 114 ألفًا و287 مريضًا، وحازت المستشفيات الحكومية النصيب الأكبر من إجمالى المرضى المترددين عليها ليصل عددهم إلى نحو 52 ألفًا و885 مريضًا والمراكز الخاصة يمتلكها تجار بعضهم استغل وضع هؤلاء المرضى ودخلت طمعًا فى الأرباح وهو بيزنس يقدر بنحو مليار جنيه مصرى سنويًا. قامت «الوفد» بجولة ميدانية داخل مستشفى بولاق الدكرور، رصدت خلالها آلام ومعاناة مرضى الغسيل الكلوى، والذين أشاروا إلى أن الوحدات فى المستشفيات الحكومية تعانى من ضعف الإمكانيات، وعند تدهور حالة مريض يتم تحويله لمستشفى قصر العينى. يجلسون فى سكون على أسرتهم، أعينهم غائرة، أقصى أحلامهم حياة كريمة، يترقبون بشدة تحركات المارة خارج غرفهم، أملاً فى زيارة أحد أقاربهم لهم، والذين ظلوا لشهور طويلة بمفردهم يصارعون أقدارهم ما بين آلام المرضى ضعف إمكانيات المستشفيات الحكومية. «هوه كل مريض كلى بيحصله كده ولا الغلابه بس».. بهذه الكلمات استهل فوزى محفوظ، من أبناء بولاق الدكرور، حديثه قائلاً: إنه أصيب بمرض الكلى منذ 5 سنوات، وفور بدء تلقيه البرنامج العلاجى، لاحظ ضعف الإمكانيات داخل المستشفى. قائلاً: «أى حالة صحتها بتتأخر يتم تحويله لقصر العينى علشان إمكانيات المستشفى مقتصرة على الغسيل فقط، وطبعا لما ارتفع سعر الجلسة ل200 جنيه الواحد أصبح محتاج للفلوس». «الواحد نفسه يرتاح من الدنيا ومتاعبها».. بحزن شديد بدأ كمال ظريف، سرد قصته المأساوية، موضحًا أنه علم بإصابته بمرض الكلى منذ عامين، عن طريق الصدفة، حينما أجرى تحليلاً خاصًا بالعين، فوجىء بأنه مصاب بالكلى. وأشار إلى أنه كان يعمل فرانًا، ويعول أسرة مكونة من 5 أفراد، قائلاً: «دخلى على قدى، وعلشان كده بقيت بتعالج على نفقة الدولة، ومعاملة المستشفى لنا جيدة جدًا سواء من الإداريين أو العاملين من الممرضات، ولكن هناك بعض المشكلات نواجهها منها نتائج التحاليل الخاطئة بشكل مستمر». وأشار الى أنه اضطر للقيام بعمل التحاليل الخاصة به كل 3 أشهر على حسابه خارج المستشفى للحصول على نتائج أكثر دقة. ونوه بمشكلة نقص الأدوية فى الأسواق، وأنه يضطر لشرائها كل شهر على حسابه من خارج المستشفى ما يكبده 500 جنيه شهريًا. وأشار أشرف كامل إلى نقص العلاج الخاص بارتفاع نسبة الفسفور فى الدم، حيث وصل سعره إلى 1050 جنيهًا، والحبة الواحدة ب6 جنيهات إن وجد، ولكن مع الظروف الاقتصادية وارتفاع أسعار الفلاتر والمحاليل نقوم بدفع 40 جنيهًا فى الجلسة الواحدة وهو ما يعادل 480 جنيهًا شهريًا بالإضافة للمواصلات لأننى من سكان حى المعادى، وأحصل على معاش شهري 700 جنيه». وتابع: «أنا مريض بالكلى منذ 6 سنوات ولا أرى تطورات فى النظام الصحى فى المستشفيات الحكومية، وعلمًا أنني غير قادر على العلاج في المستشفيات الخاصة نظرًا لتكلفتها المادية الكبيرة». أكد عصام القاضى، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، أن الإهمال بات متفشيًا فى عدد كبير من المستشفيات الحكومية، مشيرًا إلى أن مرض الكلى بات منتشرًا بالحد غير المعقول فى السنوات الأخيرة، بسبب تلوث المياه وغيرها من تناول العلاج بشكل خاطئ. وأضاف «القاضى» أن ميزانية وزارة الصحة لا تكفى احتياجات المستشفيات لتطويرها، موضحًا أن الميزانية الحالية للوزارة 62 مليار جينه فقط، فى حين المبلغ المطلوب لتحقيق التقدم الصحى فى مصر 90 مليار جنيه. وتقدم «القاضي» بمشروع قانون «شراء الخدمة من الغير» بهدف فصل مقدم الخدمة عن ممول الخدمة، لتحقيق النزاهة داخل المستشفيات الحكومية، بجانب ضرورة تواجد جهة ثالثه رقابية عليهم.