أكدت الدعاية الإسلامية الدكتورة إلهام شاهين، أستاذة الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر، أن تجفيف منابع الإرهاب والعنف في الأمة الإسلامية يأتي عن طريق معالجة الأسباب التي أدت إليهما، ومن أهمها انتشار الجماعات الدينية البعيدة عن المنهج الإسلامي الصحيح والسليم، بالإضافة إلى ضرورة دعم الفكر الوسطي السليم المعتدل. وقالت «شاهين» إن الأزهر اتخذ خطوات كثيرة جادة في سبيل تجديد الخطاب الديني وإعادة تقديم التراث مرة ثانية في صورة جديدة ونشر الفكر الإسلامي الصحيح على مستوى العالم. كما أكدت أستاذة الفلسفة والعقيدة أن رسالة الأزهر من مؤتمر السلام الذي عقد مؤخراً بحضور بابا الفاتيكان وصلت للعالم أجمع الذي فهم أن الإسلام دين السلام والأزهر معقل الإسلام الوسطي، «الوفد» التقتها وهذا نص الحوار: بداية.. نريد منك تحليلاً لوضع الأمة الإسلامية على الخريطة العالمية الآن؟ - واقع الحال للأمة الإسلامية اليوم هو ما يصوره لنا الرسول (ص) فى الحديث الذى يقول فيه «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن فى قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول وما الوهن؟ قال: حب الدنيا، وكراهية الموت». الآن الأمة الإسلامية طغى عليها حب الموت أفرادًا وشعوبًا وجماعات وحكومات وأصبحوا محبين للدنيا وكارهين الموت، وبالتالى فأصبح هناك تكالب من أعداء الأمة الإسلامية عليها مع تفرق الأمة ومع تشتتها ومع محاربة بعضها لبعض كل هذه الأشياء أدت إلى ضعف الأمة الإسلامية وتفرقها وعدم اجتماعها على كلمة إلا من رحم ربك من قلة من الناس ومن الحكومات وبالتالى حال الأمة الإسلامية. الآن حال الأمة الإسلامية لا يسر ولكن هناك نبتة نراها فى الأفق جميلة وهى بعض المتمسكين بالكتاب والسنة. فى رأيك كيف نجفف منابع الإرهاب والعنف فى الأمة الإسلامية؟ تجفيف منابع الإرهاب والعنف فى الأمة الإسلامية يأتى بمعالجة الأسباب التى أدت إلى هذا العنف والإرهاب، ومن أهمها انتشار الجماعات الدينية البعيدة عن المنهج الإسلامى الصحيح والسليم ونشأة هذه الجماعات وانتشارها ودعمها مِنْ مَنْ لهم يد ومصلحة فى تفرق الأمة الإسلامية وفى محاربة الفكر الإسلامى الصحيح تقديم الفكر المتشدد على أنه هو الفكر السليم وهو الفكر الذى يقود الأمة إلى الصلاح وإلى التقدم ووصم الفكر الإسلامى الصحيح المعتدل بالضعف وبالتبعية بالحكومات فتنصرف الناس عنه. وإذا أردنا أن نجفف منابع الإرهاب لا بد أن نجفف منابع هذا الدعم والبحث عمن يدعم هذا الفكر ومن الذى يساعد على نشره ونبدأ بمقاومته. وعلى الجانب الآخر، دعم الفكر الوسطى الصحيح السليم المعتدل الذى يقوم على السنة النبوية الصحيحة وعلى كتاب الله بتفسيره الصحيح. بما أنك أستاذة بالأزهر.. كيف تردين على من يزعم أن جامعة الأزهر أصبحت مأوى للفكر المتطرف؟ - نرد على من يقول إن جامعة الأزهر تؤوى فكرًا متطرفًا بأن يدلل على ما يقول، ليس الأمر مجرد اتهام يعنى يمكن الإنسان أن يتهم أى شخص أو أى مؤسسة بما يريد من اتهامات طالما أن باب الإتهام مفتوح وليس هناك قانون رادع يردع هؤلاء ولا يخافون من عقاب إطلاق الاتهامات بلا دليل، عندنا قاعدة شرعية تقول (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر)، وبالتالى من يقول إن جامعة الأزهر فيها تطرف أو إرهاب وما إلى ذلك، فعليه أن يأتى بالأدلة على ذلك وليس هناك أى دليل، فجامعة الأزهر تخرج فى كل عام الآلاف من الطلاب على مستوى العالم وفى بلاد كثيرة جداً مثل ماليزيا وإندونسيا وشرق آسيا وبلاد كثيرة من الدول الأوروبية والغربية وكل هذه الدول يذهب إليها أبناء الأزهر فيصلون إلى أعلى المناصب وتنعم بلادهم بسلام وليس فيها فكر متطرف. سؤال يلح على أذهان الكثيرين هل الأزهر جاد فى تجديد الخطاب الديني؟ وهل يملك الكوادر المؤهلة لذلك؟ والأزهر يتخذ خطوات كثيرة وجادة بإعادة تقديم التراث مرة ثانية فى صورة جديدة بعمل شراكات ونشر الفكر الإسلامى الصحيح على مستوى العالم بفتح أبواب للحوار مع كافة الأطراف سواء كان داخل مصر أو خارجها بتقديم شباب جدد وإعدادهم إعدادًا جيدًا بوسائل الإعلام المختلفة وتقديمهم الآن ونجد من شباب وعلماء الأزهر صورا مشرفة فى وسائل الإعلام المختلفة وتقدم برامج بطرق جديدة وبأساليب سهلة جدا وميسرة ومتساهلة مع الشباب، كل هذه الخطوات فى سبيل تجديد الخطاب الدينى لكن هناك شىء مهم جداً وهو أن الخطاب الدينى ليس مسئولية بالأزهر الشريف وحده ولكن الخطاب الدينى هو خاص بمؤسسات كثيرة جداً يجب أن تقوم كلها بدورها، يعنى «وزارة التربية والتعليم» لها دور فى تجديد الخطاب الدينى من خلال التعليم الدينى وفتح الباب للتثقيف الدينى الصحيح والسليم، وأيضاً «وزارة الشباب والرياضة» كذلك والإعلام بما يدخل من وسيلة فى كل البيوت عليها فتح الباب لتجديد الخطاب الدينى وفتح الباب للمؤسسات الدينية لتقديم ما لديها وبصورة جديدة بأوقات محببة ومقبولة للناس، وقد يكون الخطاب الدينى ليس فقط فى البرامج الدينية ولكن يكون فى كل أنواع البرامج والمسلسلات والأفلام وفى وسائل كثيرة جداً حتى تقدم خطابًا دينيًا متكاملاً. فى الفترة الأخيرة شاهدنا هجومًا على كتب التراث خاصة الأزهرية منها مع أن التراث ألفه ودرسه علماء كبار سابقون فما سر هذا الهجوم فى رأيك؟ وكيف تردين على هذا الطرح؟ - تراث أى أمة تاج على رأسها عليها أن تفخر به وأن تفاخر به العالم كله، وتراث الأمة الإسلامية العالم كله يتعلم منه إلى الآن. عند الذهاب إلى جامعات أوروبا سنجد أن التراث الإسلامى تراث يحترمه العلماء هناك ويقدسونه ويقدرونه ويتعلمون منه ويضعونه موضع الاهتمام والدراسة أما من يهاجم التراث فهو لا يعرف قيمته ولا يعرف أن هذا جزء من ميراثه وحضارته وعليه أن يحترمه كما يحترم تراث الآثار والأحجار فهذا علم يقدم وهذا شىء يقدم وشىء تم عمله باليد وتم عمله بالفكر ويجب أن يحترم كل هذا التراث ونضعه موضع التقدير والاحترام وإذا كان لدينا أى اعتراض أو أى نقد لأفكار سابقة وقديمة فى التراث فهناك آلية للنقد والاعتراض كما تعلمنا من السابقين، وكل رأى صائب يحتمل الخطأ هذا هو الأدب فى الحوار أو الأدب فى الاختلاف وتقديم كل منهم رأيه إلى الآخر ومناقشته بهدوء والرد عليه ردوداً علمية صحيحة، وما نراه الآن ليس نقدًا أبدًا للتراث ولكنه محاولة لهدم التراث والذى يهدم التراث فهو يهدم ميراثه وأمته. مؤخرًا عقد مؤتمر الأزهر للسلام فى حضور بابا الفاتيكان.. فهل ترين أن الرسالة التى وجهها المؤتمر وصلت؟ وكيف تثمنين وقائع هذا المؤتمر؟ - أرى أن رسالة الأزهر من مؤتمر السلام قد وصلت إلى العالم كله وأكبر دليل على ذلك هو العناق الذى قام به بابا الفاتيكان لشيخ الأزهر ففهم الرسالة التى يريد أن يبعثها الأزهر إلى العالم كله وأن يطلب السلام العادل، السلام الذى يقوم على مبدأ قبول الأديان كلها على قدم المساواة وعدم اتهام دين من الأديان بتهمة الإرهاب لمجرد أن اتباع دين من هذه الأديان فهم الدين فهمًا خاطئًا أو فهمًا منحرفًا وبالتالى إذا كنا نرفض وصم الإسلام بالإرهاب وندعو بدعوة الإسلام وهى «السلام عليكم» وهى التى بدأ بها بابا الفاتيكان حديثه فهذا يدل دلالة كبيرة جدًا على أن الرسالة التى قدمها الأزهر وفضيلة الإمام الأكبر قد وصلت أولاً إلى بابا الفاتيكان ثم وصلت إلى العالم كله الذى فهم أن الإسلام دين السلام والأزهر معقل الإسلام الوسطى هو الداعى إلى السلام العادل الذى لا يتهم ديانة من الديانات بفهم أتباعها المنحرف. ظهرت نماذج كثيرة للمرأة الداعية فى الوقت الراهن، فما تقييمك لهذه التجربة؟ وهل ترين أنها مازالت قليلة؟ أرى على العكس أن تواجد الداعيات على الساحة قليل وليس بالصورة الكافية وأن هناك نوعًا من التغاضى عن المرأة فى مجال الدعوة حيث إن القنوات الفضائية والمحلية تستعين بالرجال أكثر من السيدات وهذا فيه نوع من عدم التواجد بشكل مكثف للمرأة فى مجال الدعوة، ونحن نريد فتح المجال أكثر للمرأة وتقديمها فى أوقات وبرامج جاذبة للجماهير حتى يكون لها تواجد صحيح وحضور قوى على الساحة الدعوية، نأمل هذا، ونتمنى أن يكون فيه استجابة من الأجهزة المعنية بالأمر فى المؤسسات الدينية، هناك تواجد دعوى للسيدات ولكن هناك أيضاً نوع من القلة وهذا له عوامل كثيرة جداً منها أن بعض الداعيات يخشين الخروج إلى الناحية الإعلامية والجماهير حتى لا تتعرض إلى النقد والبعض الآخر يرى أن هذه مسئولية وأمانة والبعض الآخر يقدم على هذا المجال ولكن علينا تشجيع هذه العناصر حتى نفتح الباب أكثر. كيف يكون رمضان شهر تغيير فى سلوكيات المسلم وكيف يستشعر فضل أيامه؟ - رمضان هو بالفعل شهر تغيير لأن الإنسان يتعلم فى شهر رمضان أنه يغير كل عاداته وسلوكياته بداية من الطعام والشراب الذى تعود الإنسان عليه والصلاة التى يوجد فيها نوع من التقرب إلى الله أكثر فى فترات الليل وقراءة القرآن التى يحرص عليها الإنسان فى الشهر الكريم هو شهر عبادة والعمل نوع من أنواع العبادة والمعاملات مع الناس لابد أن تتخذ شكلاً جديداً فى شهر رمضان فالرسول (صلى الله عليه وسلم) حينما يعلمنا هذا الأمر فيعلمنا أن الصيام لابد أن يلحظه الناس فى سلوكياتك وفى معاملاتك ويقول: «إذا كان يوم صوم أحدكم وسابه أحد أو قاتله فليقل إنى امرؤ صائم»، وبالتالى الرسول يعلمنا هذا المنهج فى التعامل فى أشد اللحظات عنفا وقسوة بيننا وبين بعض فنتذكر اننا صائمون وأن الله يقبل منا هذا الصيام، فلا نرد الإساءة بالإساءة بل نردها بالإحسان، فهذا جزء من صوم الإنسان وطاعة الله. أخيرًا.. روشتة إيمانية تقدمينها للمسلمين فى شهر رمضان فماذا تقولين؟ على المسلم فى شهر رمضان أن يتذكر دائمًا أن هذا الشهر ربنا سبحانه وتعالى جعله للعبادة فيكثر فيه من العبادات، مثل (الصلاة، الذكر، قراءة القرآن، الكلام الطيب الحسن مع الناس)، ويحاول ألا يقول إلا الشىء الطيب، ولا يمد يده إلا بالخير للآخرين فلذلك تكون الصدقة كثيرة فى رمضان وعليك أن تخرج صدقة وهى (زكاة الفطر) فيكون واجب عليك أن تخرجها حتى لو كنت فقيراً ويجب عليك أن تخرج الزكاة وأن تمد يدك بالإحسان إلى من هو دونك وما هو أقل منك، رجلك لا تمشى بها إلا إلى طاعة الله سبحانه وتعالى وإلى أماكن العبادة وإلى الأماكن التى فيها ذكر الله وليس إلى أماكن اللهو والفجور وما إلى ذلك، فعلينا أن نفهم أن هذا الشهر لابد أن يشمله تغير فى حياتنا وطعامنا وشرابنا وسلوكياتنا وأخلاقياتنا وعطائنا.