رمضان هل هلاله وخيمت ظلاله وهيمن جلاله وسطع جماله، فاستنارت الدنيا بنوره وتعطرت بنسماته، فالشهر المعظم ضيف عزيز وزائر لا يقدم علينا إلا مرة فى العام، قدومه قدوم اليمن والخير والبركات، بما يحمله من هدايا ونفحات وعطايا وهبات، ففى رحابه ترفع الدرجات وتغفر الزلات، وشوق أهل الايمان له لا يحده حد، وفرحتهم بقدومه لا يصفها وصف، وهم فيه بين خشوع صائم ودمعة تائب وتلاوة قرآن ومرافقة الإخوان فى ساحات القيام. الله تفضل على عباده به فى هذا الشهر الكريم بنعم كثيرة، من أعظمها انزال القرآن وفرض الصيام، قال الله تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185). وقد كان رسولنا (صل الله عليه وسلم) يُبشِّر أصحابه بقدوم هذا الشهر الكريم، ويحثهم على الاجتهاد فيه، فقد روى الإمام أحمد فى مسنده بإسناد صحيح عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله (صل الله عليه وسلم) يُبشِّر أصحابه: (قد جاءكم رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمَ خيرها، فقد حُرِم). هذا الشهر الكريم ينتظره كل بيت مسلم ففيه طقوس تميزه عن بقية الشهور، فتزين الشوارع بزينة رمضان والأنوار، ويكثر فيه العبادات من صوم وقراءة القرآن وصلاة وزكاة وصدقات وتعلو أصوات المأذن بصلوات التراويح والتهجد، وتجتمع الأسرة والأصحاب والجيران على مائدة واحدة بعد الصيام ليفطروا فى سعادة وهم يرددون (اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ العُرُوقُ). وصدق ابن الجوزى (رحمه الله) حين قال: شهر رمضان ليس مثله فى سائر الشهور، ولا فضلت به أمة غير هذه الأمة فى سائر الدهور، الذنب فيه مغفور والسعى فيه مشكور، والمؤمن فيه محبور والشيطان مبعد مثبور، والوزر والإثم فيه مهجور وقلب المؤمن بذكر الله معمور.