لم يعجبنى الرأى الذى طرحه عمرو موسى المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، عندما أعلن أنه يفضل إجراء انتخابات الرئاسة بعد انتخابات الشورى، هل لأن «موسى» يريد المزيد من الوقت للدعاية فى سباق الرئاسة، أو أنه بدأ يشعر بضيق الوقت وعدم كفاية فترة الدعاية الانتخابية التى بدأها المرشحون المحتملون مبكراً من قبل فتح باب الترشيح لهذا المنصب الرفيع.. هناك أسباب كثيرة سنورد بعضاً منها، ويأتى على رأسها سرعة تسليم البلاد إلى سلطة مدنية منتخبة، انتهى الجزء الأول منها بانتخابات مجلس الشعب وبدء تشكيل برلمان الثورة الذى سيعقد أولى جلساته، غداً الإثنين.. وبذلك يتبقى اختيار الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد التى يجب أن تمثل جميع أطياف الشعب المصرى بكل توجهاته السياسية والفكرية، وليس شرطاً أن يكونوا من نواب البرلمان.. عمرو موسى ليس محقاً فى طرحه إجراء انتخابات الرئاسة بعد الشورى، وليس أيضاً بهدف تقصير مدة الفترة الانتقالية للمجلس العسكرى، فهى بطبيعة الحال شارفت على الانتهاء، لأنه لم يتبق على ذلك سوى مائة وخمسين يوماً على أكثر تقدير.. إنما لأن مجلس الشورى بوضعه الحالى لا فائدة منه، وإجراء انتخاباته مضيعة للوقت والمال، وتعطيل مرافق الدولة وشغل الناس بما لا فائدة منه.. وكلنا يعلم قصة تأسيس الشورى وكيف أن الرئيس السادات كان يهدف من ورائه... صحيح أنه يناقش ويطرح أفكاراً ولا يؤخذ بها.. مجلس الشورى بنظامه الحالى عبارة عن مأوى لكل من تريد الدولة تكريمه أو منحه رواتب، فهو مجلس صورى لا فائدة منه... يضم كل الذين أنهوا أعمالهم الوظيفية الرفيعة.. وبهذا الشكل يمكن تكريم هؤلاء بوسائل عديدة، لا يجوز على الاطلاق بمجلس ننسبه زوراً وبهتاناً إلى الهيئة البرلمانية. ولذلك يجب على الجمعية التأسيسية التى ستقوم بوضع الدستور الجديد للبلاد، إيجاد حل لمجلس الشورى، إما إلغاءه تماماً.. وإما أن يكون فاعلاً فى الحياة البرلمانية.. بمعنى أدق لو هناك ضرورة لهذاالمجلس فيجب أن يأخذ اختصاصات تشريعية أسوة بالشعب، ويكون مكملاً له، فكل الدول التى تحترم شعوبها، نجد المجلسين مكملين لبعضهما فى التشريع وهو ما يطلق عليه مثلاً فى الولاياتالمتحدة الكونجرس، وكذلك الأمر فى بريطانيا.. ونحن فى مصر الحديثة التى ستتمتع بالديمقراطية الحقيقية فى دولة مدنية حرة، لا يجوز على الاطلاق أن يكون بها مجلس صورى لا فائدة منه.. في الدولة المدنية الحرة، هناك وسائل تكريم للشخصيات العامة كثيرة ولا يجوز أبداً أن يكون ذلك من خلال مجلس يشبه البرلمان، وهو فى حقيقة الأمر لا علاقة له بالتشريع.. إذا كان الرئيس الراحل السادات ومن بعده الرئيس المخلوع مبارك، كانا يضحكان على الشعب المصرى بهذا «الهراء» المسمى مجلس الشورى، فإن مصر الحديثة التى تسعى لأن تكون دولة كبرى فى المنطقة لا يجب أن تستمر في هذا الهراء.. إما أن يلغى مجلس الشورى، وإما أن يأخذ اختصاصات تشريعية أسوة بالشعب.. ولذلك تعد هذه المهمة ملقاة على عاتق اللجنة التأسيسية لوضع الدستور الجديد.. وأعتقد ان الذين سيتم اختيارهم فى هذه اللجنة، يعرفون هذه الحقائق وأكثر منى فهم أساتذتنا وفقهاؤنا ويجب ألا يفرطوا فى هذه القضية المهمة والملحة.. من هذا المنطلق أتمنى لو أن الأحزاب المصرية القديمة العريقة منها والحديثة التى ظهرت بعد الثورة، تبنت فكرة مقاطعة انتخابات الشورى التى باتت على الأبواب لأنها لا فائدة منها، سوى تضييع أموال في الدعاية، وتضييع لوقت الناس، وتعطيل لمرافق الدولة، ونحن فى ظل هذه الظروف الراهنة فى غنى عنها تماماً.. والأولى هو أن ننشغل بانتخابات الرئاسة فهى الأهم وكذلك الأهم هو وضع الدستور الجديد.. أما الشورى وانتخاباتها فلا فائدة منها بشكلها الحالى..كذلك يجب ألا ترهق الأحزاب نفسها بهذه الانتخابات عديمة النفع والجدوى والتى لا تعود بخير على الناس.. ولا أكون مبالغاً إذا دعوت جماهير مصر العريضة إلى مقاطعة هذه الانتخابات وشغلهم بشىء غير ذى جدوى أو منفعة... وإذا كان عمرو موسى يرى الأفضيلة فى اجراء انتخابات الرئاسة بعد انتخابات الشورى، فإننا نزيد عليه بضرورة إلغاء هذه الانتخابات بشكلها الحالى.. ويجوز للمجلس العسكرى إصدار مرسوم بقانون، بإلغاء الشورى وتأجيل موقفها إلى ما بعد وضع الدستور الجديد الذى يجد حلاً لهذا المجلس عديم الجدوى فإما أن يأخذ اختصاصات تشريعية اسوة بالشعب وإما الاستغناء عنه تماماً.