لا تأمينات ولا حد أدنى للأجور عمال الورش الصغيرة والمصانع الكبيرة بلا حقوق غول الأسعار يلتهم الأجور الزهيدة وأصحاب الأعمال لا يشعرون بالغلاء محرومون من المكافآت والعلاوات ونهاية الخدمة «علقة» فى منشآت صغيرة تمثل العدد الأكبر من المنشآت الاقتصادية فى مصر، يعمل ملايين العمال فى ظروف قهرية، يحصلون على الفتات، ليس لهم أى حقوق تذكر، ومع كل عيد عمال يحلم هؤلاء بأن تتحسن أحوالهم، إلا أن العيد لا يأتى إليهم بجديد، لتستمر المعاناة، بل إنها تزداد مع ارتفاع الأسعار الذى راح يلتهم الأخضر واليابس فى حياة عمال مصر كلهم بشكل عام، وحياة عمال الورش والمصانع الصغيرة بشكل خاص الذين يعانون من مشكلات بالجملة تبدأ من الرواتب الصغيرة وتنتهى بمشكلات التأمينات والمعاشات وعدم وجود أى نوع من الحماية. تشير الإحصاءات إلى أن إجمالى عدد المنشآت الاقتصادية فى مصر يبلغ 2.41 مليون منشأة، موزعة ما بين 824 منشأة تابعة لقطاع الأعمال العام بنسبة 0.03% فقط، بينما بلغ عدد المنشآت التابعة للقطاع الخاص 2409541 بنسبة 99.97%، فى هذه المنشآت يعمل ملايين العمال دون أى غطاء تأمينى، حيث يبلغ عدد المشتغلين خارج منظومة الاقتصاد الرسمى حوالى 14.7 مليون أى أن أكثر من 50% من عدد المشتغلين فى مصر، ونظراً لصغر حجم المنشآت وعدم وجود رقابة حقيقية عليها تحدث فيها كافة الخروقات القانونية لحقوق هؤلاء العمال. وتشير أرقام الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن نسبة المنشآت التى يعمل بها أقل من عشرة عمال تبلغ 96.9% من إجمالى المنشآت الاقتصادية، بينما بلغت نسبة المنشآت الاقتصادية التى يعمل بها 50 عاملاً فأكثر 0.4% فقط، فيما بلغ عدد المؤمن عليهم داخل المنشآت، أى أن من يعمل تحت مظلة الحقوق القانونية من خلال عقود العمل 6 ملايين من إجمالى العاملين، فيما بلغ عدد من يعمل بعقود عمل خارج المنشأة 1.8% ليبلغ عدد العاملين فى مصر دون غطاء قانونى وبعيد عن معايير العمل اللائق 13.2 مليون من إجمالى حجم المشتغلين فى مصر والبالغ عددهم 24 مليون شخص. هؤلاء هم عمال الورش والمصانع الصغيرة التابعة للقطاع الخاص والذين يعانون الأمرين للحصول على جنيهات قليلة تقيهم شر الجوع، يعملون فى ظروف عمل غير آدمية دون غطاء تأمينى فى معظم الأحيان أو بتأمينات هزيلة ليصبحوا ضحايا أحياء وبعد المعاش أو الوفاة أيضاً. فى إحدى ورش الخراطة يعمل صبرى موسى، صاحب الأربعين عاماً يتقاضى 500 جنيه أسبوعياً لا تكفيه وأبناءه الثلاثة رغم أنه يعيش فى منزل أسرته، وبالتالى لا يدفع إيجاراً مما يوفر له جزءاً كبيراً من المصروفات شهرياً.. ويقول صبرى: أنا لا أشعر بعيد العمال فهو يوم عمل عادى بالنسبة لنا، فأمثالنا لا يحصلون سوى على الإجازة الأسبوعية يوم الأحد، وأى يوم بعد ذلك يخصم من الأجر الأسبوعى وبالتالى لا نحصل على إجازات. وأضاف: أحوالنا صعبة للغاية، الغلاء يطحنا كل يوم والأجر الذى كان يكفى مصاريف البيت فى الأسبوع، لم يعد يكفى شيئاً، «عايشين بالعافية» والشغل قليل والأجور منخفضة ولا نملك إلا الدعاء لله. وأكد صبرى والد الثلاثة أطفال فى مراحل التعليم الابتدائى والإعدادى أن الدروس الخصوصية تلتهم جزءاً كبيراً من دخله، حيث تلتهم حوالى 700 جنيه شهرياً، وظروف العمل التى تستمر ل 12 ساعة يومياً لا تمنحه الفرصة للعمل فى مهنة أخرى، وبالتالى فالدخل ثابت والأسعار كل يوم تزيد، والأحوال تسوء معها وليس لنا سوى الله. ويلتقط محمد حليم أطراف الحديث، مشيراً إلى أن عمال ورش القطاع الخاص يعيشون معاناة دائمة بدءاً من الأجور المتدنية وساعات العمل الطويلة وعدم وجود تأمين صحى حقيقى، مشيراً إلى أنه يتقاضى 500 جنيه أسبوعياً يدفع منها 500 جنيه إيجاراً شهرياً، و300 جنيه دروس لطفليه، والباقى ينفق على الطعام والمياه والكهرباء التى زادت أسعارها بشكل رهيب. وأضاف: أصبحنا لا نأكل اللحوم أو الفراخ إلا مرة كل أسبوعين، وباقى الأيام نأكل أى شىء، إلا أن مشكلة محمد ليست فى الأكل كما يقول «فالمعدة ما بتشكرش – على حد تعبيره -» وإنما فى إصابته بالفتاء والدوالى والتى أجرى لها جراحة من قبل، إلا أن الألم عاوده مرة أخرى والأمر يتطلب جراحة عاجلة، إلا أنه لا يملك المال اللازم لها. وأضاف: «التأمين الصحى بهدلة وعملت العملية من قبل على حسابى ولكنى الآن لا أملك شيئاً لذلك أطلب الرحمة من ربنا». ورغم أن سعد إبراهيم، صاحب عمل، إلا أنه يعانى معاناة شديدة بسبب قلة العمالة، حيث يقول: رغم أنى صاحب ورشة خراطة، إلا أنى أعمل بيدى فى هذه السن نظراً لعدم وجود عمال. وأضاف الشباب أصبحوا يبحثون على الرزق السهل فى التوك توك، ولا يريدون تعلم الحرف. وأضاف: نحن أيضاً نعانى من ارتفاع الأسعار وارتفاع أسعار المياه والكهرباء ومستلزمات العمل، ومع ذلك فأنا ملتزم بالتأمين على العمال وتقديم كل ما أستطيع لهم، إلا أن ارتفاع الأسعار جعلنا جميعاً نعانى. من ناحية أخرى تكشف الإحصاءات أن نسبة العمال المشتركين فى التأمينات الاجتماعية لإجمالى العاملين تقدر ب 75.1%، ونسبة العمال المشتركين فى التأمين الصحى تبلغ 49.9%، أما نسبة العاملين بعقد قانونى فهى 55.1%، والمشتركون فى نقابة عمالية أو مهنية فتبلغ نسبتهم 23.7%، وهو ما يثبت أن هناك عدداً كبيراً من العمالة المصرية تعمل دون غطاء تأمينى أو نقابى، وأنهم عرضة للتنكيل بهم وشبح البطالة يهددهم فى أى لحظة، خاصة أن هناك العديد من منشآت القطاع الخاص لا تقوم بالتأمين على العاملين فيها وفقاً للأجر الحقيقى، وإنما ترسل لها قيمة أقل للأجر من القيمة الحقيقية، وبالتالى لا يحصل العامل على حقوقه كلها. الغريب أن هذه المشكلات لا يعانى منها عمال الورش والمصانع الصغيرة فقط وإنما يعانى منها معظم العاملين فى القطاع الخاص، والذين باتت منشآتهم مهددة بالتوقف بسبب الظروف الاقتصادية السيئة، ومن ثم أصبح العاملون فى منشآت القطاع الخاص جميعاً كلهم فى الهم سواء حتى إنهم دشنوا صفحات على الفيس بوك لرصد معاناتهم، منها صفحة «إحنا النمل فين السكر» والتى ينددون فيها بقانون العمل الذى لم يخلق علاقة تكافؤية بين أصحاب العمل والعاملين، وعدم وجود رقابة حقيقية على منشآت القطاع الخاص، وعدم وجود عقوبات رادعة على المنشآت التى تتهرب من التأمين على العاملين فيها، ولا تحرر لهم عقود عمل، مع عدم وجود رعاية صحية ولا طبية لا داخل المنشآت ولا خارجها، وتشغيل العمال أكثر من 8 ساعات بالمخالفة لقانون العمل وعدم صرف أجر إضافى عن ساعات العمل الزائدة، وعدم صرف الإجازات السنوية أو العلاوات الدورية، وتدنى المعاشات للعاملين بالقطاع الخاص، بالإضافة إلى تدنى مكافآت نهاية الخدمة، وعدم منح بعض المنشآت العاملين فيها أى مكافآت بعد خروجهم إلى المعاش، وعدم التزام المنشآت بالحد الأدنى للأجور، ناهيك عن مشكلة الفصل التعسفى والجزافى، وعدم منح العمال الأجر العادل الذى يستحقونه، إنما المسألة متروكة لأصحاب الأعمال مما جعل الفجوة كبيرة بين الأجور والأسعار، وأشارت الصفحة التى تعبر عن صرخات ملايين العاملين فى القطاع الخاص، إلى أنه إذا تجرأ أحد العمال المظلومين وأقام دعوى قضائية سيواجه بمشكلة طول فترة التقاضى، وعدم قدرة العامل على إثبات علاقة العمل بالمستندات. ونتيجة لهذه المشكلات وضعت جمعية عمال مصر للتنمية مشروعاً تقدمت به لرئيس الوزراء ووزير القوى العاملة لتعديل قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 بحيث يتم تغليظ العقوبة ورفع قيمة التعويض فى حالة الفصل التعسفى ل 6 أشهر عن كل عام بدلاً من شهرين، وتشديد العقوبة لتصل إلى الحبس فى حالة التهرب من التأمين على العمال أو عدم تسجيل البيانات الصحيحة فى عقود العمل، مع تعديل قانون التأمينات لتصل العقوبة إلى غلق المنشأة فى حالة تكرار المخالفات لثلاث مرات خلال عام واحد، وتنظيم مرور الجهات الرقابية على المنشآت، مع ضرورة تحديد حد أدنى للأجور فى القطاع الخاص والتأمين عليهم به، مع رفع مكافأة نهاية الخدمة، إلا أن هذه المطالب لم تتم حتى مناقشتها ليظل العاملون فى القطاع الخاص يعانون من مشكلات لا تحل أبداً.