قال سامح شكرى وزير الخارجية إن العصر الحديث، بل وفى تعبير أدق "عصر ما بعد الحداثة" فى ضوء الثورة المعلوماتية المذهلة التى يعيشها القرن الواحد والعشرين، والذى يشهد صدامات سياسية واقتصادية وثقافية ودينية مُحزنة، بات فى حاجة ماسة إلى العودة لجذور الحضارات القديمة وأصالتها ليستقي منها حكمة التاريخ وعِبَرَ الزمان بحثاً عن ملامح مستقبل أكثر تحضراً وإنسانية. وأضاف شكري، فى كلمته امام مؤتمر الحضارات القديمة الذى يعقد فى اليونان، أن تلك هى الرسالة السياسية البليغة التى يوجهها هذا المنتدى الجديد إلى الإنسانية جمعاء خاصة الأجيال الجديدة، إذ إنه بمجرد جمعه فى نسق واحد لأعرق ما جادت به الحضارات القديمة من معاني الرقي الإنساني، فهو يسلط مباشرة الضوء على المفارقة شديدة الوطأة على العقل والوجدان بين مدى عظمة حضارات الماضي وما حققته من تمازج تاريخي بديع فيما بينها عبر الزمان والمكان، وبين ما وصل إليه واقعنا اليوم فى أكثر من بقعة فى العالم من سقوط لمُثل الحضارة واندثار للقيم السامية، فنحن الممثلون لهذا الجمع من الحضارات القديمة، علينا الالتزام بفحوى ما أوصت به حكمة التاريخ، بالعمل من خلال التحركات النشطة والإضافات القيمة المنتظرة من هذا المحفل الجديد، على تضافر جهودنا نحو تذكير العالم بأهمية. وتابع قائلا إن رسالة التحضر والسلام والاستنارة التى يحملها هذا المنتدى للإنسانية، فضلاً عما يجب أن يؤكد عليه المنتدى من أهمية الاستمرار فى التواصل الحضاري الممتد عبر الأجيال حفاظاً على تراث الإنسانية التليد وحمايته بكل ما يتوافر من السبل والإمكانات، لاسيما إبداعات التراث التى تقع فى مناطق النزاعات المسلحة. وأضاف: "نحن شعوب الحضارات التى صنعت التاريخ – تأثراً ورفضاً لما تقترفه جحافل التطرف والإرهاب كنتيجة مباشرة للسقوط الحضاري المشين، من امتهان دنئ للقيم الحضارية والكرامة الإنسانية، ومن عدوان بربري علي حريات وحقوق الشعوب فى العيش المستقر الآمن، فى استخفاف فج بمبادئ الحق والعدل؟ ناهينا عما نشهده من انتهاكات مفجعة لقدسية التراث الحضارى المشترك للإنسانية بكل ما يحتضنه من إبداعات خالدة ومعان سامية وتراكم معارفي لا يُعوض. فإذا ما أطلت علينا الحضارات القديمة فما يكون قولها عن الصراعات المذهبية والطائفية الدامية والحروب والاحتلال الأجنبى التى تُجرف أعز مواطن الحضارة الإنسانية؟". وقال إن الحضارة تعبير يحمل وهجاً إبداعياً ذاتياً، إذ يطلق على محصلة نجاح الإنسان فى الاستثمار الأمثل لحالة الاستقرار والأمان التى يعيش فيها ليتفاعل بإيجابية مع الموقع الذى ينشط فيه مع غيره من أفراد مجتمعه، فضلاً عن البيئة المحيطة. ها هي إذن جملة العوامل التى تسمح بتفاعلها بإطلاق الطاقات الإنسانية الخلاقة إعماراً وإبداعاً وإنماءً. من ثم، فمهما تباينت السمات الشكلية للحضارات المتنوعة، فهى فى منتهاها تصب فى حضارة إنسانية عالمية واحدة تبغي الارتقاء بالإنسان، غاية ووسيلة، فى كل زمان ومكان. وتساءل الوزير قائلا أليس هذا ما يمكن أن نستشفه من الكتابات على أوراق البردي المصرية واليونانية؟ أليس ذلك ما تلقيناه من الأهرامات المصرية والمكسيكية المتدرجة فى حضارات "الآزتيك" و"المايا" و"معابد الشمس والكباري المعلقة" فى حضارات "الإنكا" ألا تشهد عليه أيضاً معابد "الكرنك" و"الأكروبول" و"مدرج الكولوسيوم" و"سور الصين العظيم" و"حدائق بابل المُعلقة" ؟ فكل تلك الرموز الحضارية الشامخة إذا ما تحررت من اسوار صمتها التاريخي، فهي لن تتحدث إلا بلغة "الإنسانية العالمية الواحدة". واكد ليس من شك أن إشكاليات الإرهاب والتطرف بكل ما يقترن بتلك الظاهرة السرطانية من تداعيات سلبية، سياسية/اقتصادية/ثقافية/اجتماعية، سوف تتصدر قائمة أولويات منتدانا الجديد، وقد آلت مصر على نفسها التصدي بكل قواها لقوى الظلام المحمومة. وفى الوقت الذى تجابه فيه الدولةالمصرية بصلابة التنظيمات التكفيرية، فهى على إيمان عميق بأن التصدي الأمنى للإرهاب يجب أن يقترن فى ذات الوقت بمعالجة حضارية/فكرية/ ثقافية، مُذكرين أنفسنا بمطلع ديباجة ميثاق منظمة اليونسكو: "إذا كانت الحروب تبدأ فى عقول البشر، فيجب أن تبدأ فى عقول البشر بناء حصون السلام".