فى ظل الارتفاع الرهيب فى أسعار اللحوم، عاد الحديث مرة أخرى عن مشروع البتلو باعتباره الضمان الوحيد لتوفير اللحوم بأسعار معقولة للمصريين، وهو ما أشار إليه المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، فى اجتماعه بوزرائه، مؤكداً أن الأمر يحتاج للالتفات للمشروعات الكبرى لحل مشكلة ارتفاع أسعار اللحوم، وهو ما اعتبره البعض إشارة واضحة لعودة هذا المشروع الذى اختفى فى ظروف غامضة، رغم انخفاض نصيب المواطن المصرى من اللحوم إلى 18 جراماً يومياً، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه حتى وصلت ل130 جنيهاً للكيلو فى المتوسط، وتزامن مع ذلك ارتفاع أسعار اللحوم المستوردة بل واتجاه الدولة للاستيراد من دول كانت قد امتنعت عن الاستيراد منها، مثل البرازيل، كل هذا يؤكد أنه لا بد من إعادة الروح لهذا المشروع ولغيره من المشروعات القومية لتضمن للمصريين توفير اللحوم بأسعار معقولة. ومشروع البتلو كان واحداً من المشروعات القومية الكبرى بدأ عام 1983 بالتعاون بين وزارتى الزراعة والتموين لتسمين 15 ألف رأس ماشية على مرحلتين، الأولى عند الفلاح، حيث يشترى له المشرع العجل ب500 جنيه ويوفر له العلف المدعم بقرض تشغيلى ميسر من بنك التنمية والائتمان الزراعى بواقع 3 آلاف جنيه عن كل رأس بفائدة 6%، وحينما يصل وزن العجل إلى 200 كيلو تتسلمه الدولة من الفلاح بعد خصم قيمة القرض والعجل ويحصل الفلاح على الباقى، وهنا تبدأ المرحلة الثانية حيث يتم تسليم العجول إلى مزارع لتربيته حتى تصل إلى وزن 400 كيلوجرام، ليتم تسليمها إلى شركة اللحوم والدواجن التابعة لوزارة التموين لتعرض لحومها فى المجمعات الاستهلاكية التابعة لها، ونجح المشروع فى تثبيت أسعار اللحوم طوال فترة الثمانينات، وزاد عدد العجول التى تمت تربيتها من خلاله من 15 ألف رأس فى العام الأول إلى 275 ألف رأس عام 1990، وانخفض استيراد اللحوم بشكل عام، إلا أنه مع التوسع فى اتباع سياسات السوق الحر أوقفت الدولة المشروع، إلا أنه عاد للحياة مرة أخرى عام 1992 من خلال منحة من المعونة الأمريكية قيمتها 10 ملايين دولار تم إيداعها كوديعة بنكية وتولت رابطة مربى الجاموس هذا المشروع، والقروض كانت تدار من خلال بنك التنمية والائتمان الزراعى ، ولكن البيع كان يتم لجهات خاصة وليس للدولة. ومن المفترض أن المشروع ما زال قائماً حتى الآن ولكن على الورق، فقيمة القروض التى تمنح للمربين كما هى 2000 جنيه للفلاح، و3000 جنيه للمربين من أصحاب المزارع على الرأس، والضمانات التى يطلبها البنك أصبحت معقدة بالنسبة لكثير من الفلاحين، بالإضافة لارتفاع أسعار الأعلاف ما جعل القروض بلا قيمة ، وهو ما انعكس على المشروع، ثم زاد تحرير سعر الصرف «الطين بلة»، مع عدم اهتمام الحكومة بوضع حلول حقيقية للمشكلات وهو ما أدى لضياع هذا المشروع القومى، حتى تناقص نصيب الفرد من اللحوم وفقاً لتقارير وزارة الزراعة ليصل إلى 18 جراماً للفرد يومياً وهو أقل من المتوسط العالمى الذى يصل إلى 24 جراماً، وبذلك يصبح المواطن المصرى من أقل مواطنى العالم من حيث استهلاك اللحوم، حيث يقدر نصيبه ب8 كيلو جرامات سنوياً، بينما يرتفع هذا المتوسط ليصل إلى 30 كيلوجراماً فى أمريكا، و28 كيلوجراماً فى أوروبا، أما البرازيل فيرتفع فيها متوسط نصيب الفرد ليصل إلى 40 كيلو. وتشير الإحصاءات إلى أن مصر تستهلك حوالى 10 ملايين طن من اللحوم الحمراء سنوياً 60% منها مستورد من الخارج، و40% إنتاج محلى، ونتيجة لنقص الإنتاج عن الاستهلاك ارتفعت أسعار اللحوم بشكل كبير خلال الفترة الماضية، حتى عاد الحديث عن ضرورة أحياء مشروع البتلو الذى يضمن توفير اللحوم للمواطنين بسعر جيد، وهو ما يؤكده الدكتور نادر نور الدين، رئيس هيئة السلع التموينية الأسبق، مشيراً إلى أن هذا المشروع يمكنه تقليص الفجوة بين الانتاج والاستهلاك من اللحوم الحمراء والتى وصلت ل60%، مشيراً إلى أن الفلاحين الآن يفضلون تربية الإناث التى تضمن لهم الولادة وإنتاج الألبان، ولذلك يقومون ببيع العجول الصغيرة عمر 40 يوماً التى لا يزيد وزنها على 50 كيلوجراماً للجزارين، وبذلك تفقد الثروة الحيوانية جزءاً كبيراً من وسائل تنميتها، حيث إن هذه العجول لو تم تسمينها قد يصل وزنها إلى 400 أو 500 كيلوجرام خلال 6 أشهر فقط. وأضاف أنه لا بد من إصدار قرار بتجريم ذبح العجول أقل من 400 كيلوجرام، مع ضرورة تخفيف شروط الإقراض للفلاحين والمربين حتى يمكن إحياء مشروع البتلو من جديد، مع تخفيض الفوائد لهم، التى تصل إلى 24% فائدة مركبة خلال فترة القرض التى تصل إلى 30 شهراً، فالفلاح ليس مستثمراً ليدفع مثل هذه الفائدة، وأشار إلى أن دول العالم تمنح الفوائد للفلاحين بما لا يزيد على 4% أو 5% على الأكثر، وأكد أن انهيار هذا المشروع هو سبب ما نعانيه الآن من ارتفاع رهيب فى أسعار اللحوم والفجوة الكبيرة بين الإنتاج والاستهلاك، وللقضاء على هذه المشكلات لا بد من إحياء هذا المشروع من جديد. ولأن أزمة اللحوم فى مصر معقدة يرى المهندس عادل كمال، رئيس جمعية الثروة الحيوانية، أن مشروع البتلو هو أحد الحلول التى قد تساعد على القضاء على المشكلة، ولكن هناك إجراءات أخرى لا بد أن تتبع للقضاء عليها، أولها ضرورة تغيير نمط التغذية الموجود حالياً، فالعليقة التى تتغذى عليها الثروة الحيوانية كلها سواء كانت ماشية او دواجن أو حتى الأسماك، كلها تعتمد على فول الصويا والذرة المستوردة من الخارج، ومع تحرير سعر الصرف تأثر الإنتاج الحيوانى كله، كما أن الأدوية والأمصال يتم استيرادها من الخارج، لذلك يجب أن يتم إنتاج هذه المستلزمات فى مصر ولا بد من الاعتماد على الزراعات المصرية لتوفير الأعلاف، حيث إن التغذية تمثل 60% من تكلفة الإنتاج الحيوانى، وأكد المهندس عادل أن الاكتفاء الذاتى من اللحوم ممكن فى مصر بشرط وجود إرادة حقيقية لذلك والعمل على تنفيذ هذا من خلال حملات قومية لمكافحة أمراض الحيوان كالحمى القلاعية والجلد العقدى والبروسيلا، التى تهدد الثروة الحيوانية فى مصر، مع ضرورة العمل على تنمية الثروة الحيوانية بشكل عام وتشجيع المربين على التوسع فى هذا المجال المرتبط بالأمن الغذائى. جدير بالذكر أن مفهوم الأمن الغذائى ظهر فى السبعينات خاصة بعد أحداث 18 و19 يناير 1977، التى خرج فيها المواطنون منددين بارتفاع الأسعار، حيث كان سعر كيلو اللحم الأحمر قد وصل إلى جنيه وهو ما أدى إلى انتفاضة المواطنين ضد الأسعار، أما اليوم، فقد وصل سعر كيلو اللحم إلى 130 جنيهاً، ولذلك أكد الخبراء أنه لا بد من عودة مشروعات الأمن الغذائى لتوفير اللحوم والمنتجات بأسعار معقولة للمواطنين.