الخارجون على القانون أصبحوا نجوما على الشبكة. عندما بحثت عن المدعو " فرافيرو" الذي يوصف بأنه "خط" القليوبية والذي تم القبض عليه منذ أيام وجدت نحو 8 آلاف رابط عنه. الشرطة هي التي أتاحت لهؤلاء المجرمين الفرصة ليكونوا خطيرين على المجتمع، ويحوزوا كل هذه الشهرة، والرعب أيضا من مجرد ذكر أسمائهم، وذلك عندما تراخت عن ممارسة دورها ووظيفتها في ضبط الأمن منذ "جمعة الغضب" 28 يناير الماضي الذي انسحبت فيه من الميادين والشوارع وتركت أماكن عملها وأعطت نفسها إجازة مفتوحة تقضيها عناصرها في البيوت متخفية دون أي معنى أو مبرر لذلك. أعيش قريبا من القاهرة، وفي طفولتنا كنا نسمع عن سرقات المواشي من البيوت، والبضائع من دكاكين البقالة، فلم يكن التيار الكهربائي قد وصل قريتنا حتى عام 1975،وبعد أن أنيرت الشوارع والبيوت لم أعد أسمع عن حوادث سرقة، وكان الأمن الطبيعي من دون شرطة الذي يعم قريتنا وأمثالها من ضمن أسباب تمسكي بالعيش فيها ورفض الحياة في القاهرة بكل أمراضها وصخبها وتلوثها، ومازلت لليوم ابنا وفيا للقرية رغم أن أحوالها ساءت بسبب انعدام الخدمات والإهمال التام من جانب النظام السابق أو الحالي. منذ الانفلات الذي أعقب الثورة بفعل فاعل فإن كل مكان في مصر لم يعد آمنا، وقد ظهر بلطجية ولصوص محترفون وآخرون هواة وشكلوا عصابات مسلحة وروعوا الناس في بيوتهم وفي الشوارع والطرقات ،وساهم الشعور العام بانعدام الأمن وظهور البلطجية علنا في خلق سلوكيات حياتية جديدة على المواطنين مثل عدم الخروج ليلا أو عدم التأخر إلى ما بعد الغروب وتشديد الحراسة على البيوت والمحال والمتاجر ومنع خروج الأطفال إلى الشوارع والأماكن البعيدة، وقد راجت قصص وأساطير عن الجرائم والسرقات والاختطاف وبعضها حقيقي وبعضها خرافي، من هنا وجد " فرافيرو" وأمثاله فرصته ليفرض سطوته مستفيدا من غياب وتخاذل الشرطة وهلع الناس. استمرأت الشرطة لعبة الانسحاب من وظيفتها الأساسية وهي حفظ أمن المجتمع الذي يدفع أفراده لعناصرها رواتبهم وعلاواتهم ومكافآتهم ولذلك أصبحت مصر مستباحة بالكامل لكل صنوف المجرمين الذين عاثوا فسادا فأرهبوا وروعوا الآمنين ،وكل هذا يحدث ووزارة الداخلية موجودة بنفس إمكانياتها وقدراتها المادية والمالية والتسليحية واللوجستية وبنفس عناصرها الذين يربون على المليون ومائتي ألف فرد لكنها لم تكن تريد قطع الإجازة المفتوحة والعودة إلى العمل ولو من باب تحليل الرواتب. لو كانت الوزارة انهارت مثلا لكان هناك سبب وجيه للخلل الأمني إنما هي ظلت قائمة ومحتفظة بقوتها مما يؤكد أن الانفلات والفوضى كانا غير طبيعيين. نعم هناك عداء شعبي مبرر لجهاز الشرطة بسبب ممارسات طويلة له ضد المصريين ليس في عهد مبارك فقط، إنما من عهود وعقود طويلة، فهم الأسياد- كما قال مدير أمن البحيرة في زمن مصر الثورة - ونحن الشعب العبيد، وهناك عدم ثقة في الشرطة وفي عدم احترامها لحقوق الإنسان بعد الثورة أيضا إذ كلما كان المصريون يحاولون نسيان تاريخ مظلم من الانتهاكات كانت تقع بعض الحوادث لتعيد التذكير بأنه لن ينصلح حالها أبدا وأن التطهير وحده لا يكفي إنما لابد من إعادة بنائها من جديد على أسس جديدة من احترام كرامة المواطنين. وحتى يتم تأسيس شرطة جديدة عصرية إنسانية فإننا لابد أن نشجع الشرطة الموجودة على القيام بعملها، فهي الضرورة التي لا يمكن الاستغناء عنها رغم سلبياتها، والقبض على واحد مثل "فرافيرو" هو عمل جيد لابد من استمراريته للقبض على كل الفرافير، لكن على الشرطة أن تدرك أنها لا تصنع لنا بذلك معروفا، إنما هي تصحح بأثر رجعي أخطاءها في حق المجتمع، فهي قبل الثورة كانت تغلِّب الأمن السياسي على الجنائي للحفاظ على النظام وقمع معارضيه ثم انكشفت في 28 يناير عندما فشلت في المهمة التي كانت شبه متفرغة لها وهي حماية النظام، وهي بعد الثورة لم تبادر إلى مصالحة الشعب بل تركته يواجه مصيرا مؤلما مع محترفي الإجرام والبلطجية لكن ربما مع الوزير الجديد اللواء محمد إبراهيم تنجح في هذه المصالحة بتنظيف المجتمع من مصادر التهديد والخطر. ولن تكتمل المهمة إلا بعد أن يلتزم كل ضابط وعنصر بالقانون والضمير والأخلاق بشكل صارم وهو يتعامل مع إخوانه المصريين ،أقول ذلك لأنه من المفارقات المدهشة أن ضباط المباحث الذين شاركوا في حملة القبض على مجرم يخرق القانون" فرافيرو" هم أنفسهم يخرقون القانون للأسف الشديد، فقد حولوا إحدى الغرف في مركز شبين القناطر إلى محبس خاص لا تعلم عنه النيابة شيئا، وهو غير غرفة الحبس المعروفة والرسمية في المركز. يحدث هذا بعد الثورة حيث يتم حجز مواطنين فيه دون أن يعلم ذووهم أو محاموهم بذلك ودون محاضر أو اتهامات رسمية بحجة الاشتباه فيهم، والهدف انتزاع اعترافات تمكن الضباط من حل ألغاز بعض الجرائم وفي نفس الوقت الضغط عليهم لتجنيدهم للعمل مرشدين للضباط في المناطق التي يعيشون فيها. وكما ندين السلوك الإجرامي ل "فرافيرو" وزملائه فإننا ندين خرق القانون من حماة القانون في زمن الثورة وزمن استعادة دولة القانون.