سيدة ستينية ارتسمت على وجهها البشوش ابتسامة رضا لا تفارقها، بمجرد أن تنظر لها لا ترى سوى حالة هدوء نفسي تغمرها، ولكن بالاقتراب منها تلمح دموع ساكنة بعيناها وكأنها اتخذت تلك العيون ملجأ لها لا تهجره، دموع قررت أن تحمل ذكريات أليمة عاشتها دون أن تتساقط لتتخلص منها. مرت شويكار تلك المسنة بكثير من الاختبارات الربانية كما تعتبرها هي، تمكنت من عبورها بكل إيمان، فأمنت أنها لا تستطيع أن تغير القضاء والقدر، ولكنها ستجازى عليه خيرا بالصبر والرضا وعدم الضجر منه. كانت شويكار إسماعيل، دكتورة قانون بكلية الحقوق في جامعة القاهرة، ولها شأن كبير بالكلية، توفى زوجها بالبداية ثم توفى إخواتها بحادث مؤلم، لتصبر وتحمد الله شاكره إياه، وتستكمل حياتها بكل قوة حتى لا يؤثر موت زوجها ووالد أبنائها الأثنين على حياتهم. فما أغلى من "الضنا" هؤلاء الابناء الذين يكونوا جزء منا، فلذات الاكباد كما يوصفهم الكثيرون، وما أصعب أن يمتحن إيمانك في أولادك، لتأتي الفاجعة الكبرى بأحد الأيام القاسية لينشب حريق بمنزل أحد الجيران ويصابوا الأولاد بالحريق ويتوفون. لتغير شويكار بعد هذا الحادث مسار حياتها وتترك منزلها وتقرر أن تقنط بأحد دور المسنين لتكسب ونسًا، الأمر الذي لم يأتي ببالها مطلقا قبل هذا الوقت، فتوجهت لاحد دار المسنين " دار أهالينا " بمنطقة الهرم الذي عرفته وهى بأحدى الزيارات مع زميلاتها، واختارته ليكون هو منزلها البديل. وتروي الدكتورة الجامعة، عن حياتها بداخل الدار الذي تعتبرها لم تتغير كثيرا عن الحياة بالخارج، فاستطاعت أن تتأقلم سريعًا مع زملائها بالدار وانتقت من يشاركها وقتها بالدار بالحديث حول الأحداث الجارية والموضوعات العامة وفتح مجالات للتناقش وهناك اخرون لا تستمتع بالجلوس معهم فتتجنبهم، واختارت المسنة القراءة لشغل وقت فراغها، خاصة الكتب الدينية، لرغبتها في التقرب لله. وفي عيد الأم، لا تنتظر شويكار تلك المسنة التي فقدت أبنائها، أي شخص بعينه ليزورها، مؤكدة أن عيد الأم يمر مثله مثل باقي المناسبات والأعياد لا تختلف مشاعرها فيه قائلة:" عندي قرايب من بعيد لو جم زاروني اهلا وسهلا مجوش خلاص عادي، كل واحد عنده مشاكله والحياة برا مليانة بلاوي، واوقاتهم مش دايما فاضية، أنا عشت حياتي الحمدلله وقت شغلي اللي قضته على أكمل وجه والحمدلله بعيش حياتي هنا ومستمتعة بيها". فيما لفتت أحد المسنات من صديقات شويكار بالدار أن حالتها تأخرت في السنة الأخيرة فأصبحت تنسى كثير من الأمور ولا تتذكر الكثير من الأحاديث الذي تدور بينهم أو المواعيد المرتبطة بها.