يتأمل في وجوه من حوله ليتذكر ماضيه حينما كان يسير على قدميه ويعمل في واحدة من أكبر الشركات، إلا أن الزمان دار وعاكسته الظروف ليجبره على الجلوس على كرسي متحرك ينتقل من خلاله هنا وهناك لقضاء حاجته. فعلى الرغم من واقعه المرير إلا أن الابتسامة التي تحمل وراءها الرضا بقضاء الله لا تفارق وجه عبد الرحمن إبراهيم البالغ من العمر 65 عاما، فقد أصُيب بغرغرينة في قدمه نتيجة مرض السكر مما دفع الأطباء لبتر قدمه بالكامل "أنا كنت شغال فرد في شركة لحد ما جه اليوم الي اتقطعت في رجلي بسبب مرض السكر اللي عندي". يبدو أن الدنيا قد أغلقت أبوابها أمام وجه عبد الرحمن بعد بتر قدميه فلم يجد أي عمل يجد منه مصدر رزق نظرًا لظروفه، فضلًا عن إيجار المنزل القاطن به و فاتورة المياه و الكهرباء التي عجز عن دفعها ورفض الحي بإعطائها تصريح لإنشاء كشك يسترزق منه " أنا باخد معاش 320 جنيها وإيجار الشقة الي عايش فيها 250 جنيها وصحاب البيت عشان اخواتي من امي خفضو الايجار بدل ما ادفع 500 او 600 جنيه"، متابعًا بلهجة يلمؤها الحماس: "فاتورة المياه والكهربا مش قادر أدفعهم وبقيت أستلف عشان أكل وأشرب، وروحت أقدم على كشك الحي قالي ممنوع دلوقتي ندي تصاريح لأي كشك". عاش الرجل الستيني طيلة سنوات عمره وحيدًا فلم يستطع الزواج لصعوبة المعيشة وزيادة تكاليفه إلى جانب أشقائه الذي أنشغلو بحياتهم بعيدًا عنهم على رغم مسكنهم في بيت واحد" أنا عايش لوحدي مقدرتش أتجوز واحدة عشان ظروف شغلي كانت صعبة ومقدرتش على مصاريف الجواز ومينفعش أجيب بنات الناس تتبهدل معايا"، وبعين لامعة يستكمل: "إخواتي ليهم حياتهم محدش بقي يسأل في التاني ممكن أختي كل أسبوع تحن عليا وتبعتلي طبق أكل". رفض الرجل المسكين جميع أنواع المساعدة التي عرضت عليه بحجة أن هناك أشخاصا آخرين بحاجة إلى هذه المساعدة "أنا مقدرش أقف على باب الحارة أو في أي إشارة وأشحت مينفعش وكمان برفض أي حد يديني فلوس في ناس أولى مني". طالب "عبد الرحمن" بتحسين المعاش لأن مبلغ 320جنيها ضئيل جدًا بالنسبة لزيادة الأسعار التي نراها الآن "أنا نفسي يزودولي المعاش مينفعش يقارنوا العاجز باللي ماشي على رجله بتوع المعاشات قالولي القانون كده، وأنا عايز أقابل غادة والي عشان تحل أزمة المعاشات اللي بنمر بيها".