منذ إعلان الحكومة إجراءاتها الاقتصادية الصعبة، واتجاهها إلى تعويم الجنيه، شهدت الأسواق ارتفاعات متتالية فى أسعار السلع، لم تنج منه سلعة واحدة، من اللحوم والدواجن والأرز والأسماك والعدس إلى مزيلات العرق وأدوات التجميل مروراً بأسعار المواصلات وتعريفة ركوب التاكسى والميكروباص ومازالت الأسعار ترتفع، ومازال الشعب يتحمل.. والسؤال هو إلى متى؟ «الوفد» تجولت بين الناس، ونقلت بالكلمة والصورة مشاعر الغضب المكبوتة، التى لم يستطع أكثرهم إخفاءها، فخرجت فى صورة انفعالات تلقائية تتمنى أن ينتبه لها أولو الأمر، لأنها تعبر بوضوح عن الهوة الواسعة بين الحكومة والشعب، والتى تزداد اتساعاً كلما تجاهلت الحكومة مطالب الناس الحياتية اليومية، وتركتهم فريسة للارتفاعات المتوالية فى الأسعار. يصرخ فى وجهى الحاج محمد: عيشة إيه اللى أقولك عليها ما هى قدامكم على عينك يا تاجر.. حرام عيلكم يا حكومة عايزين من الغلابة إيه جاتكم الهم والغم.. كل شوية تكتبوا عن ارتفاع الأسعار.. مفيش مرة تكتبوا فيها عن انخفاض الأسعار. حرام دا قرص الطعمية بتاع الغلابة بقى بجنيه ومش عارف أشترى بجنيه فول أقل حاجة ب 3 جنيه.. حرام عليكى يا حكومة الكرب.. حسوا شوية بالغلابة نعمل إيه عشان نأكل عيالنا.. ولا نبيع عيل من العيال عشان ناكل الباقى ولا نبيع حتة من جسمنا عشان ناكل ونتعالج. وبكل عنف انتزع من يدى كاميرا التصوير وألقى بها على الأرض.. بتصورى ايه الغلابة اللى مش لاقين حق السكن ولا لقمة العيش ولا حتى هدمة تسترهم.. احنا مش عايزين تصاوير، روحى صورى المتلمَّعين بتوع الحكومة اللى لابسين بدل ومنفوخين على الفاضى.. حرام عليكم أحنا مش لا قين ناكل. وقالت سيدة من إحدى قرى الشرقية أحنا عيشتنا صعبة قوى يا أبلة، عندنا كوم لحم نأكلهم منين قوليلى.. وحياة النبى سبيك من كلام الجرايد ده وأشترى فطرتين، دانا من صباحية ربنا مبعتش غير 3 فطاير بس. والتقط منها طرف الحديث شخص يبيع معها الفطير.. يا أبلة إحنا عشتنا تبكى الصنم.. وحياة سيدنا النبى ما لاقيين ناكل هو ايه الى جرى فى البلد يادوب بناكل حبة المش والبتاوى. وتواصل السيدة: أحنا كنا بنطبخ مرة فى الأسبوع، لكن دلوقتى يدوب الطبيخ بيكون مرة فى الشهر.. قولى للحكومة كل حاجة غالية قوى حرام أرحمونا شوية أحنا ملطمين. وقال الحاج: العلاج غالى والأكل غالى نعمل إيه نقطع نفسنا، انا شغال شغلانتين ومابقتش مستحمل، حتى البيت اللى عايشين فيه الحى عاوز يهده، ماعندناش غير معزة يتيمة وشوية فراخ، وأنا راجل صاحب مرض وعندى كوم عيال. وقالت أم أحمد: «انتم بتوع التليفزيون والصحافة عاوزين تقولوا إن العيشة حلوة، والناس شبعانة، لكن الحقيقة ان الناس تعبانة وجعانة»، وتصرخ: «يقطع العيشة واللى عايشينها زوجى بواب وراتبه 600 جنيه، يعمل ايه ل5 أفراد، وتشير بيدها لطفلتها سعاد المريضة وتقول بحسرة: علاجها بيكلفنا 400 جنيه فى الشهر ومصابة بالصرع، وضمور وتوحد، وفى أغلب الأوقات بنكون قاعدين فى أوضة واحدة، شوية بيناموا على السرير والباقى بينام على الأرض». وتستكمل: «نفسى بنتى تكمل تعليمها فى مدرسة خاصة للصم والبكم، وعلاج الصرع». ويقول الحاج كامل: «ربنا يكون فى عون الناس اللى فعلا بتنام من غير عشا، واللى بتاكل طقة واحدة فى اليوم، والغلابة اللى مش لاقين عيش حاف من غير غموس»، يصمت قليلاً يعاود حديثه ليقول: «يا أستاذة العيشة واللى عايشينها عبارة عن هم يبكى وهم يضحك، هم يبكى على الغلاء اللى احنا فيه من غلاء العلاج والسلع الأساسية، ده غير العدس اللى كان أكل الغلابة بقى ب35 جنيه، وعلشان كده هم يضحك على أحوال الحكومة اللى كل ساعة بحال فى ارتفاع الأسعار»، ويتساءل قائلاً: «هى عاوزة تودينى على فين؟»، وبحزن شديد يضع يده على كتفى: «يا بنتى ربنا يسترها عليك وعلى عيالنا». ويقول الحاج رمضان: «يا استاذة ربك هو الرزاق، والحمد لله اللى جاى على قد اللى رايح، أنا مس بحسبها، ولو حسبتها هنموت من الجوع خلينا على الله قادر يزرق الدودة فى الجحر». ويستكمل حديثه: «طالما الحكومة تاكل الديك الرومى والوزة واللحمة وكل أنواع الفاكهة، عمرهم ما يحسوا بالفقير الغلبان اللى عايش على الفول المدمس، وحبة الملوخية الناشفة القرديحى، وساعات بغمس العيش بحبة ملح». وتقول أم مروة: «عاوزة تعرفى ايه أنا بطلع من صباحية ربنا على فيض كريم، اسرح بدبابيس ابرة، علشان اعرف اكل انا و3 بنات، سابهم أبوهم وطفش ومانعرفش عنه حاجة وبقالنا 5 سنين، فى الاول كنت بخدم فى البيوت وبعدين سبتها علشان زوج الست حاول يتعدى عليّ، ومن ساعتها بيبع الدبابيس». وتابعت: «واحدة غيرى يا أبلة كانت مشيت فى الطريق الحرام، لكن إحنا غلابة ونعرف ربنا والعيشة الشريفة، وولاد الحلال بيساعدونى، فى توفير الملابس ليّ ولعيالى وتوفير اللقمة الزايدة وادينا عايشين»، تصمت قليلاً وتحاول أن تدارى دمعتها: «بقالى 3 أيام مادوقتش طعم الزاد، كل اللى تحصلت عليه 4 جنيه يادوب اشتريت بهم عيش ومية فول، وخليتهم لولادى واستخصرت فى نفسى اللقمة». وأردفت: «معنديش حاجة أقولها عاوزة تعرفى ايه تانى، ونسيت أقولك إننا عايشين فى عشة فراخ، فوق سطح بيت وحمدين ربنا اللى حامينا من غدر الزمن».