وسط العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات التحالف بهدف القضاء علي داعش وتحرير الموصل، نشرت صحيفة «درليش بوسطاطي» التركية، خريطة تركيا الجديدة والتي تضم أجزاء من سورياوالعراقوبلغاريا، تحت عنوان «هل هذه هي الأراضي المقتطعة من تركيا؟». وضمت الخريطة مدن كركوك والموصل وأربيل وحلب وإدلب والحسكة وأجزاء من بلغاريا وأرمينيا، مشيرة إلى أن القسم الوطني «ملي ميساك»، المختوم من قبل البرلمان العثماني عام 1920، يقول إن هذه الأراضي أجزاء من تركيا. يقول مراقبون إن ما نشرته الصحيفة ليست أكثر من إعلان صريح عن سياسات وممارسات تركية سابقة تخفي هدفا حقيقيا للاستيلاء على أجزاء من الأراضي السورية والعراقية. فقد توغلت القوات التركية في سوريا وحلب منذ العام الماضي وكان ظهورها على سطح الأحداث متقطعا، ولكن كلها كانت جزءا من سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوجان لزيادة النفوذ التركي في البلدين، وربما حتى لانتزاع أراض من العراقوسوريا وضمها لتركيا مثلما فعلت روسيا وضمت شبه جزيرة القرم في 2014. ومن اللافت إلى أنه مع بدء عملية استعادة الموصل من تنظيم داعش، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوجان أن القوات التركية متواجدة ومشاركة في العمليات العسكرية لتحرير الموصل سواء وافق العراق أم رفض. كان الهدف التركي واضحا في سوريا مع محاولات أنقرة المستمرة إنشاء منطقة عازلة على الحدود السورية مع ضرب القوات الكردية لمنع وحدات الشعب الكردية من تأسيس دولة مستقبلية لهم. أما في العراق، فتهدف تركيا لضرب خطط إيرانية لإنشاء منطقة شيعية بمحافظة نينوى، وهو ان تم سيكون نقطة انطلاق المقاتلين الشيعة للسفر لسوريا والقتال في صف الأسد، مثلما استخدم داعش نينوى لشن الهجمات في غرب العراق وشرق سوريا. ولكن إذا سيطرت تركيا على الموصل بالقوة العسكرية المشاركة في عمليات التحرير من داعش فيمكنها أن تضمن نصيبا للتركمان الموالين لتركيا، وإذا سيطر التركمان فإن تركيا ستسيطر على شمال العراق وسيكون لها قاعدة في العراق لضرب حزب العمال الكردستاني. هذه الفكرة التي يؤكد عليها مراقبو العمليات العسكرية في سورياوالعراق، كان رددها من قبل برلماني تركي من حزب العدالة والتنمية الحاكم قائلا إن تركيا ضد تقسيم سوريا ولكن إذا حدث التقسيم فيكون من حق تركيا استرجاع حلب والموصل. وتتذرع تركيا بالعديد من الأسباب لإضفاء شرعية على دخولها في الموصل، منها أن تركيا أحد أطراف التحالف الدولي ضد داعش، ويحق لها الانتشار العسكري في العراق بهدف محاربة داعش دون الحصول على موافقة بغداد، مثلها في ذلك مثل دول التحالف الموجودة في سوريا حالياً دون الحصول على موافقة بشار الأسد. كما أن تركيا شاركت في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في سورياوالعراق بناءً على دعوة مجلس الأمن لها عام 2015. بالإضافة إلى ذلك، فوفقاً لاتفاقية أنقرة 1926 ومعاهدة لوزان 1923، يحق لتركيا تأمين حدودها بالتدخل العسكري في العراق أو سوريا، خصوصاً أن الاتفاقية تمنح تركيا الحق في المشاركة في أي قرارات تخص استقرار أو انفصال أو الحكم الذاتي لمدينتي الموصل وكركوكبالعراق. وكان الرئيس التركي أردوجان انتقد في خطاب ألقاه بقصره الرئاسي نهاية سبتمبر الماضي، معاهدة لوزان وموقعيها من الجانب التركي، مؤكداً على الحقوق التاريخية والدولية لتركيا في الشريط الممتد من حلب حتى الموصل. وتعقيباً عليه، قال البروفيسور التركي المتخصص في العلاقات الدولية مصطفى صدقي بيلجين «عندما تخلت تركيا عن الموصل للعراق كان الأمر مشروطاً بعدم تغيير حدودها أو وضعها آنذاك، وهو ما تغير خلال العقود الماضية». وأشار أستاذ شؤون الشرق الأوسط البروفيسور أوميد أوزداغ، إلى رغبة تركيا في استعادة مدينة الموصل. وقال «انفصال الموصل عن العراق وخروجها عن سيطرة الحكومة العراقية ينعش آمال أنقرة في استرداد حقها التاريخي في السيطرة على المدينة». يبدو أن خريطة أخرى تنتظر الشرق الأوسط بعد أن تضع الحرب أوزارها في بلاده الملتهبة، ترسمها أدوات القوة وأوراق من أضابير التاريخ ينفض عنها التراب لإثبات حقوق قانونية في أراضي بلادنا التي طالما كانت نهبا لأمراء الحروب والباحثين عن أمجاد امبراطورية على حسابنا نحن دون رادع منا، بعد أن طمس تنظيم داعش كل خطوط حدودنا لتمهيد الطريق أمام المستعمرين الجدد.