أثارت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول الموصل العراقية وتحديده موعد بدء تحرك الجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية لدحر قوات تنظيم داعش الإرهابي جدلًا واسعًا بالأوساط المحلية العراقية؛ إذ وصف متخصصون الدور التركي في العراق بالمشبوه الذي يعرقل محاربة تنظيم داعش، لاسيما أن تصريحات أردوغان جاءت بدون تنسيق مع الحكومة العراقية. وعبر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن استغرابه إزاء تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن تحرير مدينة الموصل، قائلا إن تركيا ليس لها أي دور في العمليات العسكرية ضد التنظيم، فيما أبدى عدم رغبته بحدوث تصادم مع القوات التركية غير المرحب بها في شمال العراق، مؤكدا أنها عرقلت الجهود العراقية في محاربة "داعش". وكانت أردوغان، أبدى قبل أسابيع رغبته في إجراء عملية عسكرية بالعراق مشابهة لما حدث بسوريا، في إشارة إلى عملية "درع الفرات" التي دخل على إثرها الجيش التركي في الشمال السوري وتحديدًا في جرابلس لدعم المجموعات السورية المعارضة، وعبر حينها الرئيس التركي عن اعتقاده بأن "العراق بحاجة إلى عمل مشابه"، معتقدًا أن حل مشكلة الموصل، الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش منذ 2014، يمر عبر الإصغاء إلى المنظور العقلاني لتركيا فيما يتعلق بالمنطقة. من جانبه، أبدى وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، لنظيره التركي، مولود جاويش أوغلو، استغرابه من التصريحات التركية، مؤكدا رفض العراق أي عملية عسكرية تتم على الحدود المشتركة دون علم بغداد، كما أن مراقبين أكدوا أن التصريحات التركية لها مدلولات كثيرة تتعلق برغبة أنقرة في توسيع نفوذها داخل العراق والإبقاء على جيشها متواجد في الشمال العراقي، خاصة بالموصل لتحقيق المصالح التركية. وتعتبر الموصل العراقية تاريخيًا ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لتركيا؛ فكانت المدينةالعراقية منذ أقل من قرن جزءًا من السلطنة العثمانية، واحتلتها القوات البريطانية بعد توقيع «هدنة مودروس» عام 1918 بين السلطنة العثمانية والحلفاء، التي نصت على توقف الحرب بين القوات البريطانية والعثمانية، ولهذا اعتبرت السلطنة ما حصل يومها خرقا للهدنة، دون أن تنجح باستعادة الموصل. ولاحقا، عندما وقعت تركيا «اتفاقية لوزان» عام 1923، التي تعتبر النهاية الرسمية للسلطنة العثمانية والاعتراف بالجمهورية التركية الجديدة وفق الحدود الجديدة المتفق عليها، بقيت قضية الموصل خارج المعاهدة لتبت فيها «عصبة الأمم»، التي أرسلت بدورها لجنة تقصي حقائق أوصت بأن تبقى المدينة تابعة للعراق، ووافقت تركيا على ذلك ووقعت اتفاقية ترسيم حدود مع العراق عام 1926، وبقيت الموصل تابعة للعراق، الذي غير اسم المحافظة إلى «نينوى». ورغم أن نزاع الموصل انتهى من الناحية القانونية بإبرام هذه الاتفاقية، إلا أن الأتراك ظل في ذاكرتهم أن للموصل مستقبل غير الذي وضعته الاتفاقية؛ حيث وعد مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك، نواب البرلمان المعترضين على الاتفاقية آنذاك، بالعمل على "استعادة الموصل في الوقت المناسب"، حين يكونوا أقوياء، وخصوصا لدى من يحمل أحلام وآمال تجديد الأمجاد العثمانية السابقة. يقول محمد كياني، السياسي العراقي والنائب البرلماني السابق، إن الخطوات التركية وتحركاتها وتصريحاتها استفزازية إلى أبعد الحدود، متهمًا انقرة ب"مخطط تركي" لضم ما يسمى ب"ولاية الموصل"، داعيًا الحكومة العراقية إلى الحرص وتيقن أن أنقرة ترغب في استبدال الاحتلال "الداعشي المؤقت" باحتلال "تركي دائم". ولم يتهم السياسي العراقي الإدارة التركية فقط في المخطط، بل أكد أن هناك قوى سياسية عراقية تشارك فيما اسماه ب«الحلم العثماني»، وتابع: هناك مخطط تركي مع قوى سياسية معينة في العراق لإحياء الحلم العثماني لأردوغان من خلال الاستيلاء على الموصل، ومن ثم التحرك باتجاه كركوك، وصولاً إلى جبل حمرين، مبينا أن هناك محاولات لتكون للقوات التركية اليد الطولى في معركة تحرير الموصل لتحقيق هذا الهدف، وإذا تعذر ذلك ستحاول تركيا الاستفادة من القوى الموالية لها لتحقيقه، مشددًا أنه على الحكومة العراقية تأجيل معركة تحرير الموصل حتى التأكد من إنهاء الوجود التركي داخل العراق، فبدون تحييد الوجود التركي سيفقد العراق سيادته على أراضيه وستدار الموصل بالنيابة من قبل قوى موالية لأنقرة. وفي ضوء هذه التصريحات والنبذة التاريخية للموصل، يرى مراقبون أن إعادة ضم تركيا للموصل أمر قد يكون في الذاكرة، لكنه صعب المنال، إلا أن التفاصيل التي تعقب التدخلات التركية المباشرة في الشمال العراقي، قد تسفر عن تغييرات جغرافية ستكون في صالح النفوذ التركي كالتي يتحدث عنها الأمريكان وتنتهي بتقسيم العراق إلى فيدراليات وأقاليم؛ حيث يتحدث الأمريكان دائمًا عن إقامة إقليم سني في شمال العراق يكون تحت رعاية الأتراك وإقليم آخر للأكراد وثالث للشيعة. وبحسب السياسيين والبرلمانيين العراقيين، فإن تحرير الموصل بمشاركة تركيا، سيكرس في الحد الأدنى، أدوارا ومحاصصات طائفية وإقليمية جديدة قد تؤدي إلى تقسيم العراق فعليًا، حيث تعد القوي السياسية والعراقية التي لطالما طالبت بإقليم «عراقي سني» من أبرز المقربين لتركيا، لذلك أبدت الحكومة العراقية رفضها من المشاركة التركية في تحرير الموصل؛ خوفًا من مطالبة الكثير بالاستقلال وتقسيم العراق على أساس طائفي كما يحلم الأمريكان.