بين ماضٍ ساحر وحاضر يلفه الضجيج، يصمد البيت الأشهر فى شارع محمد على، كأنه يستعين على وحشة يومه بأنس أمسه.. هنا تهادت سندريلا الشرق فى خفة العصافير، ووداعة الأزهار، تجسد بروحها المفعمة بالحياة قصة الحق فى الحياة.. فها هى ابنة العوالم و«الآلاتية» تشق طريقها إلى قبة الجامعة فى ثقة ولا مبالاة من تراث اجتماعى يحارب مجرد الفكرة.. لا يهزمها سوى الحب.. لكن كحال الشارع الذى احتوى طفولتها وشبابها. تنهض من جديد وتنتزع ما طمحت إليه. أحداث الفيلم مازال السكان والتجار فى الشارع يتذكرونها، ويضيفون إلى خيال المؤلف حكايات الواقع الذى عايشه الكبار منهم لحظة بلحظة.. عم أحمد تاجر موبيليا بجوار البيت الذى اختاره المخرج حسن الامام عام 1972 لتصوير الفيلم الذى أبدعه صلاح جاهين.. يشير إلى البيت. ويقول عمره أكتر من 100 سنة يعنى أثر المفروض نحافظ عليه.. وقتها كنت شابًا صغيرًا وفرحنا وطرنا من الفرح لما شوفنا «الست سعاد»، كانت شربات وطيبة، وتسلم ع الناس، وتقعد ع القهوة هى وصلاح جاهين وكان راجل بسيط ودمه خفيف ومتواضع جدًا، وتحس انه والست سعاد أخوات أو أصحاب، وهى كانت تضحك معانا كأننا أهلها. و«الست تحية» كانت ب100 راجل ومحترمة وشفيق جلال أصلاً كان زبون دائم فى قهوة التجارة هو وكتير من الفنانين.. وكان الله يرحمه حسن الامام يقول يا جماعة شوية كدة هنصور وكلنا نقعد معاكم.. يبتسم عم أحمد قائلاً: كانت أميرة بجد وريحتها حلوة قوى تملأ الشارع بطوله وماننساش منظرها وهى لابسة الفستان الأبيض وطالعة عالسلم ده ويشير إلى سلم البيت وبتغنى يا واد يا تقيل للفنان الكبير حسين فهمى، وأول الفيلم ما نزل «السيما» كلنا دخلناه وحاسين انه «حتة مننا». ينظر الرجل إلى البيت ويرتد نظره إلى الشارع بطوله قائلاً: كل شىء اتغير البيوت دى معظمها أوقاف والسكان هجروها وسابوها للتجار وأصبحت مخازن وبدل ما نشوف الفنانين والناس «الرايقة» بقينا شايلين الهم. حتى بياعين الخضار بقوا يحطوا الأقفاص فى المداخل.. المفروض الدولة تهتم بالبيوت دى وتعملها مزارات زى اللى فى بلاد برة ودى تراث وتاريخ وزمان كان الفنانين الكبار بيقدروها وييجوا يعملوا فيها الأفلام ومعظم الأفلام اللى اتعملت هنا انتصرت لأهله رغم محاولات التشويه. تركت عم أحمد ودخلت من بوابة البيت عبارة عن خمسة طوابق ضخمة ذى بوابة خشبية مشغولة بالحديد المزخرف. المدخل واسع لكن كثيرًا من الأثاث يحتل جانبيه، واسترجعت كل المشاهد من خلاله وضعت يدى على نفس السلم الذى غنت عليه السندريلا فيما اسندت رأسها على الدرابزين وتنهدت حالمة، كأنما تطير فى السماء فى كل طابق شرفة كبيرة مزدانة بالزجاج الملون، طرقنا باب الشقة التى قالوا لنا إنها هى التى تم تصوير أحداث الفيلم بها لكن أحدًا لم يكن هناك، أما معظم الشقق فقد تحولت إلى مخازن لبضائع المحلات فى الشارع، أحد أبواب الشقق فى مواجهة السلم كان مفتوحًا على مصرعيه ناديت على من به. شاب كان يحمل صندوقًا به بضاعة يهم بإنزالها للمحل فى الأسفل. سألته: هل تعرف أحدًا من سكان البيت؟ فأجاب دون أن يلقى اهتمامًا «ما حدش هنا يعرف حد وبعدين دى مش شقق دى مخازن»! .. أدرت ظهرى لبيت زوزو وقلبى لم يزل فى زمن جميل أطلاله ما زالت تنافس بقوة على المراكز الأولى فى نفوس عشاقه..