عاش مبني الإذاعة والتليفزيون في ماسبيرو حياة رغدة منذ إنشائه وحتي الآن! والحياة الرغدة لم تكن تعني سوي أن هذا الجهاز الإعلامي - شأنه شأن سائر صحف الحكومة ومجلاتها - سبيل الإنفاق أمامها مفتوح! وعلي بيان من خلال السحب من البنوك علي المكشوف! ولم يكن أحد يجرؤ خلال هذا العمر الطويل للإذاعة والتليفزيون السؤال - مجرد السؤال - عن ميزانية وإنفاق هذين الجهازين فقد كان هذا من الأسرار التي لا يعرف لها أحد سبيلاً إلي الاطلاع! وظلت أجهزة الرقابة - جهاز المحاسبات علي وجه التحديد - يقدم تقاريره لتستقر هي الأخري في أدراج مكاتب القيادات القابعة علي قمة مبني الجهازين! والأمانة تقتضي أن أقرر أن نظام الحكم - منذ عرفت مصر التليفزيون في الستينيات من القرن الماضي - قد وجد أن دخول وجوهه وزعاماته كل بيت لا يمكن إلا من خلال التليفزيون! وتركز الاهتمام علي التليفزيون حتي إن القائمين عليه كانت تجاب مطالبهم من التعزيزات المالية كلما فرغت خزائن التليفزيون والإذاعة من المال! وقد وجدت أنظمة الحكم أنها يمكنها أن تكون »أنظمة إعلامية« في المقام الأول - لم تكن الفضائيات قد ظهرت بعد - إذا ما أغدقت المال علي التليفزيون والإذاعة! فتراجع اهتمام الدولة بالصحف والمجلات بعض الشيء، وكذا الأنشطة التي كان لها جمهور عريض من كتب ومجلات وخدمات ثقافية تقوم بها وزارة الثقافة، وهي أنشطة لم يكن للشعب غيرها! بل أعرف وزيراً شهيراً للثقافة - وهو مثقف كبير - قد طلب إلي الرئيس في اجتماع لمجلس الوزراء برئاسته أن يوافق علي صرف تعزيز متواضع لوزارة الثقافة، وهو الأمر الذي رفضه الرئيس، وعقب الاجتماع كان لوزير الثقافة العتاب علي الرئيس لرفضه، في حين أنه في نفس الاجتماع وافق علي تعزيز مالي للتليفزيون! فكان جواب الرئيس علي الوزير المعاتب: »التليفزيون يجعلني داخل كل بيت.. هل يمكن لكتبك أن تفعل ذلك؟«.. وسكت الوزير! وعندما يذكر جهاز المحاسبات في تقاريره أن التليفزيون والإذاعة قد خسرا 11 ملياراً و540 مليون جنيه مع ملاحظة الجهاز أن التليفزيون في تراجع مستمر، ويحقق أرقاماً قياسية في الخسارة، و»أن جهاز الإذاعة والتليفزيون يواجهان كارثة حقيقية بسبب الخسائر اليومية، التي تعد إهداراً للمال العام وذلك بسبب العمالة الزائدة وخلو المحتوي الإعلامي«! عندما يذكر جهاز المحاسبات ذلك فإنني لا أتوقع أن يحاسب أحد علي ذلك! حيث الجهاز التليفزيوني والإذاعي الرجل المدلل منذ طفولته عند أنظمتنا السياسية، ولا مساس بما ينفق، وكيف ينفق!