محل صغير مستطيل الشكل، ذو ضوء خافت بمعالم قديمة تعود بالذكريات إلى ما مضى، فتسترجع ما مرت إليه من أحداث تاريخية شهدت انتصارات وانكسارات، ذاقت مرارة الظلم واستشعرت آهاته، بين ثورات وحروب وهزائم، ورغم كل ذلك مازالت محتفظة بمعالمها وموقعها الجغرافي المتميز الذي توارثه عم "محمد" سبعيني العمر عن أبآئه وأجداده منذ عشرات السنين ليغلق أبوابه بسبب أزمة اقتصادية لم يتوقعها يومًا. هنا وسط القاهرة وبالتحديد في شارع عماد الدين، المنتشر حوله المسارح والسينمات، يوجد أقدم محل لبيع العصائر بمصر، يملكها عجوز سبعيني،يعمل بهه منذ كان في الثامنة من عمره، سنوات طويلة وهو ينهض إليها منذ طلوع الفجر وحتي غسق الليل لينال منها قوت يومه هو وأسرته، جعلته عشرة المكوث بها يتمسك بها وكأنها أحد أبنائه المدللين ويرفض الاستغناء عنها رغم تيسر الحال عليه في الوقت الحالي . بابتسامة صافية من وجهه البشوش، يستقبل الحاج زكريا عبدالله زبائنه، وبيداه المشقوقتان من عناء العمل، يسقيهم من عصائره المميزة المصنوعة من الفواكه الطبيعية، حيث يرفض إضافة المواد الصناعية عليها، حفاظًا على المبادئ والقواعد التي ورثها عن أبآئه وأجداده. يقول زكريا: "ورثت هذا المحل عن أبآئي وأجدادي وأعمل به منذ كان عمري ثمانية أعوام، فبرغم حصول على مؤهل متوسط (دبلوم زراعة) إلا أن أبي رفض التحاقي بأي وظيفة أو استكمال دراستي الجامعية" من أجل هذا المحل". ويستكمل الرجل: غلاء الأسعار ساهم بشكل كبير في عزوف الزبائن عن الشراء، فسابقًا كان يعمل مع سبعة عمال فيما أكثر وسط توافد كثيف من المواطنين، لكن الآن السوق يشهد حالة ركود شبه تامة قائلًا: "الموت أهون عليا من إني أقفل المحل دة". اختلف الحال كثيرًا بمحل القصب قديمًا عما هو عليه الان، من الناحية الإقتصادية كما أكد زكريا، يستطرد " أنا زمان كنت مشغل معايا سبعة أشخاص في المحل عشان الزحمة والناس دلوقتي شغال فيه لوحدي، في ركود ملحوظ في حركة البيع بعد الثورة، وزاد أوي الفترة دي في ظل غلاء الأسعار اللي بنعيشه". ويكمل العجوز: " هذا المحل البسيط جمعت منه ثروتي في الحياة، سواء من أموال أو أبنائي الذي حرصت على استكمال دراستهم الجامعية فلدي خمسة أبناء منهم طبيب ومهندس، لكن هذه المرة لن يرث أحد منهم المحل كما فعل أبي، فأحاول أن يستمر حتى أموت وأفارقه، لكن أخشي أن يغلق رغم عني بسبب ارتفاع الأسعار". وتمنى "زكريا" في نهاية حديثه: أن يظل هذا المحل كما هو دون تغير في معالمه، وأن تنتهي الأزمة الاقتصادية التي وصفها بالطاحنة لتخرج مصر أفضل مما كانت عليه ولتعود رائدة كما كانت سابقًا.