أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن مجابهة الإرهاب تتطلب جهدًا دوليًا مكثفًا، وتناولًا لهذه الظاهرة بشكل متكامل يشمل التنظيمات الإرهابية كافة، والعمل على دحض فكرها المغلوط، والوسائل التى تستخدمها لنشره والقضاء على مصادر تمويلها، وإيجاد الحلول السياسية للصراعات الدائرة، التى يستغلها الإرهاب لحيازة الأرض والسيطرة على الشعوب. جاء ذلك فى بيان الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مؤتمر القمة السابعة عشر لرؤساء دول وحكومات حركة عدم الانحياز بفنزويلا، الذى ألقاه نيابة عنه وزير الخارجية سامح شكرى، الذى نقل تحيات الرئيس السيسى بمناسبة انعقاد القمة السابعة عشر لحركة عدم الانحياز. أكد البيان التزام مصر بالتعاون البناء مع رئاسة فنزويلا للحركة للسنوات الثلاث المقبلة من أجل تحقيق الأهداف التى نصبو إليها، ونثمن جهود الرئاسة الإيرانية السابقة للحركة. وفيما يأتى نص البيان: "وإذ نحتفل بالذكرى الخامسة والخمسين لحركة عدم الانحياز، تولي مصر اهتمامًا متزايدًا بها منذ أن كانت أحد مؤسسيها فى مؤتمر باندونج التاريخى عام 1955 للتضامن الأفرو آسيوي، ومن ثم تأمل مصر أن تضطلع الحركة بدور أكثر فاعلية يتواكب مع آمال نعقدها عليها، وبما يتناسب مع تأثيرها المطلوب دوليًا، وإن كنا قطعنا شوطًا كبيرًا فى تطوير أساليب العمل بالحركة منذ قمة "كارتاخينا" عام 1995، إلا أننا مازلنا نحتاج للخروج بتصور حول الدور المطلوب لحركتنا فى السنوات المقبلة، وكيفية تعظيم الإيجابيات التى يتيحها هذا المحفل من روح توافقية واحترام للتعددية، لتحقيق التعاون فى شتى المجالات بين دوله وتعزيز الأمن والسلم والتنمية فى العالم. السيد الرئيس.. السيدات والسادة.. وسط كل التحديات التى نجابهها فى العالم اليوم؛ يقف الإرهاب خطرًا داهمًا يهدد مستقبل دولنا ومقدرات شعوبنا، لا يفرق بين مجتمع وآخر، ولا يرتبط بدين أو بثقافة بعينها، ومن ثم فإن كنا جادين فى مواجهته، يتعين أن يكون تحركنا لمجابهته عالميًا، وألا يقتصر على المجتمعات الإسلامية والنامية مثلما يروج البعض. كما ينبغى تناول الأسباب كافة المؤدية للتطرف، وتجنب طرح أفكار ملتبسة حول التطرف العنيف تتناسى التعامل مع الجذور المسببة للإرهاب وبعضها مرتبط بإتاحة الفرص للتنظيمات الإرهابية التى تعتنق أيديولوجيات الهيمنة والإقصاء بأن تروج لمنهجها اتصالًا بتطور معالجة المجتمع الدولى للأزمات الإقليمية المزمنة، وما تولد عنها من إهدار للحقوق والحريات للشعوب الواقعة تحت وطأة هذه الأزمات، واستمرار حالات الاحتلال الأجنبى لأراضى ومقدرات الغير، والتدخل الأجنبى سواء العسكرى أو بوسائل أخرى لتطويع مسار دول بعينها، فضلًا عن، وهو الأخطر، اللجوء لتوظيف هذه الكيانات الإرهابية لتحقيق أهداف سياسية. إن مجابهة الإرهاب تتطلب جهدًا دوليًا مكثفًا وتناول لهذه الظاهرة بشكل متكامل يشمل التنظيمات الإرهابية كافة، والعمل على دحض فكرها المغلوط، والوسائل التى تستخدمها لنشره، والقضاء على مصادر تمويلها، وإيجاد الحلول السياسية للصراعات الدائرة التى يستغلها الإرهاب لحيازة الأرض والسيطرة على الشعوب. من جهة أخرى، يجابه العالم النامى اليوم تحديات جمة جراء الأزمة الاقتصادية والمالية الدولية، وما أفرزته من زيادة الفجوة بين الدول المتقدمة والدول النامية وازدياد معدلات الفقر والتهميش الاجتماعى ولعل ظواهر النزوح القسرى وتفاقم اللجوء والهجرة، وزيادة حدة الجريمة المنظمة، والتحديات البيئية، والإرهاب، لنموذج للتحديات التى تجابه دول الحركة، الأمر الذى يستلزم تعبئة الجهود الوطنية والإقليمية لمجابهة تلك التحديات، وبلورة مقاربات ملائمة للتعامل معها. السيد الرئيس.. وسط تلك التحديات الجسام، يخطو العالم نحو تنفيذ أهداف أجندة 2030 للتنمية المستدامة، وعلى ضوء افتقار الدول النامية للقدرات والإمكانات اللازمة للوفاء بتلك الأهداف الطموحة للتنمية المستدامة، إذ تحتاج للمزيد من نقل التكنولوجيا ونصيب أوسع فى التجارة الدولية وتدفق أكبر للاستثمارات؛ تؤكد مصر ضرورة تعزيز آليات التعاون جنوب/ جنوب، من دون أن تكون بديلًا للتعاون شمال- جنوب، مع الحاجة لوفاء الشركاء الدوليين بالمساعدات الإنمائية الرسمية، ترسيخًا لمبدأ "المسئولية المشتركة متباينة الأعباء" الذى يجب أن يحكم التعاون بين دول الجنوب والشمال لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، ومن ثم فإننا نتطلع لقيامنا بدعم المواقف التفاوضية لدول الحركة فى المحافل التنموية، كما ندعو لتبادل الخبرات الوطنية المختلفة فى مواجهة تلك التحديات، وزيادة مشاركة العالم النامى فى هيكل الحوكمة الاقتصادية الدولية. فى السياق نفسه، واتصالًا بالقضايا الدولية، ما زلنا نرصد محاولة البعض فرض وصاية على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية خارج حدوده، وفقًا لمقاربة غير متسقة مع الخصوصيات لكل دولة وواقع الأمور بها، بل اتخذ من حقوق الإنسان ذريعة لممارسة الضغط، بشكل أدى إلى تسييس قضايا حقوق الإنسان، والتدخل فى الشئون الداخلية للدول، ومع التسليم بوجوب احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، فإن على الكل أن يستمع لشواغلنا ويتفاعل معها من دون انتقائية، فلابد من مقاربة شاملة تعطى أولوية لمكافحة الفقر، وتوفير الرعاية الصحية والغذاء والتعليم، وتمكين المرأة والشباب، بالتوازى مع إرساء الدعائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية لترسيخ الحكم الرشيد وسيادة القانون. السيد الرئيس، السيدات والسادة.. لقد أبدت مصر انطلاقًا من مسئوليتها كعضو نشط فى مجموعة الحركة داخل مجلس الأمن انفتاحًا على مشاغل ومصالح دول الحركة، وسعت إلى تحقيق التوافق حول القضايا المطروحة على المجلس بما يدعم دوره فى صيانة السلم والأمن الدوليين، خصوصًا أن عضوية مصر بمجلس الأمن تتزامن مع عضويتها فى مجلس السلم والأمن الأفريقي. وسعت مصر خلال رئاستها لمجلس الأمن فى مايو 2016 إلى تعزيز الشراكة بين الأممالمتحدة والمنظمات الإقليمية، خصوصًا الاتحاد الأفريقى وجامعة الدول العربية، حيث تشغل الأوضاع والنزاعات القائمة فى القارة الأفريقية والمنطقة العربية السواد الأعظم من أجندة مجلس الأمن الدولى. كما تتابع مصر باهتمام مفاوضات إصلاح وتوسيع مجلس الأمن، انطلاقًا من اقتناع تام بضرورة تحقيق إصلاح شامل للمجلس، يحقق التكامل بين المواضيع التفاوضية الخمسة الواردة بمقرر الجمعية العامة 62/557، على أن يحظى أى تقدم فى المفاوضات بأوسع تأييد من الدول الأعضاء، فى إطار الالتزام بملكيتها للمفاوضات، وبما يرسخ من أسس الدبلوماسية متعددة الأطراف القائمة على المساواة، وهى الركيزة التى نشأت عليها حركة عدم الانحياز. السيدات والسادة.. تبقى قضايا الحد من انتشار السلاح النووى وأسلحة الدمار الشامل تمثل تحديًا رئيسيًا أمام المجتمع الدولى، إذ تمثل خطرًا داهمًا على البشرية لا يمكن التغاضى عنه، أو القبول بسياسة الأمر الواقع التى يرسخها البعض، ومن هذا المنطلق فقد سعت مصر خلال العقود الأربعة الماضية، للتحرك لاتخاذ تدابير لإخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووى وأسلحة الدمار الشامل الأخرى. فعلى رغم اعتماد مؤتمر مراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية لقرار الشرق الأوسط لعام 1995، الذى بناءً عليه تم التوافق على التمديد اللانهائى للمعاهدة، والتوصل لخطة عمل الشرق الأوسط التى اعتمدت فى مؤتمر المراجعة لعام 2010، إلا أنه من المؤسف قيام دول تعلو أصواتها بالمطالبة بدعم نظام عدم الانتشار النووى، بعرقلة التوصل إلى وثيقة ختامية فى مؤتمر المراجعة لعام 2015، الأمر الذى عطل التوصل إلى خطوات محددة تتيح إطارًا تشاوريًا توافقيًا يؤدى إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، إضافة إلى توفير فرصة حقيقية فى توقيت حاسم لإحراز تقدم فى سبل نزع السلاح النووى والوفاء بالالتزامات الواردة فى معاهدة عدم الانتشار من دون استثناء. وعلى الجانب الآخر تؤكد مصر حق الدول غير النووية – غير القابل للتصرف- فى الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وفى هذا السياق تخطو مصر نحو بناء أولى محطاتها النووية لتوليد الطاقة الكهربائية، ولتلبية احتياجات التنمية المتزايدة. السيد الرئيس.. لا يفوتنى أن أؤكد على موقف مصر الثابت من نصرة الشعب الفلسطينى ودعم جهود استعادته لحقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف، وأهمها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، وفى تقديرنا فإن أكبر تحدٍ يواجه القضية الفلسطينية هو توجه البعض لترسيخ الأمر الواقع باستمرار الاحتلال وتزايد وتيرة الاستيطان، ولذا نجدد النداء بضرورة اضطلاع المجتمع الدولى بمسئولياته من دون تراخٍ أو تباطؤ. ونُحيى موقف حركة عدم الانحياز الثابت إزاء دعم الحقوق الفلسطينية ونبذ ممارسات الاحتلال الإسرائيلي. وفيما يتعلق بالوضع فى ليبيا، نؤكد تضامننا مع الشعب الليبى فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخه، ونجدد دعمنا لاتفاق الصخيرات، الذى نتج عنه تشكيل حكومة الوفاق الوطني، ونأمل فى توافق مجلس النواب الليبى على تشكيل حكومة الوفاق الوطنى، لتعزيز قدرتها على الاضطلاع بمسئولياتها لاستعادة الأمن والاستقرار فى البلاد، ومواجهة التنظيمات الإرهابية، لاسيما إزاء التدفق المتزايد للمقاتلين الأجانب وتأثيره الخطير على دول الجوار ومن بينها مصر. ونحيي الدور المهم الذى يقوم به الجيش الوطنى الليبى فى هذا الخصوص، كأى جيش وطنى يضطلع بواجباته فى حماية الدولة وأمنها ومقدرات مواطنيها. واتصالًا بنزيف الدماء فى سورية، تعمل مصر على إنهاء ذلك الصراع الدموى المؤسف وتدعو مصر للالتزام بالوقف الفورى والشامل لإطلاق النار، بما ييسر إيجاد حل سلمى للأزمة وتحقيق ما يصبو إليه الشعب السورى من تغيير ديمقراطى يقوده السوريون، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة السورية وسلامتها الإقليمية إزاء تفشى وحشية الجماعات الإرهابية المتطرفة، والتزايد غير المقبول فى التدخلات الخارجية، واستمرار تفاقم الوضع الإنسانى مما أدى لنزوح ولجوء ملايين المواطنين السوريين إلى الخارج بحثًا عن حياة آمنة، والذين تستضيف مصر مئات الآلاف منهم، أشقاءً كرامًا يتمتعون بالمزايا ذاتها للمصريين فى الرعاية الصحية والتعليم تخفيفًا لمعاناتهم. السادة الحضور.. لا يفوتنى فى الختام أن أشير إلى الرصيد الثقافى والحضارى لمصر، حيث ظلت منذ فجر التاريخ منبعًا لقيم الحضارة والتعايش والفكر الإنسانى، واستحضر فى هذا السياق العلاقة الوطيدة التى تربط مصر بمنظمة اليونسكو منذ إنشائها فى عام 1945، وفى ظل التفاهم بأن يكون المدير العام المقبل من المجموعة العربية باعتبارها الوحيدة التى لم تنل شرف رئاسة تلك المنظمة العريقة، إعمالًا للتناوب الجغرافي، فقد ارتأت مصر أن لديها من الإسهامات ومن الكوادر المميزة ما مكنها من الدفع بمرشح مميز لمنصب المدير العام لليونسكو، هى السيدة مشيرة خطاب وزيرة الأسرة والسكان السابقة، لتقدم للعالم نموذجًا تثق فى قدرته على إدارة المنظمة وتطوير أعمالها بما يستجيب لآمال دول الحركة حال توليها المنصب. السيد الرئيس.. السيدات والسادة رؤساء الوفود.. تلك هى رؤانا للقضايا الدولية والإقليمية المنظورة أمام القمة.. ونتمنى لكم مجددًا التوفيق فى رئاسة الحركة فى هذه الحقبة المهمة ونحن نحتفل بالذكرى الخامسة والخمسين لتأسيسها".