الأوراق المطلوبة للتقديم في معاهد معاوني الأمن 2024    بالصور.. محاضرة عن مبادئ الإسعافات الأولية للعاملين بمتحف شرم الشيخ    تعرف على سعر الذهب المعلن بموقع البورصة المصرية اليوم الأحد 12 مايو    حرب غزة، القسام تستهدف دبابات ميركافا الإسرائيلية شرق مدينة جباليا    تامر مصطفى ممنوع من التدريب في الدوري المصري هذا الموسم (مستند)    نهائي الكونفدرالية، 2 مليون دولار تنتظر الزمالك حال التتويج باللقب    تأهل 4 لاعبين مصريين للجولة الثالثة من بطولة CIB العالم للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    مصرع عناصر بؤرة إجرامية عقب تبادل إطلاق النار مع الأمن بأسيوط    بالصور.. نجاة 14 راكبًا من الموت بعد سقوط "ميكروباص" في ترعة ببني سويف    المخرجة منال الصيفي تكشف حقيقة عودة حنان ترك للساحة الفنية    15 عرضا مسرحيا في مهرجان إيزيس لمسرح المرأة.. تونس ضيف الشرف    بعد تسببه في تسمم جماعي، المايونيز يثير الرعب والأطباء يحذرون من تناوله    مجاني وبدون تقطيع.. مباراة مانشستر يونايتد ضد أرسنال بث مباشر | الدوري الإنجليزي 2024    حُسم الأمر.. وكيل ليفاندوفسكي يعلن مصيره النهائي    الدفاع الروسية: إسقاط 6 مروحيات و36 مسيرة للقوات الأوكرانية وتحرير 4 بلدات بخاركوف    شكري: توافق دولي حول عدم توسيع رقعة الأعمال العسكرية في رفح الفلسطينية    «ثقافة النواب» توافق على موازنة «الأعلى للإعلام».. وجدل حول بدل التدريب للصحفيين    متحدث باسم الخارجية الأمريكية لمصراوي: نبحث تعليق إرسال شحنات أسلحة جديدة إلى إسرائيل    قصور الثقافة تقدم 20 عرضا مجانيا في موسم المسرحي بالزقازيق وكفر الشيخ    رئيسة الأوبرا تصدر قرارا بتكليف خالد داغر مديرا لمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية ال32    المفتي يحذر الحجاج: «لا تنشغلوا بالتصوير والبث المباشر»    مصر تعلن اعتزامها التدخل دعما لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية    الصحة: الجلطات عرض نادر للقاح أسترازينيكا    لحماية صحتك.. احذر تناول البطاطس الخضراء وذات البراعم    محافظ قنا يشدد على تطبيق المواصفات الفنية والقياسية بأعمال الرصف    روبوت للدفاع المدنى.. مشروع لطلاب جامعة أسيوط التكنولوجية    تحصين 586 ألف رأس ماشية ضد الحمى القلاعية والوادي المتصدع بالشرقية    إعلان خلو مقعد الراحل عبد الخالق عياد من الشيوخ وإخطار الوطنية للانتخابات    مواعيد امتحانات كليات جامعة حلوان الفصل الثاني 2024    مصرع شاب أسفل عجلات القطار بالمحلة الكبرى    إصابة سائق على يد 3 متهمين خلال مشاجرة بينهم بسبب خلافات سابقة    ضبط دقيق مدعم وكراتين سجائر قبل بيعها بالسوق السوداء في المنيا    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل سائق توك توك وسرقته في الفيوم لعدم حضور الشهود    جامعة الأقصر تخطط لإنشاء مستشفى وكليتي هندسة وطب أسنان    نقيب الأطباء البيطريين يناقش الأمور المالية والإدارية مع رؤساء الفرعيات    تعرف على أماكن اختبارات الطلاب المتقدمين لمعهد معاوني الأمن لعام 2024    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات بأفغانستان إلى 315 شخصًا    رئيس اليونان تزور المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية (صور)    المشاهد الأولى لنزوح جماعي من مخيم جباليا شمال غزة هربا من الاجتياح الإسرائيلي    مجلس الشيوخ يقف دقيقة حدادًا على النائب الراحل عبد الخالق عياد    بعد توجيهات الرئيس بتجديدها.. نقيب الأشراف: مساجد آل البيت أصبحت أكثر جذبا للزائرين    مظاهرات الجامعات توقظ ضمير العالم    هشام آمنة: 256 مليون جنيه لتطوير منظومة إدارة المخلفات بالمنوفية    بطاقة 600 طن يوميًا.. إنشاء مصنع لتدوير المخلفات الصلبة فى الدقهلية    8 نصائح لتقليل خطر الإصابة بسرطان المبيض    بايرن ميونخ يستهدف التعاقد مع مدرب "مفاجأة"    قبل انطلاق الامتحانات.. رابط الحصول علي أرقام جلوس الدبلومات الفنية 2024    حريق يلتهم سيارة داخل محطة وقود في أسوان    إيرادات مفاجئة لأحدث أفلام هنا الزاهد وهشام ماجد في السينما (بالتفاصيل والأرقام)    أسيوط: إزالة 8 تعديات على أراضي زراعية ومخالفات بناء بمراكز أسيوط وصدفا وحي شرق    مدبولي: نراقب الدين العام ووضعنا قيودا على النفقات الحكومية    الإفتاء: توضح حكم سرقة التيار الكهربائي    حازم إمام: لا تذبحوا شيكابالا.. وغيابه عن نهضة بركان مؤثر علي الزمالك    إسلام بحيري يرد على سبب تسميه مركز "تكوين الفكر العربي" ومطالب إغلاقه    الرئيس السيسى من مسجد السيدة زينب: ربنا أكرم مصر بأن تكون الأمان لآل بيت النبى    الصحة: تطوير وتحديث طرق اكتشاف الربو وعلاجه    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    جلسة مرتقبة بين حسين لبيب ولاعبي الزمالك قبل مواجهة نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التفاعل الثقافي جسر حميم للعلاقات "المصرية- الهندية"
نشر في الوفد يوم 03 - 09 - 2016

يشكل التفاعل الثقافي جسرًا حميمًا للعلاقات التاريخية والودية بين مصر والهند وبين شعبين من صانعي أعرق الحضارات الانسانية وهو ماتجلى بوضوح في الزيارة المهمة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي للهند.
وقد عبر الرئيس عبد الفتاح السيسي عن هذه الحقيقة بقوله في مؤتمر صحفي مشترك أمس "الجمعة" مع رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي :"طلبت من الحكومة تعزيز التعاون الثقافي على المستويين الحكومي والشعبي والبناء على علاقات الود والصداقة التي تربط الشعبين بما يعزز من فرص التعاون المشترك في مجالات الابداع الفني وتعزيز حركة السياحة وخطوط الطيران بين البلدين الى جانب مواصلة العمل على تعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي".
بدوره ، نوه ناريندرا مودي بأن "مصر والهند كحضارتين تملكان تراثا ثقافيا ثريا" مضيفا في المؤتمر الصحفي المشترك بقصر حيدر اباد :"ولذلك قررنا تعزيز التواصل الثقافي بين الشعبين" فيما لفت سفير الهند في القاهرة سانجاي باتاتشريا لحقيقة مهمة ودالة تتمثل في زيادة السياح القادمين من بلاده لمصر بنسبة 27 في المائة خلال العام الحالي.
واذ اعاد رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي للأذهان ان "مصر دافعت دوما عن قضايا الدول النامية" تجذب التجربة الهندية في المجال المعرفي اهتمام مثقفين مصريين وعرب ولم يخف بعضهم تقديره واعجابه "بأمة من الكادحين قررت ان تواجه واقعها الشديد التعقيد بالعلم" وجعلت "الابتكار حقا وواجبا.
وفيما ينص الدستور الهندي على ضرورة ان يشارك كل مواطن في تنمية الفكر " فان النهضة الهندية قامت على اربعة مقومات اساسية: "جعل العلم قيمة اساسية في منظومة القيم الثقافية الهندية" و"الارادة السياسية وجعل الانجاز في مجال العلوم احد معايير النجاح السياسي وهدفا من اهداف التنمية الوطنية و"الالتزام بالمعدلات العالمية الخاصة بالنسب المطلوبة للاستثمار في مجال البحث العلمي" و"الادراك بضرورة ربط التقدم العلمي بالواقع الاجتماعي ومحاولة مواجهة مشاكله وتطويره وفق العلم".
والتجربة الهندية تدل على منظومة تتكون من عناصر عدة متشابكة: المساواة في اتاحة فرصة التعليم للجميع واعادة النظر في مناهج التعليم لتكون مواكبة لجديد العصر واعتبار التعليم عملية تكوين ذهني بالأساس تسلح بأساسيات التفكير المنطقي المركب وفتح المراكز الأولمبية التعليمية لممارسة "الألعاب الذهنية" على نطاق واسع في ظل تنافسية ابتكارية بديعة.
واذ يستعيد البعض في عالم الجنوب مقولة الزعيمة الهندية الراحلة انديرا غاندي :"اننا نفضل الجوع ولانبيع شرفنا الوطني" تؤكد طروحات في الصحافة الغربية على ان الهند بالفعل اصبحت قوة مؤثرة بشدة في اوجه الحياة بالقارة الأسيوية ومن ثم في العالم.
ورأى الكاتب والمعلق البريطاني ايان جاك ان ثمة حاجة لأن تبدي بريطانيا اهتماما اكبر بالهند لأنها "دولة حافلة بالفرص" منوها بالتجربة الرائدة لهذا البلد في الديمقراطية البرلمانية وحرية وسائل الاعلام.
وفى كتابه "من تحت الأنقاض لأمبراطورية: الثورة على الغرب واعادة بناء آسيا"-تطرق الكاتب والقاص الهندى بانكاج ميشرا المعنى بجدل الأفكار بين الغرب والشرق الأسيوى وانعكاسات العولمة لاستجابة المثقفين العرب والفرس والهنود والصينيين واليابانيين حيال علو المد الاستعمارى الغربى ودعواتهم في سياق الفكر المقاوم للهيمنة الأوروبية وشعورهم بالمهانة ازاء الخلل الفادح في توازن القوى عالميا لبناء التضامن والتقارب مع الكتلة الأسيوية .
ولإن كانت الهند تعد من ابرز نماذج الدول ذات الاقتصاديات البازغة والصاعدة وامست ثاني اكبر دولة تقصدها الصادرات المصرية فانها ترتبط بعلاقات تاريخية وثيقة مع مصر كما ان هناك وشائج للتفاعل الثقافي بين البلدين الصديقين فيما يشكل المهرجان الثقافي الهندي الذي يقام كل عام بمصر تحت شعار: "الهند على ضفاف النيل" نموذجا للتعاون الثقافي بين الأمم الصديقة.
وهذا المهرجان بات "اكبر مهرجان اجنبي في مصر" وهناك عناصر كثيرة في المهرجان خلال السنوات الأخيرة بعضها اثبت شعبيته الكبيرة بين المصريين ومثلا هناك كثير من التطور في الموسيقى والمطبخ والأزياء والسينما كما يقول السفير الهندي بالقاهرة سانجاي باتاتشريا مضيفا :" وسنحاول ان نقدم للجمهور المصري بعض هذه التطورات كما سنركز على الشباب بشكل خاص وهم الذين يشكلون مستقبل العلاقات بين البلدين لذا نحب ان نأخذ المهرجان الى الجامعات".
وهكذا تحول المهرجان الثقافي الهندي الذي يقام في شهر ابريل واستمر في دورته الأخيرة حتى نهاية الأسبوع الأول من شهر مايو الى حوار حميم بين ثقافتين من اعرق ثقافات العالم فيما تقدم الهند تقدم نموذجا لافتا للتنمية والنمو والديمقراطية والتوظيف الايجابي للتنوع الثقافي.
ولعل ثمة حاجة على مستوى وزارة الثقافة المصرية وخاصة قطاع العلاقات الثقافية الخارجية لدراسة اسباب النجاح الكبير لهذا المهرجان الثقافي الهندي الذي يحظى باقبال شعبي مصري واضح على فعالياته المتنوعة مابين افلام واستعراضات غنائية ومعارض انتشرت على رقعة كبيرة في مصر وخرجت من عاصمتها القاهرة لمدن مثل الأسكندرية وبور سعيد والاسماعيلية وشرم الشيخ وبني سويف.
وفي دورته الأخيرة ، تضمن المهرجان الذي اقيم للعام الرابع على التوالي "دورات لليوجا ورقصات بوليوود" فضلا عن الوان واطباق من المطبخ الهندي وعروض للحرف اليدوية ليحق للسفير سانجاي باتاتشريا القول بأن المهرجان "يؤكد حقيقة ان العلاقات السياسية والاقتصادية بين الهند ومصر في ازهى عصورها".
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد اكد في مؤتمره الصحفي المشترك مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي امس "الجمعة" ان مصر تتطلع لتعاون وثيق مع الهند في مختلف المجالات . معربا عن سعادته بزيارة هذا البلد الصديق فيما شدد سفير الهند بالقاهرة في تصريحات صحفية على ان الزيارة التي يقوم بها الرئيس السيسي لبلاده تعد ترجمة للعلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين.
ويشكل الفن جسرا حميما للعلاقات الودية بين المصريين والهنود فيما كان الفنان الهندي الكبير اميتاب باتشان والبالغ من العمر 72 عاما قد حظى في زيارته لمصر لافتتاح المهرجان الثقافي الهندي في دورته لعام 2015 باهتمام مستحق سواء على مستوى رجل الشارع المصري او الكتاب والنخب الثقافية والصحافة ووسائل الاعلام التي راحت تتحدث عن اميتاب باتشان وافلامه مثل "مارد" و"الشعلة" و"الجبابرة" و"كولي".
ومن هنا كان من الدال ان يقول سفير الهند السابق في القاهرة نافديب سوري ان النجم الكبير اميتاب باتشان اختير لافتتاح هذا المهرجان "لمعرفتنا بمدى ارتباط المصريين بهذا النجم العالمي من خلال افلامه المميزة"..فيما منحته اكاديمية الفنون في مصر الدكتوراه الفخرية تقديرا لمسيرته الحافلة في "الفن السابع".
وبات النجم الهندي اميتاب باتشان يشكل "ظاهرة في الذائقة الثقافية والفنية للمصريين" منذ زيارته الشهيرة لمصر في مطلع تسعينيات القرن الماضي والتي حظى فيها "باستقبال اسطوري" من جموع محبيه وعشاق فنه في مصر المحروسة وتوالت الطروحات في الصحافة المصرية مع زيارته الجديدة لمصر وسط اجتهادات تسعى لاستخلاص جوهر تجربته ومغزى حب المصريين لهذا الفنان الذي احترم فنه حتى تحول الى "اسطورة بوليوود".
وغالبا مايستعيد عشاق باتشان في مصر افلامه الحافلة بالأغاني والرقصات والأزياء المبهرة والمناظر الطبيعية الخلابة وبعضهم يقبل بحماس على شراء واقتناء صور "وبوسترات هذا البطل الأسطوري في السينما الهندية".
ومن نافلة القول ان "ظاهرة اميتاب باتشان المصرية" حافلة بالدلالات الثقافية والمعبرة عن اهمية الدور الثقافي للسينما بقدر ما هي دالة على انفتاح الشخصية المصرية على كل الثقافات وقابليتها لاستيعاب كل الوان الطيف الثقافي-الفني العالمي بقدر مابدا باتشان عبر مقابلاته الاعلامية مدركا لأهمية البعد الثقافي في العلاقات بين بلاده ومصر.
وكان السفير سانجاي باتاتشريا قد اكد على اهمية الدور الذي ينهض به المركز الثقافي الهندي في القاهرة وتنظيمه لفعاليات ثقافية مثل "يوم الهند" في محافظات وجامعات مصرية عديدة معيدا للأذهان ان الهند كانت "ضيف شرف" المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية الذي نظمته مصر هذا العام.
وكما لاحظ البعض ومن بينهم السفير الهندي السابق في القاهرة نافديب سوري فثمة تشابه كبير بين الشعبين المصري والهندي مع تقارب في مستويات المعيشة وتماثل في الضغوط اليومية الى جانب مخزون ثقافي هائل وركام ضخم من التقاليد الموروثة والقيم العتيقة.
وقال سوري ان التشابه كبير بين الشعبين الهندي والمصري سواء في الشوارع والبيئة والحياة الاجتماعية والتمسك بالروابط الأسرية والعادات والتقاليد بينما يقول السفير الهندي الحالي بالقاهرة سانجاي باتاتشريا ان الاتصالات والعلاقات المتميزة بين مصر والهند متواصلة منذ عقود طويلة سواء قبل استقلال الهند او بعدها.
ولعل التجربة الهندية التي باتت علامة دالة على التنمية والنمو لها اهميتها في سياق استلهام الدروس المفيدة لمصر في وقت يحتدم فيه الجدل حول قضايا مثل اهمية وجود مشروع وطني ودعم مصادر قوة الدولة الصلبة والناعمة والتوظيف الايجابي لطاقات الشباب والاستفادة من العقول المصرية في الخارج .
وهذه التجربة تثبت امكانية قيام نظام ديمقراطي وتحقيق النمو السياسي على اساس التعدد الحزبي رغم وجود اشكاليات هائلة وتحديات كبيرة في الواقع الهندي وكذلك سبل تحقيق التوافق الوطني حول اهداف الأمة وغاياتها والتلاحم المجتمعي في مواجهة المخاطر التي تهدد الحاضر والمستقبل.
كما ان الهند التي يصل عدد سكانها الى مليار ومائتي مليون نسمة تشهد تجربتها على اهمية دور اجهزة الخدمة المدنية في بناء الدولة الحديثة وتنظيم تفاعلات العلاقات داخل المجتمع المتعدد الأعراق والأديان بما يحفظ التكامل الوطني واعلاء ثقافة الحوار .
والهند التي تصل مساحتها الى ثلاثة وربع مليون كيلو متر مربع وتعد سابع دولة في العالم من حيث المساحة تتوزع على 29 ولاية ويتجاوز عدد اللغات المحلية المتداولة بها ال15 لغة فضلا عن الانجليزية ورغم تنوعها الهائل وتحديات الفقر والأمية فقد نجحت في الحفاظ على وحدتها كدولة عملاقة فضلا عن تماسكها المجتمعي مع الاحتفاظ بنموذج مضييء للديمقراطية منذ تدشينها كدولة مستقلة عام 1947.
ولعل كل هذه الملامح بحاجة للتأمل العميق والاستفادة من دروسها الايجابية في سياق التفاعل بين الثقافتين المصرية والهندية سواء داخل الاطر الرسمية او خارجها فيما باتت المشاركة وتداول السلطة سمة محورية للثقافة الديمقراطية في بلد يتجاوز عدد الناخبين فيه ال800 مليون ناخب.
ومن الوجوه الثقافية المصرية التي تبدي اهتماما بالتجربة الهندية الدالة على امكانية نجاح الديمقراطية في دولة نامية الكاتب والباحث سمير مرقس الذي يلفت الى مبدأ ورد في الدستور الهندي ينص على ضرورة ان يشارك كل مواطن في تنمية الفكر العلمي فيما لايخفي تقديره واعجابه "بأمة من الكادحين قررت ان تواجه واقعها الشديد التعقيد بالعلم" وجعلت "الابتكار حقا وواجبا".
واوضح مرقس ان النهضة الهندية قامت على اربعة مقومات اساسية: "جعل العلم قيمة اساسية في منظومة القيم الثقافية الهندية" و"الارادة السياسية وجعل الانجاز في مجال العلوم احد معايير النجاح السياسي وهدفا من اهداف التنمية الوطنية و"الالتزام بالمعدلات العالمية الخاصة بالنسب المطلوبة للاستثمار في مجال البحث العلمي" و"الادراك بضرورة ربط التقدم العلمي بالواقع الاجتماعي ومحاولة مواجهة مشاكله وتطويره وفق العلم".
ويرصد سمير مرقس ضمن مايصفه "بالمشهد السوسيولوجي" سلوكيات مجموعة من الشباب الهندي كان قد رآهم منذ نحو عقد بمطار روما مشيرا الى انهم يجلسون في هدوء حيث انكب كل واحد منهم على "تشغيل اللاب توب" الخاص به حتى موعد قيام الطائرة وعندما حان موعد اقلاعها توجهوا اليها في نظام مثير للاعجاب.
وفي تفسير لهذا المشهد الذي بقى في ذاكرة سمير مرقس ليستدعيه من حين لحين يضيف انه بعد عشر سنوات وجد الاجابة في كتاب عنوانه :"أمة من العباقرة: كيف تفرض العلوم الهندية هيمنتها على العالم" لأنجيلا سايني.
والاجابة عن السلوك المثير للاعجاب للشباب الهندي كما يقدمها مرقس في ضوء هذا الكتاب تتمثل في "الألعاب الذهنية"اي الألعاب التي تجمع مابين العين واليد والذهن مثل البلياردو والشطرنج الى جانب الاهتمام بالمسابقات الذهنية في مجالات الفيزياء الكيمياء والاحياء والرياضيات والفلك . مشيرا الى ان "قاعات الألعاب الذهنية مليئة بالمئات من الشباب الذين يلعبون في صمت".
ويسجل الكتاب ان هذه البطولات في العلوم تحظى باقبال جماهيري فيما لايقف هدفها عند معرفة الجواب الصحيح وانما الابداع في صياغة اجابات بطريقة غير نمطية وربما نقد ماهو متعارف عليه "ضمن منظومة تعليمية تفرز الملايين من خيرة طلاب العلم على مستوى العالم كل عام".
وكما يقول سمير مرقس فان هذه التجربة تدل على منظومة تتكون من عناصر عدة متشابكة: المساواة في اتاحة فرصة التعليم للجميع واعادة النظر في مناهج التعليم لتكون مواكبة لجديد العصر واعتبار التعليم عملية تكوين ذهني بالأساس تسلح بأساسيات التفكير المنطقي المركب وفتح المراكز الأولمبية التعليمية لممارسة "الألعاب الذهنية" على نطاق واسع في ظل تنافسية ابتكارية بديعة.
ومع ذلك فالمثير للتأمل في المشهد الهندي اثناء الانتخابات العامة ان هناك اعترافا بوجود فساد واهتماما بضرورة مكافحة الفساد بما يعني عدم انكار الواقع او الاستسلام لمقولات براقة وحتى حقائق ايجابية مثل صعود هذه الدولة لمرتبة القوة الاقتصادية الثالثة في آسيا وتحولها لواحدة من اهم القوى الاقتصادية الصاعدة في العالم.
فالثقافة السياسية الهندية حافلة بدروس مفيدة بالفعل على صعيد التواصل بين الأجيال واستيعاب الظواهر السياسية-الاجتماعية الجديدة وتطوير فكر الدولة وتقاليدها وتجديد خلاياها في ظل تطورات العولمة المتسارعة فضلا عن القدرة المشهودة في مواجهة المشكلات الانقسامية الخطيرة والمهددة للاندماج الوطني والهوية العامة والجامعة لكل المواطنين.
والديمقراطية كما نجحت الهند في تطبيقها كانت كفيلة بانقاذ هذا البلد العملاق من الوقوع في هوة "الركود التاريخي" واعادة انتاج الماضي وافراز الجمود والملل في ظل شخصيات تمسك بزمام الحكم لعقود متوالية وانماط تفكير لاتتغير وليس بمقدورها الاستجابة لاستحقاقات الحداثة او العيش في الزمن الفعلي للحداثة بما يعنيه هذا الزمن من حيوية وايقاع سريع وقابلية للتغيير المستمر نحو الأفضل مع عدم التفريط في الأصالة الثقافية.
ولإن لفت سفير الهند بالقاهرة سانجاي باتاتشريا الى ان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ورئيس وزراء الهند الراحل جواهر لال نهرو "لعبا دورا متميزا في تعزيز التعاون بين دول العالم النامي" فمنذ سنوات طويلة جذبت الهند بالفعل مثقفين مصريين من اصحاب القامات العالية مثل محمد عودة وكامل زهيري الذي قال ان اول منظر بهره حين زار الهند هو سماء هذا البلد موضحا ان سماء الهند تختلف عن كل السموات التي شاهدها سواء في مصر والعالم العربي او في اوروبا.
فالسماء الهندية على حد قول الكاتب الصحفي الراحل كامل زهيري "ارتفاعها شاهق بشكل ملحوظ وقبتها اوسع واعرض واعلى من كل القباب وافقها ابعد من كل الآفاق" ولعل سر هذه السماء المتميزة في الهند-كما يضيف كامل زهيري- ان الحرارة شديدة دائما وتتحول احيانا الى لون باهق البياض يبهر النظر ال حد الألم وان السحاب يرتفع ارتفاعا شاهقا عن الأرض الى حد يذوب فيه السحاب في جوف السماء ومع هذا الاتساع والارتفاع يحس اي انسان برعشة من الضآلة وانه صغير القامة مهما كان طويلا مديد القوام!.
وتساءل زهيري الذي كان من اعلام الصحافة الثقافية المصرية :"لست ادري هل سر هذا الميل الى الفناء وسر ذلك الزهد المستحب عند اهل الهند هو ذلك الاحساس بالضآلة امام سماء الهند"؟! مشيرا الى انه عندما زار هذا البلد الفسيح كان غاندي قد مات وتولى من بعده جواهر لال نهرو قيادة حزب المؤتمر والحكومة فيما وجد في كلمة "الزهد" اول خيط لتفسير شخصية نهرو واجواء الهند.
فجواهر لال نهرو كان يحمل لقب "بانديت" وهو من طائفة "البراهما" ارقى الطوائف الهندوسية غير ان شيئا ما حدث في حياة هذا الشاب الرقيق الملامح بدل حياته تماما..فقد ذهب الى انجلترا ودرس في جامعة كمبريدج وتعرف على كتابات برنارد شو ونيتشة وكان يمكن ان يعود للهند "انجليزيا اكثر منه هنديا" لكنه عندما عاد لبلاده بعد الحرب العالمية الأولى شاهد ما غير حياته.
تيقظت عين نهرو الحساسة على عشرات الفلاحين الذين يشكون آلامهم فيما وصف تلك اللحظات التي تنبه فيها لواقع الهند وحياة فلاحيها الفقراء بقوله:"نظرت اليهم والى بؤسهم والى عرفانهم الشديد فأحسست بالخجل من حياتي السهلة المريحة ومن هذه السفسطة السياسية وامتلأت الما على هذا الحرمان والبؤس وانتهاك الكرامة".
وفي سياق رصد الكاتب المصري الراحل كامل زهيري للتحولات في حياة نهرو يؤكد على وجود خلافات فكرية متعددة بينه وبين غاندي الذي كان تفكيره يقف عند حدود المعركة الوطنية وكان يمثل المرحلة التي سماها نهرو "مرحلة بناء الجسور" بين الطوائف والديانات والاقاليم المختلفة المتنازعة على الدوام.
لكن نهرو الذي تشرب الأفكار الاشتراكية من خلال احتكاكه بالثقافة الأوروبية كان يختلف في النظرة البعيدة عن غاندي واعتبر ان الاستقلال السياسي ليس هدفا نهائيا للكفاح الوطني كما ان القومية ليست نهاية في حد ذاتها .
وقد ادرك غاندي ذاته هذا الاختلاف بينهما فقال ان "نهرو يسبق عصره وهذا ماأخشاه عليه ولكنني احس في نفس الوقت انه عاقل يستطيع ان يوازن بين الأمور" فيما كان نهرو على مستوى آمال المهاتما غاندي في مواجهة صعوبات شديدة من جهاز الدولة الذي ورثه من الاستعمار فضلا عن الخلافات الطائفية والقبلية.
ومن هنا حاول نهرو في سنوات حكمه ان يكون فوق حزب المؤتمر الذي ينتمي له وتشبث بالنظام الديمقراطي الليبرالي رغم انه اشتراكي وانتهج اسلوب التحول البطيء الذي يتطلب كثيرا من الصبر مستعينا بموهبته المتوازنة ليكون صاحب الفضل في بناء دعائم الديمقراطية الحقة في بلاده.
وواقع الحال ان نهرو لم يخاصم الثقافة الغربية المتقدمة بل سعى للاستفادة من الانجازات البريطانية مثلا في الصناعة والعلوم والجامعات حتى اضحت بعض الجامعات الهندية تنافس جامعات بريطانيا لتتحدى الهند النظرة الاستشراقية الغربية التي كانت تنظر لهذا البلد العملاق الواقع جنوب اسيا "ككوكب غرائبي يقطر البخور والتوابل".
كما اقتدت الصحافة الهندية بصحافة فليت ستريت ولاتزال هذه الصحافة تتطور مثل باقي الصحافة الكبرى في العالم مع انها نشأت في فقر وعوز ومحيط شديد البؤس كما لاحظ الكاتب اللبناني سمير عطاالله فيما ينوه بالنظام الديمقراطي في الهند التي كانت ذات يوم "مجمع الفقر العالمي" وذلك في سياق تناول هذا الكاتب العربي "لاشكالية الديمقراطية والخبز".
فالهند تشكل اكبر ديمقراطية في العالم وهي تقدم نموذجا ايجابيا ومضادا للتسلط الاستبدادي بقدر ماتعبر عن نجاح في استيعاب ثقافة ومعنى ومنطق الدولة الحديثة بتعقيداتها وعلاقاتها المتشابكة وسيادة القانون ولايقل اهمية عن ذلك كله انها تقدم اجابات لاشكاليات التنمية في واقع مجتمعي حافل بالمشاكل والتحديات .
وعلى الرغم من علل واشكاليات متعددة في الواقع الهندي فان هذه الدولة التي تجاوز عدد سكانها المليار نسمة تمكنت من ارتياد الفضاء ناهيك عن صنع السلاح النووي واضحت ضمن الدول الصناعية العشر الكبرى في العالم بينما يصل مستوى الادخار الوطني فيها الى نحو 40 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي.
ولعل النجاح الهندي في مجال برامج الكمبيوتر والحوسبة جدير بنظرة ثقافية مصرية متعمقة في زمن ثورة الاتصالات والاقتصاد المعرفي وتأثير هذه المتغيرات على القيم ..ان ارض الكنانة ستبقى وفية لروابطها التاريخية وعلاقاتها الحميمة مع الهند الصديقة فيما تشب من اضلاعها نسائم سنديان وعطرمحبة .
في الجذر الثقافي العميق وبشفافية الحب على قسمات البشر واقوال الحكماء في الشرق الحضاري جاءت الزيارة المهمة للرئيس عبد الفتاح السيسي للهند لتتجدد وتتسع جسور حميمة بين المصريين والهنود وتنمو المزيد من المعاني الجديدة والنبيلة تحت اقواس صداقة راسخة ووعود مستقبل جدير بصانعي الحضارات العظيمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.