"الوطنية للإعلام" تنعي الإعلامية ميرفت سلامة    جامعة القاهرة تتصدر الجامعات المصرية في تصنيف التايمز للتخصصات البينية 2026    محافظ الشرقية: المرأة شريك أساسي في بناء الوطن وحماية المجتمع    السلع الغذائية والخدمات.. البنك المركزي يوضح أسباب ارتفاع معدلات التضخم في أكتوبر    مدبولي يلتقي رئيسة وزراء اليابان على هامش مشاركته في قمة مجموعة العشرين    ترامب يستعرض قوته وتايلور جرين تظهر ضعفه.. خلاف يفجر أزمة فى الحزب الجمهورى    وزير الخارجية يبحث مع نظيره القطري تطورات الأوضاع في غزة والسودان ولبنان    صحة غزة: 106 شهداء وجرحى بالقطاع خلال 24 ساعة    حاكم موسكو: اندلاع حريق في محطة كهرباء تغذي العاصمة جراء هجوم بطائرات مسيرة أوكرانية    قرارات هامة لمجلس إدارة الاتحاد المصري لكرة القدم    «المنوفية» تحصد 12 ميدالية في «بارلمبياد الجامعات المصرية»    تموين المنيا: تحرير 240 مخالفة وضبط كميات من السلع مجهولة المصدر    عصابة التوك توك.. 4 متهمين يحاولون سرقة دراجة نارية بشبرا الخيمة    مصرع سائق توك توك بطلق ناري على يد عاطل بعد تدخله لفض مشاجرة في شبرا الخيمة    تعليم قنا : تطبيق التقييمات الأسبوعية وتسجيل الغياب الفعلي للطلاب    في تسجيل صوتي.. شيرين تنفي شائعة اعتزالها: سأواصل الغناء حتى الموت    المصل واللقاح: نمر بذروة انتشار الفيروسات التنفسية وعلينا تجنب العدوى    الزمالك: إجراءات سحب أرض فرع أكتوبر خاطئة    انطلاق الدورة الثالثة للملتقى السنوي لمراكز الفكر العربية حول الذكاء الاصطناعي وصنع القرار    ورشة عمل عملاقة.. أكثر من 200 منشأة قيد التنفيذ لدعم مشروع الضبعة النووي    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ورئيس الوزراء ووزير خارجية قطر    موعد انطلاق المرحلة الثانية من امتحان شهر نوفمبر لصفوف النقل    إذاعة الجيش الإسرائيلي: معلومات حساسة مكنت «الفصائل» من تنفيذ هجوم 7 أكتوبر    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في احتفال دار الإفتاء بمرور 130 عامًا على تأسيسها    متحف الأكاديمية المصرية بروما يجذب أعدادًا كبيرة من الزوار الأوروبيين    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فانصروا الوطن يرحمكم الله !؟    «التموين» تنتهي من صرف مقررات نوفمبر بنسبة 94%    كلية التمريض بجامعة القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "السكري والصحة | غدًا    حالة الطقس.. الأرصاد تكشف خرائط الأمطار المتوقعة: رعدية ببعض المناطق    قرار هام من المحكمة في واقعة التعدي على أطفال داخل مدرسة خاصة بالسلام    كيف ترخص السيارة بديلة التوك توك؟.. الجيزة توضح الإجراءات والدعم المتاح    مواجهات مثيرة.. مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة    جوزيه جوميز: كنا نستحق نقطة واحدة على الأقل أمام الهلال    إطلاق قافلة زاد العزة ال78 إلى غزة بحمولة 220 ألف سلة غذائية و104 ألف قطعة ملابس    مصطفى كامل: محدش عالج الموسيقيين من جيبه والنقابة كانت منهوبة    أسامة الأزهري: الإفتاء تستند لتاريخ عريق ممتد من زمن النبوة وتواصل دورها مرجعًا لمصر وسائر الأقطار    11 شرطا للحصول على قرض مشروع «البتلو» من وزارة الزراعة    غرف السياحة: كريم المنباوي ضمن أقوى 50 شخصية مؤثرة بسياحة المؤتمرات عالميا    مصر تستحق صوتك.. انزل شارك في انتخابات مجلس النواب من أجل مستقبل أفضل لبلدنا (فيديو)    "أنا متبرع دائم".. جامعة قناة السويس تنظم حملة التبرع بالدم للعام ال15    أول لقاح لسرطان الرئة فى العالم يدخل مرحلة التجارب السريرية . اعرف التفاصيل    اليوم.. الزمالك يبدأ رحلة استعادة الهيبة الأفريقية أمام زيسكو الزامبى فى الكونفدرالية    موعد مباراة ريال مدريد أمام إلتشي في الدوري الإسباني.. والقنوات الناقلة    كمال أبو رية يكشف حقيقة خلافه مع حمادة هلال.. ويعلق: "السوشيال ميديا بتكبر الموضوع"    هيئة الاستثمار: طرح فرص استثمارية عالمية في مدينة الجلالة والترويج لها ضمن الجولات الخارجية    وزير الرى: تنفيذ خطة تطهيرات للترع والمصارف خلال السدة الشتوية    «هنيدي والفخراني» الأبرز.. نجوم خارج منافسة رمضان 2026    ضايل عنا عرض.. عندما يصبح «الفرح» مقاومة    بدء فعاليات التدريب المشترك «ميدوزا- 14» بجمهورية مصر العربية    وزارة الصحة: معظم حالات البرد والأنفلونزا ناتجة عن عدوى فيروسية    وزير الري: أي سدود إثيوبية جديدة بحوض النيل ستقابل بتصرف مختلف    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم الاحد 23112025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 23-11-2025 في محافظة قنا    أسعار الخضروات اليوم الاحد 23-11-2025 في قنا    إرشادات القيادة الآمنة لتجنب مخاطر الشبورة    جولة نارية في الدوري الإيطالي.. عودة نابولي وتعثر يوفنتوس    مفتي الجمهورية: خدمة الحاج عبادة وتنافسا في الخير    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الهند على ضفاف النيل": حوار حميم بين ثقافتين
نشر في البوابة يوم 12 - 04 - 2014

تحول المهرجان الثقافي الهندي الحالي في مصر: "الهند على ضفاف النيل" إلى حوار حميم بين ثقافتين من أعرق ثقافات العالم فيما تقدم الهند تقدم نموذجا لافتا للتنمية والنمو والديمقراطية على نحو أثار اهتمام العديد من المثقفين المصريين.
وفي وقت كثر فيه الحديث عن استلهام نماذج من هنا أو هناك للتطبيق في مصر يتوجب القول بادئ ذي بدء أن مصر لا تعاني من فراغ ثقافي حتى تستورد نماذج خارجية لتطبيقها بالكامل وإنما المطلوب التفاعل مع كل النماذج في ندية وتكافؤ وعبر التأثير المتبادل مع إمكانية الاستفادة من عناصر القوة في أي تجارب ثقافية-سياسية مثل التجربة الهندية.
وكما لاحظ البعض ومن بينهم السفير الهندي في القاهرة نافديب سوري فثمة تشابه كبير بين الشعبين المصري والهندي مع تقارب في مستويات المعيشة وتماثل في الضغوط اليومية إلى جانب مخزون ثقافي هائل وركام ضخم من التقاليد الموروثة والقيم العتيقة.
وقال سوري إن التشابه كبير بين الشعبين الهندي والمصري سواء في الشوارع والبيئة والحياة الاجتماعية والتمسك بالروابط الأسرية والعادات والتقاليد معيدا للأذهان انه يشغل منصب سفير الهند بالقاهرة منذ عام 2012 بعد مضي 25 عاما على الفترة التي قضاها في مصر لأول مرة.
ومع ذلك فان الهند تحظى بديمقراطية كانت محل اعجاب كثير من المصريين بقدر مايمكن ان تكون مصدر الهام في سياق التحول الديمقراطي المصري بعد الثورة الشعبية.
ولعل التجربة الهندية التي باتت علامة دالة على التنمية و النمو مفيدة في سياق استلهام الدروس المفيدة لمصر في وقت يحتدم فيه الجدل حول قضايا مثل اهمية وجود مشروع وطني ودعم مصادر قوة الدولة الصلبة والناعمة والتوظيف الايجابي لطاقات الشباب والاستفادة من العقول المصرية في الخارج .
وهذه التجربة تثبت امكانية قيام نظام ديمقراطي وتحقيق النمو السياسي على اساس التعدد الحزبي رغم وجود اشكاليات هائلة وتحديات كبيرة في الواقع الهندي وكذلك سبل تحقيق التوافق الوطني حول اهداف الأمة وغاياتها والتلاحم المجتمعي في مواجهة المخاطر التي تهدد الحاضر والمستقبل.
كما أن الهند التي يصل عدد سكانها الى مليار ومائتي مليون نسمة تشهد تجربتها على اهمية دور اجهزة الخدمة المدنية في بناء الدولة الحديثة وتنظيم تفاعلات العلاقات داخل المجتمع المتعدد الأعراق والأديان بما يحفظ التكامل الوطني واعلاء ثقافة الجدارة بدلا من تصفية العناصر الموهوبة والاستبعاد الممنهج للكفاءات الذي ينطوي على خطر تجريف عقل الدولة وغياب الرؤى المبدعة والسياسات الرشيدة والفعالة وشيوع ظاهرة الاغتراب .
ومع ذلك فالمثير للتأمل ان القضية الأكثر اهمية في الانتخابات العامة الحالية في الهند والتي تجري على تسع مراحل وتستمر حتى السادس عشر من شهر مايو المقبل تتمثل في مكافحة الفساد بما يعني عدم انكار الواقع او الاستسلام لمقولات براقة وحتى حقائق ايجابية مثل صعود هذه الدولة لمرتبة القوة الاقتصادية الثالثة في آسيا وتحولها لواحدة من اهم القوى الاقتصادية الصاعدة في العالم.
فالثقافة السياسية الهندية حافلة بدروس مفيدة بالفعل على صعيد التواصل بين الأجيال واستيعاب الظواهر السياسية - الاجتماعية الجديدة وتطوير فكر الدولة وتقاليدها وتجديد خلاياها في ظل تطورات العولمة المتسارعة فضلا عن القدرة المشهودة في مواجهة المشكلات الانقسامية الخطيرة والمهددة للاندماج الوطني والهوية العامة والجامعة لكل المواطنين.
والديمقراطية كما نجحت الهند في تطبيقها كانت كفيلة بانقاذ هذا البلد العملاق من الوقوع في هوة "الركود التاريخي" واعادة انتاج الماضي وافراز الجمود والملل في ظل شخصيات تمسك بزمام الحكم لعقود متوالية وانماط تفكير لاتتغير وليس بمقدورها الاستجابة لاستحقاقات الحداثة او العيش في الزمن الفعلي للحداثة بما يعنيه هذا الزمن من حيوية وايقاع سريع وقابلية للتغيير المستمر نحو الأفضل مع عدم التفريط في الأصالة الثقافية.
وقال سفير الهند بالقاهرة نافديب سوري إن الهدف من إقامة هذا المهرجان هو إعطاء صورة كاملة للشعب المصري عن بلاده ليس فقط من خلال افلام البانوراما او مشاهير النجوم الحاضرين مثل الفنانة الكبيرة شابانا عزمي بل استكشاف الثقافة الهندية من موسيقى وفلكلور وشعر وكاريكاتير وادب وأزياء ومأكولات منوها بأن الأعمال الثقافية تقرب المسافات بين البلدين .
وثمة حاجة لتأمل الجوانب العميقة في الثقافة الهندية التي تتبدى تجلياتها في مهرجان "الهند على ضفاف النيل" الذي يستمر حتى العشرين من شهر ابريل الجاري جنبا الى جنب مع المتعة التي تتيحها فعاليات المهرجان والتفاعل الواضح من جانب الجمهور مع عروض مثل المسرحية الموسيقية "بوليوود قصة حب" التي قدمت على المسرح الكبير بدار الأوبرا.
والمهرجان المقام برعاية وزارتي الثقافة والسياحة بالتعاون مع سفارة الهند بالقاهرة يركز هذا العام على السينما الهندية المعروفة "بسينما بوليوود" والتي تجاوز عمرها ال100 عام لتحمل علامة العراقة مثل السينما المصرية فيما نجحت بوليوود في ان تكون واحدة من اكبر صناعات السينما في العالم بينما تعاني صناعة السينما المصرية من مصاعب جمة.
وكانت الدورة الثانية لأكبر مهرجان ثقافي هندي في مصر قد بدأت يوم الثالث من شهر ابريل الحالي تحت عنوان "الهند على ضفاف النيل" فيما اقيم هذا المهرجان لأول مرة في ربيع العام الماضي وقوبل ايضا باستجابة شعبية مصرية وصفها نافديب سوري بأنها "ممتازة".
وتت وزع عروض المهرجان الهندي الكبير مابين القاهرة والأسكندرية ومحافظات اخرى في مصر فيما يقام معرض خاص "للساري الهندي" بمتحف محمود مختار ، وقدمت مجموعة من العروض التراثية الهندية مثل رقصة الكاتاك والموسيقى الفلكلورية لراجستان ،كما يقوم رسام الكاريكاتير الهندي سودهير تايلانج بعرض مجموعة كبيرة من اعماله جنبا الى جنب مع الفنان المصري جورج البهجوري.
وفي سياق المهرجان الثقافي الهندي الحالي بمصر فان قضايا الديمقراطية والتعددية والربيع العربي واهمية التجربة الهندية حاضرة في الحوارات بين المثقفين المصريين والهنود ، وأشار السفير الهندي نافديب سوري الى أن هناك العديد من الأمور التي يعرفها المصريون عن الهند مثل التاريخ القديم والثقافة والديمقراطية والتعددية وغاندي والشاعر طاغور والممثل اميتاب باتشان وبالطبع هناك تلك الشعبية الكبيرة للأفلام الهندية.
ومنذ سنوات طويلة جذبت الهند بالفعل مثقفين مصريين من اصحاب القامات العالية مثل محمد عودة وكامل زهيري الذي قال إن اول منظر بهره حين زار الهند هو سماء هذا البلد ، موضحا أن سماء الهند تختلف عن كل السموات التي شاهدها سواء في مصر والعالم العربي او في اوروبا.
فالسماء الهندية على حد قول الكاتب الصحفي الراحل كامل زهيري "ارتفاعها شاهق بشكل ملحوظ وقبتها اوسع واعرض واعلى من كل القباب وافقها ابعد من كل الآفاق".
ولعل سر هذه السماء المتميزة في الهند - كما يضيف كامل زهيري - أن الحرارة شديدة دائما وتتحول احيانا الى لون باهق البياض يبهر النظر الى حد الألم ، ويرتفع السحاب ارتفاعا شاهقا عن الأرض الى حد يذوب فيه السحاب في جوف السماء ومع هذا الاتساع والارتفاع يحس اي انسان برعشة من الضآلة وانه صغير القامة مهما كان طويلا مديد القوام!.
وتساءل كامل زهيري الذي كان من اعلام الصحافة الثقافية المصرية :"لست ادري هل سر هذا الميل الى الفناء وسر ذلك الزهد المستحب عند اهل الهند هو ذلك الاحساس بالضآلة امام سماء الهند"؟! ، مشيرا الى أنه عندما زار هذا البلد الفسيح كان غاندي قد مات وتولى من بعده جواهر لال نهرو قيادة حزب المؤتمر والحكومة فيما وجد في كلمة "الزهد" اول خيط لتفسير شخصية نهرو واجواء الهند.
فجواهر لال نهرو كان يحمل لقب "بانديت" وهو من طائفة "البراهما" ارقى الطوائف الهندوسية غير أن شيئا ما حدث في حياة هذا الشاب الرقيق الملامح بدل حياته تماما..فقد ذهب الى انجلترا ودرس في جامعة كمبريدج وتعرف على كتابات برنارد شو ونيتشة وكان يمكن أن يعود للهند "انجليزيا اكثر منه هنديا" لكنه عندما عاد لبلاده بعد الحرب العالمية الأولى شاهد ماغير حياته.
تيقظت عين نهرو الحساسة على عشرات الفلاحين الذين يشكون آلامهم فيما وصف تلك اللحظات التي تنبه فيها لواقع الهند وحياة فلاحيها الفقراء بقوله " نظرت اليهم والى بؤسهم والى عرفانهم الشديد فأحسست بالخجل من حياتي السهلة المريحة ومن هذه السفسطة السياسية ، وإمتلأت الما على هذا الحرمان والبؤس وانتهاك الكرامة".
وفي سياق رصد الكاتب المصري الراحل كامل زهيري للتحولات في حياة نهرو يؤكد على وجود خلافات فكرية متعددة بينه وبين غاندي الذي كان تفكيره يقف عند حدود المعركة الوطنية وكان يمثل المرحلة التي سماها نهرو "مرحلة بناء الجسور" بين الطوائف والديانات والاقاليم المختلفة المتنازعة على الدوام.
لكن نهرو الذي تشرب الأفكار الاشتراكية من خلال احتكاكه بالثقافة الأوروبية كان يختلف في النظرة البعيدة عن غاندي واعتبر أن الاستقلال السياسي ليس هدفا نهائيا للكفاح الوطني كما أن القومية ليست نهاية في حد ذاتها .
وقد أدرك غاندي ذاته هذا الاختلاف بينهما فقال إن "نهرو يسبق عصره وهذا ما أخشاه عليه ولكنني احس في نفس الوقت انه عاقل يستطيع أن يوازن بين الأمور" فيما كان نهرو على مستوى آمال المهاتما غاندي في مواجهة صعوبات شديدة من جهاز الدولة الذي ورثه من الاستعمار فضلا عن الخلافات الطائفية والقبلية.
ومن هنا حاول نهرو في سنوات حكمه أن يكون فوق حزب المؤتمر الذي ينتمي له وتشبث بالنظام الديمقراطي الليبرالي رغم انه اشتراكي وانتهج اسلوب التحول البطيء الذي يتطلب كثيرا من الصبر مستعينا بموهبته المتوازنة ليكون صاحب الفضل في بناء دعائم الديمقراطية الحقة في بلاده.
وواقع الحال أن نهرو لم يخاصم الثقافة الغربية المتقدمة بل سعى للاستفادة من الانجازات البريطانية مثلا في الصناعة والعلوم والجامعات حتى أضحت بعض الجامعات الهندية تنافس جامعات بريطانيا.
كما اقتدت الصحافة الهندية بصحافة فليت ستريت ولاتزال هذه الصحافة تتطور مثل باقي الصحافة الكبرى في العالم مع انها نشأت في فقر وعوز ومحيط شديد البؤس كما لاحظ الكاتب اللبناني سمير عطاالله فيما ينوه بالنظام الديمقراطي في الهند التي كانت ذات يوم "مجمع الفقر العالمي" في سياق تناوله "لاشكالية الديمقراطية والخبز" .
فالهند تشكل اكبر ديمقراطية في العالم وهي تقدم نموذجا ايجابيا ومضادا للتسلط الطغياني بقدر ماتعبر عن نجاح في استيعاب ثقافة ومعنى ومنطق الدولة الحديثة بتعقيداتها وعلاقاتها المتشابكة وسيادة القانون ولايقل اهمية عن ذلك كله انها تقدم اجابات لاشكاليات التنمية في واقع مجتمعي حافل بالمشاكل والتحديات .
ومضى جواهر لال نهرو أكثر من تسعة اعوام في السجون المختلفة واكثر من 17 عاما في الحكم وكان من اسبق الزعماء الوطنيين للتفتح على الحل الاشتراكي لكنه صمم على أن يكون هذا الحل ديمقراطيا اقرب الى افكار الفابية البريطانية من الماركسية كما هو أقرب الى البرلمانية السلمية من الثورة المفاجئة فكان "اشتراكيا يلبس ثياب الهند القطنية البيضاء" على حد تعبير نقيب نقباء الصحفيين المصريين الراحل كامل زهيري .
وعلى الرغم من علل واشكاليات متعددة في الواقع الهندي فان هذه الدولة التي تجاوز عدد سكانها المليار نسمة تمكنت من ارتياد الفضاء ناهيك عن صنع السلاح النووي واضحت ضمن الدول الصناعية العشر الكبرى في العالم بينما يصل مستوى الادخار الوطني فيها الى نحو 40 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي مقابل نسبة لاتزيد عن 13 في المائة في مصر حسب تقديرات معلنة.
ولعل النجاح الهندي في مجال برامج الكمبيوتر والحوسبة جدير بنظرة ثقافية مصرية متعمقة في زمن ثورة الاتصالات والاقتصاد المعرفي وتأثير هذه المتغيرات على القيم في بلد تركت فيه الهندوسية بصمات عميقة في الثقافة والممارسات اليومية للحياة والانتاج الفني وعادات تناول الطعام.
لكن الهندوسية كعقيدة غالبة في الهند وحاضرة في الثقافة الهندية تتباين تفسيراتها الآن في هذا المجتمع مابين نظرة تركز على التسامح مع اصحاب العقائد المغايرة واحترام النساء ونظرة متشددة تنمو في المدن الصغيرة والريف وتنزع نحو الغلظة مع اصحاب العقائد الأخرى كما تتشدد في معاملة النساء واكتسبت هذه النظرة المتشددة خطورتها مع زحف المنتمين لها على المدن الكبرى وسعيهم لفرض رؤيتهم بالقوة.
ورغم الطفرة الاقتصادية الهائلة في الهند خلال العقدين الأخيرين فان بعض الباحثين عن الشهرة والمصالح الشخصية من كوادر الأحزاب الهندوسية المتطرفة نصبوا انفسهم زعماء واضفوا على انفسهم قداسة مزعومة وتلاعبوا بعواطف المتعصبين من اتباعهم وهي قضية تثير قلق الكثير من المثقفين الهنود ووسائط التعبير الثقافي في هذا البلد الكبير.
إن الحاجة ماسة لاحترام الجانب الانساني الخاص بحق المواطن في العمل والأمل ..والتجربة الهندية تبرهن على أن الديمقراطية هي الفضاء الطبيعي لخارطة الأمل او الحلم والسعادة والثقافة..وهاهم المثقفون المصريون يستبشرون خيرا بالحدث الثقافي الهندي الكبير وهاهي الثقافة المصرية تدخل في حوار حميم مع الثقافة الهندية.
واذا كان السفير الهندي نافديب سوري يقول إن مشاهير الهند في مختلف المجالات الفنية الذين يحضرون هذا المهرجان الثقافي بالقاهرة سيرسلون صورة ايجابية عند عودتهم لبلدهم بأن مصر آمنة حتى وإن كانت هناك بعض الاضطرابات في بعض المناطق فان ارض الكنانة ترحب بكل ضيوفها وغدا تشب من اضلاعها التعبى نسائم سنديان..على ضفاف النيل مازال الكروان يسجد خلف مآذن الصفصاف ..يغرد باسم مصر ويغني للغد الآتي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.