حاولت بشتى الطرق قهر ظروفى الصعبة، الفقر كان ضيفًا دائمًا لا يفارقنا منذ نعومة أظافرى، لم يتملكنى اليأس ولا جوع أطفالى نجح فى دفعى نحو الحرام، رغم مكاسبه السريعة والكبيرة، فقديماً قالوا «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها»، الآن أصبحت مهددة بالحبس بسبب ديونى التى اقترضتها للإنفاق على أسرتى، «صباح» وافدة جديدة تنضم إلى قائمة طويلة من سيدات مصر الغارمات، تتذكر سنوات حياتها الخمسين، قالت «كافحت طوال سنوات حياتى، لا أبالغ عندما أقول اننى منذ طفولتى تحملت المسئولية، كنت أشاهد والدى يعانيان من الفقر مع 4 أشقاء، نشأت فى حجرتين بحمام مشترك، يوم نأكل وعشرة ننام من غير طعام، أتذكر دموع والدتى الغزيرة تنهمر من عينيها حزنا لعدم قدرتها على توفير طعامنا، نجلس طوال اليوم على «كسرة عيش وباذنجان»، كنا نسمع عن اللحوم ونشاهدها فى المحلات، كم اشتهينا مذاقها وكم طلبنا ان نتذوقها ولكنها كانت حلما بعيد المنال لمن فى ظروفنا، تتذكر صباح بنظرات يتخللها الحزن دموع والدتها وهى تخدعهم بحلة مياه تغطيها جيدًا وتضعها على وابور الجاز معتقدين ان بها لحومًا أو دجاجًا، وتتركنا نلتف حولها فى حجرتنا البسيطة حتى ينضج الطعام، سرعان ما يغلبنا النعاس ونحن نحلم بالطعام اللذيذ، ليأتى الصباح ويوم جديد نعيشه مثل اليوم السابق ولا تتعلم عقولنا البسيطة من خدعتها مرارا وتكرارا، قررت ان اعمل وأساعد والدى فى الانفاق على اشقائى، طفت الشوارع والميادين لبيع المناديل الورقية وآخر النهار بعد عناء اليوم الشاق ارجع بمكسب جنيهات قليلة لأقدمها لأمى، كانت الأيام تشبه بعضها ليس بها جديد الى ان توفى والدى، زاد الحمل الثقيل على والدتى، فقررت الزواج معتقدة ان زواجى سوف يكون وسيلة لمساعدة اسرتى، كان زوجى عاملًا بسيطًا لم يتحمل اجره مساعدة اسرتى فى المعيشة، رزقنى الله 3 أبناء كانوا هم قرة عينى هم الفرحة الوحيدة فى حياتى، حاولت بكل الطرق ان أعوضهم ما حرمت منه، ولكن القدر والفقر كانا دائما لى بالمرصاد، وكلما اجد نفسى أقوم من وعكة أسقط فى أخرى، مرض زوجى بالسرطان، كانت الصدمة الكبرى لى، لا تتخيل مدى المعاناة التى عشتها مع تفشى المرض فى كل جسد زوجى ونحن ننتظر دوره فى العلاج بالتأمين الصحى، كان المرض كل يوم يفترسه، حاولت ان ابحث عن عمل آخر يوفر لى مصاريف لعلاج زوجى واطفالى وأسرتى، لم أجد أمامى غير ان ابيع شقة الزوجية وذهبت أنا وأبنائى وزوجى لكى نعيش مع والدتى ولكن توفى زوجى وتركنى وحيدة أصارع الفقر وتراكمت الديون على يوم بعد آخر، قررت ان اقترض واشترى مسلتزمات منزلية وأبيعها بالتقسيط لسداد ديونى، ولكن كنت أسدد الديون القديمة وتتراكم على ديون جديدة، حتى اصابتنى الأمراض من الهم والحزن، وتابعت صباح «فوجئت ببلاغات عديدة بسبب ايصالات الأمانة التى وقعت عليها، وأصبحت حياتى مهددة وابنائى الذين رفضت إطعامهم بالحرام مهددين بالتشرد فى حالة الحكم على بالسجن. بكت «صباح» فأنا لست سارقة ولا مسجلة آداب ولا نصابة أخذت قروضًا بملايين الجنيهات، وهربت لكى تتم ملاحقتى والقبض على وإلقائى مع المسجلين والمجرمين، أنا سيدة كل هدفها تربية أبنائها ومساعدة والدتها كي تعيش الحياة بكرامة.