جلس منكس الرأس وعلامات الحزن والألم تشكل ملامح وجهه، لم يكن يتخيل أنه يفعل ما حدث وستأتى عليه لحظة يقف أمام القاضى داخل المحكمة وهو متهم بقتل طفلته الرضيعة، بدأ يتمتم بكلمات الندم ويتساءل كيف فعلت ذلك؟ كيف تجرأت وقتلت بنتى بيدى؟ سالت دموعه على وجهه وهو يقول: مراتى السبب هى اللى اضطرتنى أعمل كده، طوال الوقت فى نكد ومشاكل حولت حياتى لجحيم.. وأردف: الشيطان لعب بدماغى وفى لحظات منكوبة قتلت بنتى بالضربة القاضية وبعد أن كانت تملأ البيت صراخًا وبكاءً وفرحًا أصبحت جثة هامدة وهى لم تكمل عامها الثانى: «ماتت جنى ومات حلمى بالحياة». أحب محمد فتاة لدرجة العشق وكاد يضحى بالغالى والثمين من أجل استكمال حياته معها، وبادلته الزوجة الحب والاهتمام ورسما لنفسيهما سيناريو لحياة سعيدة من وحى خيالهما أرادا تطبيقه على أرض الواقع، استمرت قصة حبهما تكبر يومًا بعد يوم حتى قرر أن يتقدم لخطبتها ويتخذها رفيقة لدربه واصطحب عائلته واتجه لمنزل والدها وتمت الخطوبة واتفقوا على ترتيبات الزواج، وتمت الزيجة فى أجواء سعيدة، فى ليلة من أجمل ليالى عمرهما ضرب فيها المزمار وعُلقت الأنوار وعمت الفرحة والسعادة على العائلتين وقاطع الأب حديثه وهو يقول: يا ريت اللى جرى ما كان. مرت الأيام الأولى من الزواج فى جو هادئ، وبدأت المشاكل الأسرية تطرق باب منزلهما الصغير، وتركت الزوجة المنزل عدة مرات ولكنها عادت مرة أخرى بعد نصائح والدتها وأشقائها لها وتذكيرها بأنها هى من أحبت زوجها وأحضرته لخطبتها فلابد أن تتحمل مشقة الحياة لكى تكون قادرة على بناء منزلها الصغير، وبمرور الأيام والشهور رزق الزوجان بطفلة جميلة أعادت الأمل والانسجام بين الأبوين مرة أخرى وحرص الزوج على تلبية طلبات زوجته حتى وضعت حملها. يقول المشاكل الأسرية أصبحت ضيفًا دائمًا داخل المنزل على أتفه الأسباب، والزوجة تريد تلبية طلباتها فى الحال فتنوعت المشاكل بين الزيادة المستمرة لمصروف البيت، والخروج والتنزه، والذهاب للأهل. وفى ليلة مشئومة نشبت مشادة بين الزوجين وعلى إثرها غادرت الزوجة المنزل قاصدة بيت والدها ولم تهتم بطفلتها الرضيعة وتركتها تبكى وتصرخ: «تركت زوجتى المنزل وبالرغم من ذلك لم أكن وحيدًا فكان الشيطان يلازمنى ويوسوس لى ويحرضنى ويشحننى بالكره لزوجتى وكلما سمعت صراخ وبكاء جنى زاد غضبي.. حاولت أن أداعبها كى تهدأ وتكف عن البكاء ولكن كانت تزداد ويعلو صوتها النحيل بالصراخ وفشلت فى إسكاتها وتهدئتها وفقدت أعصابى وضربتها لكى تسكت ولكمتها ضربة قوية على رأسها من شدة غضبى وكانت بمثابة الضربة القاضية وفارقت الحياة على إثرها ونجحت فى إسكاتها وكتم صوتها مدى الحياة. وتابع: حملت بنتى بين يدى واتجهت نحو المستشفى، وتحسسها الطبيب وتحدث قائلاً: «البقاء لله شد حيلك» وأظهر الكشف المبدئى ان الوفاة جاءت بسبب إصابتها بنزيف فى المخ وكدمات وكسور، نتيجة تعرضها لضرب مبرح وأخطرت إدارة المستشفى الأجهزة الأمنية واعترفت بأننى قتلت ابنتي. انتهت حياة «جنى» بعد قضائها عاماً ونصف العام في عالم الأحياء كما انتهت حياة الأب بدخوله السجن ومازالت الأم في منزل والدها.. لعلها تكون سعيدة بما آلت إليه حياتها!