كانت «عبير» تلك الفتاة الجميلة والصغيرة تسير فى براءة وأمان كعادتها كل يوم تخرج إلى كورنيش كفر الزيات لشراء لوازمها وأسرتها، لم تكن تدرى أن الذئاب يتربصون بكل جميل يسير على الأرض، بعد أن دهسوا على كل القيم، وعاثوا فى الأرض فساداً بفعل تعاطى البانجو والترامادول، وكل أنواع المخدرات. فجأة وجدت الفتاة الصغيرة نفسها مهددة بالقتل بسكين غرزه أحد الذئاب فى جنبها، وطلب منها ركوب «التوك توك» الذى يقوده، وتوجه بها وهى مرعوبة، تخيلت عبير نفسها جثة ملقاة فى أقرب ترعة، ممزقة ومنتهكة، وبعد قليل وجدت نفسها فى شقة صغيرة يفوح من جدرانها رائحة الموت، ومن سقف الغرفة تسقط أشباح بخيالات العالم المجهول. عرفت الفتاة أن دمها مستباح وعرضها سيكون لقمة سائغة لذئاب لن ترحمها، حاولت أن تستعطف وتتوسل، ولكنّ المجرمين منتشون، وبالفعل وقعت الواقعة، ونهش عرضها الذئب الأول ولم تمر دقائق عاشت فيها فى رعب لا يوصف، فوجئت بأنها تحت عرق ذئب ثانٍ، ومرت الدقائق والساعات والذئاب الخمسة يتناوبون نهش لحمها، والتلذذ بالاغتصاب الدامى، والفتاة الصغيرة لم تعد تدرى ولا تشعر إلا برائحة الموت تقترب منها، شعرت أن الحياة قاسية جداً، وأن الحب والسلام والأمان لم يعد لها مكان على الأرض، تخيلت نفسها قوية وتحمل ساطوراً أو حتى سكيناً صغيراً، وهى تمسك بكل الذئاب، لتقتص منهم، وتقطع أطرافهم جزاء ما ارتكبوه فى حقها، شعرت أن البراءة ضعف وأن الحب وهم وأن القوة نعمة. مضت ساعات لا تعرف الضحية عددها، مضت عليها كدهر، اللحظة كانت تحمل ألف لحظة، قسوة وذل وعار، شعرت فى لحظة أن الله لن يتركها لحماً رخيصاً لذئاب لا ترحم، بعد قليل وهى تتخيل مزيداً من الذل والعار شعرت بهواء الشارع ودفء الشمس، كانت منذ فترة فى «جب» عفن يفوح برائحة الموت، ولكن الرائحة اختفت، وكأنها كانت فى قبر، وخرجت للنور، فتحت عينيها لتجد نفسها فى الشارع، وعرفت أنها عادت للحياة، ولكن بعد أن ضاع منها أعز ما تملك، لم تعد هى نفسها الطفلة البريئة اللذيذة المقبلة على الحياة بخيالات وأحلام الورد والخير والجمال، رائحة أفواه الذئاب الكريهة، جعلتها تكره كل الروائح والعطور وحتى عبير النسيم، بعد لحظات شاردة وجدت نفسها فى أحضان أسرتها، وحكت لهم مأساتها، كم هى صغيرة تلك الجميلة على كل هذا الهم والحزن والكآبة. لم يجد والدها سوى التوجه إلى اللواء أشرف درويش، مأمور مركز كفر الزيات، ليخبره بما حدث لصغيرته، سمع اللواء تفاصيل المأساة، وأخطر اللواء حسام خليفة، مدير أمن الغربية الذى طلب من اللواء إبراهيم عبدالغفار، مدير المباحث القبض على الذئاب البشرية، وبالفعل مرت ساعات قليلة حتى تمكن المقدم هادى سالم، رئيس مباحث المركز من القبض على جميع المتهمين، كانوا خمسة، جمعتهم شهوة الجنس وغباء الإدمان وغيبوبة الأمل، واعترفوا جميعاً بتفاصيل اغتصاب البراءة، وتمت إحالتهم للنيابة التى قررت حبسهم جميعاً، وتقديمهم لمحكمة الجنايات محبوسين، وفى الجنايات اعترف المتهمون، ودور كل منهم وعدد المرات التى انتهك فيها البراءة واغتصب فيها الأمل، فقضت محكمة جنايات طنطا بالإعدام شنقاً لثلاثة من الذئاب، والسجن مدى الحياة لاثنين، وكانت التهمة معروفة وواضحة فهى خطف.. واغتصاب عبير ابنة ال«17» عاماً بالقوة وتحت التهديد.. ربما تكون العدالة قد اقتصت لعبير من الذئاب، ولكن هل جف دمع عبير أو اطمأن والدها عليها.. هيهات أن تشعر الطفل بالأمان مرة أخرى أو أن ينسى والدها أن فلذة كبده داستها الذئاب المسعورة.