بعد خمس سنوات من التوجس والتوتر المتصاعد بين القاهرةوأديس أبابا، مُنذ أن وضع رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل، ميلس زيناوي، حجر أساس لبناء سد النهضة على النيل الأزرق في أبريل 2011، بدأت الإدارة الإثيوبية في اتخاذ خطوات للتهدئة والتقارب على المستوى الإعلامي، بعد اكتمال الجانب الأكبر من الإنشاءات في موقع السد، في الوقت الذي لا تزال تتعثر فيه المفاوضات مع مصر والسودان على المستوى السياسي والفني، حول تبني سياسات تقلل من حجم المخاطر اذا ما انفردت إثيوبيا بتخزين المياه وتشغيل السد دون مشاورة مصر. رصدت صحيفة المونيتور الأمريكية أول زيارة لوفد صحفي مصري لموقع السد، في 31 يوليو الماضي بتنسيق مع معهد ستوكهولم للمياه، ومكتب النيل الشرقي ENTRO التابع لمبادرة حوض النيل، حيث نقل المسئولين الإثيوبيين من أديس أبابا حيث مقر القرار السياسي حتى إقليم بني شنقول حيث موقع سد النهضة، عدد من الرسائل الإيجابية التي تعزز الدعوة إلى التعاون بشفافية مع مصر والسودان في جميع المسائل العالقة بشأن المشروعات المائية على مجرى النيل، ومحاولة طمأنة الرأي العام المصري المتوجس دائماً من التحركات الإثيوبية في بناء سد النهضة. من أمام جسم السد الذي لا يزال تحت الانشاء، ومع تدفق المياه من خلفه إلى مجرى النهر الذي يصل إلى الحدود السودانية الإثيوبية، بدأ مدير مشروع سد النهضة، المهندس سيمانيو بيكيلي، حديثه قائلاً: "لدينا خبرة طويلة تجعلنا نلعب دور ريادي في انشاء السدود، نحن نعلم كيف نضع الدراسات والتصميمات وبناء على ذلك نعلم كيف نبني وندير السدود وبحيرات التخزين" مؤكداً : "سد النهضة هو مشروع يبنى في إثيوبيا بواسطة الإثيوبيين بطريقة حرفية ومسئولة حتى تتحقق المنفعة للجميع". وبينما لا تزال المفاوضات الفنية والسياسية قائمة بين مصر والسودان وإثيوبيا حول امكانيات تقليل الأثار السلبية للسد، تسير الأعمال الإنشائية في الموقع بوتيرة سريعة، حيث اكتمل الجانبين الأيسر والأيمن من جسم السد، لكن دون حجز أو تخزين للمياه خلف السد، حيث لا تزال المياه تتدفق من فوق الجانب الأوسط في السد، كما تم الانتهاء من تجهيز وتأهيل مساحات واسعة تصل إلى 35 ألف هكتار داخل بحيرة التخزين، وكذلك تجرى الإنشاءات في جسم السد المساعد على بعد 5 كيلو مترات من السد الرئيسي. وكانت الإنشاءات في سد النهضة قد بدأت في ديسمبر 2010 بعد التعاقد بين شركتي ساليني اميرجيولو و METEC الإثيوبية، في موقع يبعد 40 كم من الحدود السودانية الإثيوبية على مجرى النيل الأزرق، لتخزين 74 مليار متر مكعب من المياه، بهدف توليد 6000 ميجا وات، ويتم تمويله محلياً من خلال طرح السندات والتبرعات المباشرة لصالح المشروع بعد حملة التعبئة الشعبية لصالح المشروع والتي بدأها رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل، ميلس زيناوي. ورداً على التخوفات المصرية المتصاعدة من السد، يقول بيكيلي، "جميع الأبعاد المتعلقة بأمان السد وصلابة البناء، والتشغيل والصيانة تمت مراعاتها وتصميمها بشكل يجعلنا موضع ثقة بأن المشروع سيكون نافعاً لدول المصب مثل أهميته للشعب الإثيوبي"، مضيفاً : "إثيوبيا تعهدت بنفسها باستغلال مواردها المائية بطريقة تنفع وتفيد الجميع، نحن نفكر فيما وراء الأفق". ويحدد بيكيلي الأبعاد الإيجابية للسد على مصر والسودان قائلاً :"أهم هذه المنافع هو تنظيم تدفقات المياه خلال العام، وبذلك يمكن تجنب مخاطر الفيضان وفواقد نقل المياه والبخر، ومشاكل تراكم الطمي، وسيسهل عمليات الملاحة في النهر، فضلاً عن تعزيز السلام والاستقرار الاقليمي". ورغم الشفافية التي أبداها بيكيلي وهو المسئول عن إدارة الأعمال الإنشائية في مشروع سد النهضة طوال اليوم الذي تجول فيه الوفد الصحفي في مواقع العمل بالسد، رفض الإجابة على التساؤلات الملحة والمتكررة عن موعد تخزين المياه خلف السد، وعدد السنوات المتوقع ملئ بحيرة التخزين خلالها، والتي سيتحدد على أساسها حجم تدفقات المياه إلى مصر والسودان، وهي العنصر الأهم لتحديد حجم المخاطر التي قد يتعرض لها الأمن المائي المصري. وفي جلسة حوارية حضرها "المونيتور" مع مسئولين السودان وإثيوبيا اللجنة الوطنية الثلاثية، والتي تغيب عنها المسئول المصري لأسباب غير معلنة، قال رئيس الجانب السوداني في اللجنة، سيف حمد: "اللجنة الوطنية لا تكترث باستمرار الإنشاءات أو الانتهاء من السد هذا العام أو في أي وقت، لكن الأهم أن يكون المليء والتشغيل سيتسبب في أقل تأثير على دول المصب، وتحقيق المنافع في نفس الوقت للدول الثلاث". وتتفاوض اللجنة الوطنية الثلاثية على تنفيذ دراستين لتقييم الآثار، أحداهما هيدروليكية والأخرى بيئية واقتصادية واجتماعية، من خلال شركتين استشاريتين فرنسيتين، لكن هذا المسار الفني قد تعطل بسبب العديد من الخلافات الفنية والاجرائية لأكثر من مرة خلال العاميين الماضيين، حتى عقدت الدول الثلاثة مفاوضات على المستوى السياسي بين وزراء الخارجية والمياه في الخرطوم ديسمبر 2015، للدفع بالمسار الفني والتعاون الذي أصبح الخيار الأخير أمام مصر وإثيوبيا لحل المشاكل العالقة بسبب سد النهضة. ويؤكد جديون أصفاو، رئيس الجانب الفني الإثيوبي في اللجنة الثلاثية: "الانتهاء من الدراستين لا يعني بالضرورة ان الدول ستوافق على النتائج والمخرجات، ولكن هذه المخرجات ستكون خاضعه لتقييم اللجنة الفنية الثلاثية، حيث سيتم الاتفاق على التصور المناسب لكيفية التعامل مع هذه المخرجات". وبينما يتحدث المسئولين في إثيوبيا بلهجة حماسية عن مشروع سد النهضة، كانت أحاديث الأهالي أيضاً ممن تحدث معهم "المونيتور" في ضواحي العاصمة الإثيوبية والقرى المحيطة بموقع مشروع السد في إقليم بني شنقول المتاخم للحدود مع السودان، والتي تنقطع عنها الكهرباء بشكل يكاد يكون دائم، تنقل حالة من الفخر والوطنية بتبني مشروع ضخم مثل السد، كان مهدداً برفض واستنكار مصر في البداية إلا أنه تحول لواقع تنفذه حكومتهم من أجل تحقيق التنمية ومحاربة الفقر. قالت الصحيفة أن على ما يبدو أن حجم التحديات أمام القاهرة سيتصاعد فبينما تطمح إثيوبيا في التوسع في انتاج وتوريد الطاقة المولدة من المشروعات الكهرومائية، ليس فقط للمنطقة الإفريقية المجاورة ولكنها بدأت تتبني أيضاً خطط تستهدف الأسواق الأوروبية والشرق الأوسط، وهو ما سيضع مصر دائماً في موقف متوجس لحماية وتأمين امدادات المياه التي تصلها عبر النيل الأزرق النابع من الهضبة الإثيوبية.