فرضت الثورة المصرية – التى ما زالت أحداثها جارية- معادلة سياسية جديدة؛ لم يكن أكبر المحللين فى العالم بقادر على افتراضها ؛ و خصوصا أولئك الذين أقاموا استراتيجيات كاملة؛ على أساس محاولة استئصال كل المظاهر الإسلامية من الحياة الفكرية و السياسية المصرية ؛ تحت مسمى العلمانية والاشتراكية؛ هذه النظريات الفكرية والسياسية؛ التي لم تتجاوز في الفضاء المصرى/الإسلامي يوما؛ حيز الشعارات الجوفاء لقد بدأ مجىء دور الإسلاميين لتولي شئون الحكم في بلدانهم، والغريب أن هذا التحول لم يأت جراء إنقلابات عسكرية أوبحد السيف، بل يتم كل شيء بسلاسة وفي أبهى صور الديمقراطية التي افتقدتها الساحة المصرية والعربية لعقود طويلة في عملياتها الانتخابية. الشعب المصرى يختار بنسة عالية الأن الإسلاميين لخلافة نظام دموي ديكتاتوري طغى في البلاد وتجبر وهذا الإختيار عبرت عنه المرحله الأولى من الإنتخابات الجارية. إن الخلافة الإسلامية للأنظمة الشمولية قد لا تعجب كثيرا من الناس في مصر، خاصة إذا ظل هؤلاء المتخوفون محافظين على تلك الصورة التي كرسها النظام عن الإسلاميين، حتى أصبحوا رديفا تلقائيا للإرهابيين والمتطرفين. النظام المصرى البائد ومعه الحكام العرب نجحوا تماما في نسج هذه الصورة المرعبة عن الإسلاميين انطلاقا من تقديم النموذج الأفغاني الطالباني والحمساوى والسودانى، وبدرجة أخف المثال الإيراني، كدليل واضح على أن النتيجة الحتمية لتولي الملتحين مقاليد الحكم في أي بلد هي الفوضى والخراب والتهديد الدائم لكل العالم، لكن علينا أن نفسح المجال لهؤلاء إذا اختارهم الشعب. كي ينفذوا برنامجهم في البرلمان وفي الحكومة، هي فرصة لهذه الأحزاب حديثى العهد بالعمل السياسي العلني ليجربوا الحكم ويخوضوا في تفاصيله، وفرصة أيضا أمام الشعب المصرى لكي يختبرهم ويتأكد إن كانوا صالحين لتولي مقاليد الحكم أم لا. فإما أن يثبت إسلاميو مصر جدارتهم ويكونوا في مستوى آمال القاعدة الشعبية العريضة التي اختارتهم، فيستمروا في الحكم أو أن يتعثروا وتتجاوزهم الأحداث وهنا يتدخل الشعب للضغط على الرئيس المنتخب باستعمال صلاحيته الدستورية في إقالة الحكومة وحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة يصوت فيها المواطنون وفق ما عايشوه واقعا. حينها لن يكون تهميش الأسلاميون عملا انقلابيا إن الإسلاميين ظلوا لعقود طويلة هم "الفزاعه" لإخافة الشعوب والحكومات الغربية بهم، وقد صدّق جزء كبير من شعوب المنطقة الأمر تماما كما فعلت الأنظمة وكثير من المنظمات الأجنبية، بعضها فعلت دون طرح تساؤلات وأخرى أدركت أن في الحكاية كثيرا من التطاول والافتراء لكن ما كان عليها أن تفعل شيئا آخر غير مجاراة الأنظمة العربية ومدها في كثير من الأحيان بالمال والسلاح والخبرات العسكرية المختلفة المباشرة وغير المباشرة، من أجل شل هؤلاء. ولم يدعوا الفرصة لهم لممارسة العمل السياسي العلني وتقديم تجربتهم عمليا ليقيمها الآخرون، وحتى لا تختلط الأمور على القارئ الكريم فإنني هنا أتحدث عن الإسلاميين السياسيين الحقيقيين وليس الذين تسلقوا بلحاهم فاجأة على سلالم الثورة إن التيار الإسلامى لم يجد صعوبة كبيرة عندما اتيحت له الفرصة للممارسة العلنية في اكتساح قلوب الشعب ونيل أصواته ليس فى مصر وحدها بل فى تونس والمغرب واعتقد انه سيكون فى ليبيا وسوريا واليمن بعد التحرر. ربما ليس كل الذين صوتوا لصالح الإسلاميين متدينين بالمعنى المتعارف عليه للكلمة، بل قد يكون منهم ناخبون لا يتفقون مع 'الحل الإسلامي' لكنهم وجدوا أنفسهم مضطرين في اختيارهم، وقد برز ذلك من خلال الجولة الاولى التى نحن بصددها الان. وبرز ايضا فى البلدان العربية التى سبقتنا بخطوة إن على الغرب الأن أن يقتنع بأن مجيء الإسلاميين إلى الحكم لن يكون أشد ضررا من بقاء الأنظمة الفاسدة، وأنه فى الفترة التى كانت قيادات التيارات الإسلامية تجتهد لإقناع الحكومات الغربية أنها ليست بالسوء الذي يصوره عنهم الحكام العرب، كان هؤلاء الحكام يحفرون قبورهم بأيديهم لأن الإسلاميون وجدوا متسعا من الوقت للعمل الجاد وتحضير أنفسهم لما صاروا إليه وهناك أيضا كانت الحكومات والاستخبارات الغربية تختبرهم وتتأكد ميدانيا أن ما يقال عن هؤلاء (المتطرفين) شيء وما هم عليه شيء آخر قد يكون مختلفا تماما. الإسلاميين لم يحكموا البلد من قبل والشعب لم يجربهم ولا يعرف عنهم إلا ما روجه عنهم النظام البائد، وهذا لا يعني أنني أزكيهم أو أصر على أنهم ملائكة. الانتخابات تجرى الأن فى ظروف عصيبه تعيشها البلاد ولو نال الإسلاميون المسموح لهم بالمشاركة السياسية كل مقاعد البرلمان المقبل، ذلك أن هؤلاء لا يختلفون في شيء عن سياسيي الأحزاب الأخرى وهم يتحملون جميعا وزر إطالة عمر النظام وتسخير مبادئهم وقواعدهم لخدمته والاستمرار في نشر الفساد. كما أن حكمي هذا لا يعني أن مرحلة ما بعد التغيير ستكون بيد الإسلاميين فقط بل الأكيد أن حكام مصر الجدد سيختارهم الشعب بكل حرية ولن يكونوا من الذين تلطخ تاريخهم وسمعتهم بالتطوع لخدمة نظام فاسد تحت "الرضا بالمقسوم عبادة" كما أنه ليس من حق اى إنسان؛ أن يحاكم النوايا؛ فيزعم أن حركات الإسلام السياسي تمارس التقية فقط؛ وأنها تتعامل مع الديمقراطية كسلم يوصلها إلى الحكم؛ لتحطمه فيما بعد وأن الفكر الإسلامي يتعارض مع الديمقراطية والحداثة... إن ما يجب علينا الأن أن نأخذ به هو الممارسة على أرض الواقع؛ ولذلك سيكون من حقنا أن نصدر هذه الأحكام في حينها بعدما تؤكد لنا الممارسة صدقية هذا المنحى . لابد أن نذكر بأن نفس الخطاب؛ هو الذي كان رائجا منذ سنة 2002 بعد وصول حزب العدالة و التنمية الإسلامي إلى الحكم في تركيا؛ فقد كانت جميع الأصوات ترتفع من الداخل و الخارج؛ شرقا و غربا؛ محذرة من خطورة الوضع السياسي في تركيا؛ و مشككة في نوايا الإسلاميين؛ الذين قيل عنهم كذلك؛ أنهم يتعاملون مع الديمقراطية كسلم؛ سيحطمونه مباشرة بعد الوصول إلى الحكم. لكن الممارسة الواقعية تنفي بقوة جميع هذه الادعاءات؛ و تؤكد بالملموس أنها جزء من الإسلاموفوبيا التي انتشرت غربا و شرقا؛ محذرة من الخطر الإسلامي الداهم؛ الذي سيعود بالعالم الإسلامي إلى القرون الوسطى. فتركيا؛ اليوم؛ و بعد عقد من ممارسة الإسلاميين للسلطة؛ تبدو في التقارير الدولة و قد أحدثت نهضة ؛ في جميع المجالات؛ من السياسة إلى الاقتصاد و المجتمع؛ كما أن استمرارية التجربة الإسلامية في تركيا؛ يخضع للمنهجية الديمقراطية؛ التي تبوؤه في الانتخابات كمعبر عن الإرادة الشعبية.