نسبة التصويت في عهد مبارك لم تتجاوز 25٪ وفي آخر انتخابات شهدتها مصر عام 1950 وصلت إلي 70٪.. فتش عن النزاهة في إطار متابعة ما حدث في 28-11 الماضي وقد كان هو الأسوأ في تاريخ الانتخابات النيابية عبر العقود الثلاثة الماضية. ربما تتشابه في مساوئها مع انتخابات 79 و95 وكانت ستنضم انتخابات 90 لقائمة المتشابهات لولا انسحاب معظم قوي المعارضة مما أخلي الساحة لنفس الحزب الوطني ليحقق انفراداته المتتالية بمقاعد المجلس النيابي ولكن دون وضوح تلك الخروقات والانتهاكات المسيئة لمصر ومستقبلها وتاريخها. بمتابعة الجدول 1 يتضح ازدياد حجم الهيئة الناخبة وهذا أمر يدعو للاطمئنان الذي سرعان ما يتبدد بسبب عشوائية وبدائية التسجيل حيث تتم إضافة المواليد المسجلين في السجل المدني للدوائر الانتخابية التابع لها مكان الولادة وليس محل الإقامة فنجد من تكون إقامته بدائرة الدرب الأحمر الذين تم تسجيلهم بمكاتب الصحة التابعة لمستشفي المنيرة بالسيدة زينب أو مستشفي الجلاء ببولاق أبو العلا تم تسجيلهم بهذه الدوائر التي لا يقيمون فيها وتجد مواليد القري الريفية يسجلون بدوائر المركز لا بدوائر البندر المقيمين بها وهلم جرا.. فضلا عن التسجيل بجداول عشوائية غير مرتبة لا أبجديا ولا مكانيا ولا تقدم معلومة مفيدة من قريب أو بعيد مما يخل بعملية التسجيل وجدواها. أضف إلي هذا أنه مازال عدد المسجلين يقل كثيرا عن الطاقة الحقيقية للهيئة الناخبة حيث يصل سكان مصر في تعداد 2006 بالنسبة لمن هم أقل من 18 سنة إلي نحو 35٪ من إجمالي سكان مصر. فمعني هذا أنه يمكن حذف ما يبلغ من 30 مليون مواطن من إجمالي تعداد السكان فيكون حقيقة إجمالي الهيئة الناخبة ما يساوي 55 مليون مواطن. وإذا كان إجمالي الناخبين 14 مليونا طبقا لبيانات اللجنة العليا فتكون نسبة المصوتين لمن لهم حق التصويت 25٪. وهي نسبة شديدة التدني ولا تعبر عن انتخاب ديمقراطي.. وعلي وجه العموم إذا أخذنا بصحة الأرقام الواردة لنسب التصويت طبقا لبيانات الجهات المسئولة في انتخابات 76 وما بعدها فإنها في أقصي حالات التصويت وصلت إلي 50٪ في 95 و87 في ظل انتخابات بلا رقابة علي الإطلاق أما في ظل الإشراف القضائي بغض النظر عن العيوب والملاحظات الحقيقية التي لاحقت العمليات الانتخابية في ظله فإن التصويت قد بلغ في 2000، 2005 »25، 26٪« ثم عادت للارتفاع مرة أخري في 2010 لتصل إلي 35٪. وقد حرص منفذو ومخططو عمليات »11/28 وإعادتها« علي استخدام الأصوات المضافة عشوائيا للهيئة الناخبة وتوزيع الأصوات المشاركة في ظل عمليات التسويد والتقفيل علي المرشحين المختارين مع ملاحظة المحافظ علي نسب التصويت والمشاركة والابتعاد بها نسبيا عن انتخابات 2000، 2005 والوصول إلي نسبة 35٪ حتي لا يبدو الأمر مختلفا كثيرا عن الانتخابات الماضية ولكن قد خانهم التوفيق في حساباتهم كثيرا فجاءت عمليات التسويد والتقفيل أعلي مما هو مطلوب ولعله بملاحظة الجدول رقم 2 وهو يبين الأصوات التي حازها المرشح الواحد نفسه في انتخابات 2010 وكذا في انتخابات 2005 ليتضح بجلاء حجم الأصوات المضافة لنفس العضو في انتخابات 2010 ومقارنتها بسابقتها والتي كانت تحت الإشراف القضائي. وذلك الفارق المتسع في عدد الأصوات غني عن كل بيان لتوضيح حجم الخروقات والانتهاكات الحادثة في انتخابات 2010. ولقد حرصنا علي إبراز العديد من الدوائر في مختلف المحافظات وفي نفس الجولة الانتخابية لبيان عموم الحالة. فها هو رضا وهدان قد ارتفع من ستة الاف صوت في 2005 في جولة الإعادة إلي عشرين ألفا في إعادة 2010. ومحمود الشاهد أحرز في الجولة الأولي في 2005 ألفا وسبعمائة ليحقق في نفس الجولة في 2010 خمسة عشر ألفا وخمسمائة.. وها هو ماهر والي يحقق تسعين ألف صوت في 2010 في حين حقق شقيقه د. يوسف والي ثلاثة عشر ألفا فقط في الجولة الأولي في 2005..!!! ولم يتوقف سوء التنفيذ عند هذا الحد فحسب فبملاحظة الجدول 3 لأعداد المشاركين بالتصويت نلاحظ ارتفاعات غير مقبولة أو معقولة مما يفضح حجم التسيب والانتهاك الحادث في اللجان الانتخابية فبملاحظة حجم المصوتين في 2000، 2005 نجدهما متقاربين أما 2010 فقد جاءت أصوات المصوتين مضاعفة مرة واثنين وثلاث مرات مما يدل علي انفراط السيطرة علي المزورين فجاءت النتائج فاضحة وكاشفة لأعمالهم. ففي دائرة شبرا الخيمة ثان وصل حجم التصويت في 2010 إلي 115 ألفا في حين كان في 2005- 30 ألفا فقط أي أن حجم المصوتين تضاعف ثلاث مرات ونصفا. وفي أطفيح جاء حجم المصوتين في 2010 اثنين وستين ألفا في حين كان خمسة وثلاثين في 2005 متقاربا في 2000، 2005. ونفس الأمر تجده في دائرة قنا ووادي النطرون. ألم يقرأ المحللون وكبار كتاب الحزب الوطني هذه الأرقام ليشعروا بحجم الجرم المرتكب في هذا الوطن.. لقد جاءت العملية التنفيذية لانتخابات 2010 كأسوأ ما يكون وسوف يكون لها آثارها وما بعدها في شكل ما يحمله المستقبل في طياته. وبالعودة لجدول 1 وملاحظة نسبة التصويت في آخر انتخابات حرة أجريت في مصر في عام 1950 نجد أن نسبة التصويت قد وصلت إلي 70٪ وهي نسبة تقارب نسب التصويت في الديمقراطيات الحرة في الهند والبرازيل وفرنسا وأمريكا وكلها تدور نسب التصويت بها من 60 إلي 80٪ من الهيئة الناخبة.. أما الجدول 4 فهو يوضح حجم المرشحين المستقلين وحجم المرشحين الحزبيين وبملاحظة انتخابات ما قبل 52 لم يتجاوز أبدا حجم المستقلين حجم الحزبيين.. وهذا يدل علي وجود نظام حزبي حقيقي وانتخابات حرة فالمستقل ظاهرة فردية لا تعبر عن التيارات السياسية السائدة وهو في هذا الإطار يشكل حجما أقل ونلاحظ تدني عدد المستقلين وتناقصه في الفترة من 1924 إلي 1930 لسيادة القضية الوطنية والاستقلال وتصدي الوفد واحتوائه للقضية الوطنية في معالجتها ومواجهتها ثم نلاحظ تزايد المستقلين في الفترة 38 وصولا ل 1950 وذلك لتعدد التيارات الوطنية في تلك الفترة واشتباك قضايا الاستقلال والتحرر بقضايا التمصير والعدالة الاجتماعية والاقتسام ولكنه في كل الأحوال لم يتجاوز المستقلون في عددهم المرشحين الحزبيين أما فيما بعد 52 فنلاحظ التزايد البين والمرضي لأعداد المستقلين من 1976 وصولا ل 2005 تزايدًا وتضاعفًا غير مسبوق ففي حين شكل المستقلون في أعدادهم 1.2 بالنسبة للحزبيين في 76 وصلوا في 2005 خمسة أضعاف الحزبيين مما يدل دلالة واضحة علي فساد وفشل تلك الحزبية المقيدة التي لا تصنع سوي دولة الحزب الواحد متجملة في نظام حزبي غير فاعل مما يصرف المرشحين عن الالتحاق بالأحزاب لمعلومية عدم جدية الانتخاب واختفاء فكرة التداول وانصراف الجماهير عن التصويت لعدم جديته وجدواه فالانتخابات في ظل الشمولية المقيتة تعبر عن إرادة من يجريها. وقد انخفض عدد المستقلين في 2010 قليلا عن 2005 لسيادة شعور عام. إن تلك الانتخابات في ظل اختفاء الإشراف القضائي سوف تجري طبقا لإرادة الحزب الحاكم مما قلل الرغبات البرجماتية للمرشحين المستقلين وهم في معظمهم من الأعضاء المنشقين علي الحزب الحاكم حيث نجح الاتحاد الاشتراكي ومن بعده حزب مصر ثم الحزب الوطني في إخراج أجيال ممن يمارسون العمل السياسي وقد احترفوا أساليب التسويد والتقفيل وهم خبراء بشئون الاتصال بمصادر صناعة القرار المختلفة وطرق الضغط والاستفادة عبر الترشح مما أدي إلي مسخ الانتخابات وجعلها مولدًا لكل أشكال التعاملات النفعية السيئة وانفضت عنها كل الجماهير والأفراد الراغبين في العمل العام الجاد المنتج وأصبحت الانتخابات سوقا قاصرة علي نخبة من المتسلقين والبلطجية والسماسرة وبعد هذا يحدثك مفكرو الحزب الوطني عن التخطيط للإيقاع بمنافسيهم ومحاصرتهم وإعداد مرشحين مسلحين ببرامج محلية وعامة وكيفية حشد الجماهير ونقلها وكأننا جميعا نحيا في أوطان أخري ونري مشاهد لا يعرفونها ولا يدبرونها.. انتخابات 2010 محنة جديدة يضيفها الحزب الوطني لقائمة المحن التي تحياها مصر علي أيديهم.. ثمة دائرة مغلقة ولكن شراءات الخروج منها كامنة فيها فمصر وشعبها يستحقون ما هو أفضل من هذا الذي انحدرنا إليه.