كأن مصر عادت 90 عاماً إلي الوراء.. كانت مصر في ثورة.. بدأت يوم 9 مارس 1919 وحدثت انقسامات عديدة بين الزعماء.. حتي أنه حدث انشقاق في حزب الثورة، حزب الوفد. وخرج عدد من قادة الأمة واسسوا حزباً جديداً هو حزب الأحرار الدستوريين وانعكس ذلك علي الشارع المصري.. حقيقة كانت الكتلة الأكبر مازالت مع حزب الوفد وسعد زغلول. ولكن حدث الانقسام وخرج من الوفد فصيل كبير من الثوار.. وكادت تحدث انتكاسة بين الثوار. خصوصاً ان الثورة لم تصل بعد الي النتائج المرجوة.. كان ذلك عام 1921 وكان الحلم المصري لم يكتمل بعد. ولم يتحمل عقلاء الأمة ما يحدث. وكان السلطان أحمد فؤاد سلطاناً علي مصر وكان عدلي يكن باشا هو رئيس الوزراء.. وكانت البلاد مهددة بالانقسام خصوصاً بعد ان فشلت مفاوضات عدلي باشا مع كيرزون وزير خارجية بريطانيا. هنا نظم حافظ بك ابراهيم أشعر شعراء الوطنية المصرية قصيدة عنوانها «مصر فوق الجميع» وتحدث فيها باسم مصر وعرض فيها أمجادها وعراقتها وراح يرسم كيف نبني الامة المصرية علي أساس من القوة.. فماذا قال حافظ ابراهيم، في القصيدة التي عرفت بعد ذلك باسم «مصر تتحدث عن نفسها». مطلع القصيدة يحفظه كل جيلي ويقول: وقف الخلق ينظرون جميعاً.. كيف أبني قواعد المجد وحدي.. وختمها بتلك النصيحة الغالية التي تنطبق علينا اليوم.. يقول: نحن نجتاز موقفاً تعثر الآ.. راء فيه وعثرة الرأي تردي.. فقفوا فيه وقفة الحزم وارموا.. جانبيه بعزمة المستعد فما اشبه الليلة بالبارحة. مصر متفرقة.. المصريون يدمرون بعضهم بعضاً الشعب ضد الشرطة.. والشرطة عاجزة فتضطر القوات المسلحة ان تنزل الي الميادين والشوارع في محاولة لإعادة الأمن للشوارع وللناس.. وتلتقط أم كلثوم كلمات حافظ ابراهيم عام 1951 - خلال معارك القناة بعد ان ألغت حكومة النحاس الوفدية معاهدة 1936 وتدفع بها الي العبقري رياض السنباطي لتشدو بها علي الأمة تتوحد وهي تقاوم الانجليز.. والآن.. نحن في مرحلة تعثر سياسي حتي ان من المصريين من يعتدي علي الجنود المصريين.. وكأنهم من بقايا جنود الاحتلال.. بل كأنهم هم يطلبون إنهاء الحكم العسكري يستعيدون مقاومتهم لجنود الاحتلال.. ويدمرون عربات الشرطة المصرية، كما كانوا يدمرون عربات الترام خلال ثورة 19.. ونعترف ان النظام السابق كان يعامل المصريين بكل جفوة وقسوة حتي كره الشعب - كل الشعب - هذا النظام فأسُقط في لحظات.. وهذه الكلمات تعبر تماماً علي ما كان يعانيه شعب مصر خلال حكم حكومات الأقلية بعد ان أقال الملك فاروق حكومة النحاس يوم 8 أكتوبر 1944. ولذلك انطلقت عبارات الشعراء - عقب ثورة 23 يوليو تعبر عن حالة الشعب.. فها هو كامل الشناوي الصحفي الأزهري الذي بدأ معمماً يرتدي العمة والكاكولة والجبة والقفطان ثم نزع كل ذلك ليرتدي الملابس الافرنجية. ها هو يقول مخاطباً الشعب المصري كنت في صمتك مرغم.. كنت في صبرك مكره فتكلم وتألم.. وتعلم كيف تكره ومن حق المصري - اليوم - اني يتألم لما يحدث. وان يعبر عن رأيه ولكن هل العنف يحقق ذلك.. هل ينصلح حال المصريين بما يحدث الذي سقط فيه حتي ظهر امس 620 مصاباً وفقد 22 مصريا حياتهم.. وهذا في القاهرة وحدها، غير الذين سقطوا في السويس وفي الاسكندرية وفي غيرهما من مدن مصر.. ونقولها بكل صراحة ان البديل لما يحدث الآن ان تتولي القوات المسلحة - بنفسها مباشرة - حكم مصر بعد إزاحة حكومة الدكتور عصام شرف شديدة الضعف. ونعترف بضعف الحكومة، ولكننا يجب ان نتركها حتي تجري الانتخابات لنصل - في آخرها - الي حكومة مدنية وبرلمان مدني قوي، ثم نواصل بعدها تشكيل جمعية تأسيسية تعد الدستور الدائم وتجري في ظلاله انتخابات رئيس الجمهورية. هذا هو السيناريو الذي نأمله.. ونرفض في المقابل السيناريو المضاد بأن تستولي القوات المسلحة علي السلطة علنية.. وتحكم مصر حكماً عسكرياً مباشراً، من خلال أحكام عرفية علنية..فهل هذا هو ما يريده ثوار ميدان التحرير الذين احتلوا الميدان منذ مساء الجمعة الماضي. البديل يا سادة هو حكومة عسكرية بالفعل، بعد ان زادت خسائر الاقتصاد المصري.. وكاد ينتهي الرصيد الدولاري الاحتياطي.. وكدنا لن نجد ما نأكله خلال أسابيع قليلة قادمة. من هنا علينا ان نسأل: لمصلحة من كل ما يجري في مصر الآن. لقد بدأت الثورة سلمية يوم 25 يناير.. ولكننا نصل الآن الي مرحلة الاشتباك الدامي الذي ستكون نتيجته إلغاء الانتخابات، وبالتالي دخول مصر في دوامة رهيبة. حقيقة نحن نجتاز موقفاً تعثرت الآراء فيه وعثرة الرأي تردي.. ووقتها لن يستطيع أحد إنقاذ الوطن.. فهل هذا ما يريده البعض.