معاناة وآلام وصرخات الأطفال وعذاب الأمهات على أبواب محاكم الأسرة.. والحال أكثر سوءا لملايين الأطفال.. ضحايا الطلاق الذى يقع بين الزوجين لأسباب عديدة. وتؤكد الإحصائيات أن 9 ملايين طفل يدفعون ثمن البعد عن أحضان الأب، الذى يعانى الأمرين فى رؤية أبنائه، وقد يحرم كذلك الأجداد والأعمام من رؤية أطفالهم تماما. فكثير من الأسر تلجأ إلى القضاء لحل الخلافات الزوجية.. لكن لهذا اللجوء «فاتورة» ينعكس على نفسية الصغار، وتفرز أشخاصا غير أسوياء داخل المجتمع. الأوراق الرسمية لمحكمة الأسرة تؤكد أن معدلات الطلاق بلغت 387 حالة يوميا، وزادت أحكام الخلع لتصل إلى 3 آلاف و 335 حكما سنويا. والجديد هو ما صرح به مصدر مسئول بمكتب تسوية المنازعات الأسرية الخاص بمنطقتى الزاوية الحمراء والشرابية التابعتين لمحكمة شمال القاهرة بوجود 3 آلاف طلب قانوني، منذ شهر يناير وحتى شهر مايو 2016، أى 5 أشهر ما بين طلاق ونفقة وضم الصغار وعدة ورؤية وخلع بمنطقتى الزاوية الحمراء والشرابية التى يقطن بها 600 ألف نسمة تقريبا، أى ما يقرب من 15 ألف أسرة، وأكد نفس المصدر ارتفاع حالات الخلع لتصل إلى 600 حالة سنويا، يليها حالات التسوية لنفقات الصغير والأجور ل 700 حالة، والحضانة والضم 400 حالة ، وإثبات الزواج والطلاق 150 حالة. وبلغ عدد الطلبات القانونية فى مكاتب تسوية المنازعات الأسرية «الساحل» و«بولاق أبوالعلا» عدد 50 طلباً قانونياً بسبب مشكلات قائمة بعد الطلاق، تتعلق بالأطفال، منها 4.8% طلب «رؤية». ومن داخل أروقة محكمة الأسرة بزنانيرى، استمعت «الوفد» إلى حكايات تدمع لها العيون عن أطفال كتبت عليهم الحياة فى صراع وخصام وكراهية متبادلة بين الوالدين بعد الطلاق. أحمد عاطف، أب لطفل عمره 10 سنوات، وصل مع زوجته إلى اتفاق يسمح له بمبيت طفله «محمود» مرة أسبوعياً لديه، وذلك مقابل دفع 600 جنيه شهريا، ولكن تملصت طليقته أيضا من هذا الاتفاق الذى لا يعترف به القانون، وأصبح الأب يعانى من أجل رؤية طفله. على باب المحكمة معاناة أخرى ترويها رحمة عطية «50 سنة»، مقيمة فى بولاق أبوالعلا، فتقول: «أعانى حصوة بالكلى وتضخماً فى الكبد، ورغم علمى بالإجراءات الطويلة للمحاكم، التى تزيد آلامنا، لكنه الحل الوحيد لعودة حقوق أنجال ابنتى الثلاثة، بعدما تهرب والدهم من حكم القضاء، ولم أتحصل على نفقة الصغار حتى الآن». «يوسف أحمد»، طفل فى عمر الزهور، يقف مع والدته على أبواب المحكمة، تراه مشرقاً تغلب على ملامح وجه الابتسامة، ونظرته مؤثرة تبحث عن الأمل، كما يعشق اللعب بالكرة، لكنه فى النهاية يظل واحداً من ملايين الأطفال، الذين يدفعون ثمن الخلافات الزوجية ويحرمون من رؤية الآباء. ملاليم النفقة حكاية تلك الأم هى حكاية ملايين الأمهات اللائي يعيشن ظروفاً أكثر قسوة، وتدعى «ميرفت»، أم ل «مينا» و«مونيكا» فى سن 8 و16 سنة، انفصلت «ميرفت» عن زوجها منذ حوالى 7 سنوات، بعد زواج استمر 10 سنوات «مرار» كما تقول، نظراً لاستحالة العيشة مع الزوج البخيل، لذا فضلت الانفصال. لذلك رفعت قضية «خلع» فى مارس 2007، وفى غضون شهرين تم تطليقها، وبعدها مباشرة رفعت قضية نفقة فى محكمة الأسرة «زنانيرى»، بتاريخ 10 مايو 2008، لكى تطالب زوجها بالإنفاق على أبنائه، وفى مقابل ذلك تحملت العناء والتعب من طول إجراءات المحاكم التى عادة تستمر سنوات طويلة، بخلاف ما تكبدته من الأموال التى أنفقت على المحامين، ومع هذا قدم طليقها شهادات مزورة عن دخله الشهرى ليتهرب من دفع النفقة، ولكن الحقيقية عكس ذلك. وقالت: «رغم كل المعاناة من بهدلة ومصاريف ومداولات استمرت لمدة 19 شهراً داخل المحاكم، حكم القاضى بإعطاء الأطفال مبلغ 300 جنيه كنفقة شهرية للصغار، و400 جنيه نفقة الأم الحاضنة، بتاريخ 11 يناير 2010، مع العلم بأن القضاء حكم بقضية النفقة، وباحتسابها بدءاً من تاريخ النطق بالحكم، وليس من تاريخ رفع الدعوى، وكل هذا الوقت ضاع هباء، حتى شقة الحضانة أخذها منى بعد الطلاق مباشرة، والعفش سلمه لى محطماً. دموع «أم» التقينا ابتسام محمود، أم ل 3 أبناء، تنتظر دورها للدخول إلى مكتب تسوية المنازعات الأسرية التابع لمنطقة «الشرابية»، وعندما سألتها عن سبب تواجدها داخل المحكمة.. قالت: أنا مطلقة منذ 3 سنوات، بعد زواج استمر 17 عاماً، وأولادى فى مراحل عمرية مختلفة «ابتدائى وإعدادى وثانوى»، وطليقى تنصل تماماً من مسئوليته تجاه أبنائه.. فأنا أعمل خادمة لكى أوفر نفقات المعيشة، رغم أننى أعانى مشكلات صحية، بسبب مرضى بالقلب والسكر لجأت إلى القضاء أملاً فى الحصول على حقوقى أنا وأبنائى حتماً ، بعدما فشلت الطرق الودية. وأضافت: «الحل القانونى هو الضامن الوحيد لأبنائى، مع طليقى للتوصل إلى حلول حقيقية، انكتب علينا الشقاء والتعب، لأن القضاء طريقه طويل، بخلاف تلاعب المحضرين بنا، حيث يتأخرون فى توصيل أوراق الانذارات والإعانات القضائية لصالح الطرف الآخر». الأطفال هم الضحية «هناك محضرون يبيعون ضمائرهم للخصم».. هكذا بدأ عبدالسلام محمد عطية، «86 عاماً» حديثه ل «الوفد»، مضيفاً أن الأطفال يتألمون من غياب الأب، ويعيشون حياة قاسية على أبواب المحاكم، لأنهم لا يحصلون على أى نفع مادى أو معنوى منذ الطلاق وحتى وقتنا الحالى، بخلاف العيشة الصعبة، والإيجارات الجديدة التى وصفها ب «الخراب».. وتساءل: «من أين ستأتى بإيجار؟!».. فأنا جد ل «12 بنت وولد»، وأعلم جيداً معاناة الأولاد، بعدما تحولت الحضانة – حسب القانون – إلى حضانة الجدة للأم، ثم تعود الحضانة مرة أخرى إلى الأم، لتبدأ نفس المشكلة من جديد. واستكمل الحديث، عنتر عبدالله، محام، قائلاً: لابد من إلغاء قلم المحضرين، نظراً لتأثيرهم السلبى على معظم قضايا الأسرة المصرية، والإضرار بالصغار، من أجل تحقيق منافع مادية معينة، ويمكننا الاعتماد على التقنية الحديثة، لما لها من فوائد عديدة، خاصة فى المجال القانونى والقضائى، لكونها تتميز بالسرعة واختصار الوقت، إضافة إلى عدم تكلفتها، مما يسهم فى تخليص إجراءات العملية القضائية فى شقها الإجرائى، ويقدم خدمة عالية الدقة للمواطن ممن يحملون رقماً قومياً، ليتم إرسال كل المراسلات أو الإنذارات القضائية من المحاكم عن طريق البريد الإلكترونى «الإجبارى». وأضاف: المؤسف أن المادة «20» من قانون الرؤية رقم 25 لسنة 1929، والمعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985، المنظمة لحق الحضانة والرؤية، جسدت مأساة حقيقية للطرف غير الحاضن، فالقانون وضع حاضن الطفل فى موضع القوة فى مواجهة الطرف الآخر، حتى أنه قد يستخدمه بغرض الانتقام منه وتكبيده الأمرين لرؤية طفله، وغالباً ما يكون الصغير فى حضانة والدته. وقال «عبدالله»: إن قانون الرؤية بصورته الحالية أسقط الجدود وعائلة الصغير لغير الحاضن فى حساباته، فأصبح الجدود والأقارب بهذا الطرف ليس لهم حق الرؤية أو التعرف على الصغير.. وإن كان فى حضانة والدته. كما أن القانون رقم «4» لسنة 2005، مد فترة حضانة الصغير إلى 15 عاماً.. فلا يعقل أن يستمر الصغير أو الصغيرة فى حضانة والدته إلى ال 15 عاماً، لا يرى والده طوالها إلا سويعات محدودة، لا تزيد على 3 ساعات فقط فى الأسبوع.. يتخللها منغصات عديدة، ويطلب منه فجأة أن ينتقل إلى بيت هذا الرجل الذى ليس له صلة به، إلا الاسم ورؤيته فى بعض الأحيان، وكذا المادة رقم «54» من قانون الطفل لسنة 2008، والخاصة بسلب الولاية التعليمية من الولى الطبيعى ومنحه للحاضن. وتتمثل رؤية ومقترحات الآباء والأمهات غير الحاضنين، فى استبدال المسمى القضائى المستخدم لأحكام الرؤية إلى أحكام رعاية أسرية مؤقتة، على كل من المحضون والطرف غير الحاضن، وحتى يتم إسباغ القدسية ومعانى الحميمية على هذا التواصل الأسرى المهم، ووضع آلية لتنفيذ تلك الأحكام بنظام الاستضافة مدة 24 ساعة بصفة دورية أسبوعياً، وأسبوعاً فى إجازة نصف العام الدراسى، وشهراً متصلاً أو متقطعاً، خلال الموسم الصيفى، مع ضرورة وضع عقوبات رادعة على كل من الطرف غير الحاضن والطرف الحاضن فى حالة إخلال أى منهما بمواعيد أو مدة الاستضافة المقضى بها.