أكد فضيلة الدكتور أحمد ربيع الأزهرى الباحث فى التاريخ والمنهج الأزهرى أن الأمة الإسلامية تعيش حالة توقف حضارى منذ عقود، وأن هناك محاولات مستميتة لضرب هوية الأمة وإعادة بناء منظومة قيم شعوبها وفق الرؤية الغربية وليس وفق الموروث الحضارى والدينى لأمتنا وغياب المشروع الحضارى لها، وأشار «الأزهرى» إلى أن المؤسسات الدينية فى مأزق حقيقى دبر لها بليل منذ عقود طويلة، داعياً المؤسسات الدينية فى مصر لأن تكون أكثر فاعلية، وبيّن أن ذلك لن يتم إلا بتكامل قدرات الأزهر ودار الإفتاء والأوقاف من أجل الحفاظ على هوية هذه الأمة وخصوصيتها الحضارية، وطالب الدكتور أحمد ربيع الأزهرى مجلس النواب بإصدار مجموعة قوانين تمكن الأزهرى من أداء دوره سواء فى ضبط الخطاب الدينى أو الحد من التلاعب بالفتوى وتجريم الإفتاء دون علم، «الوفد» التقت فضيلته فدار هذا الحوار،،، فى البداية.. كيف ترصد أهم التحديات أمام عالمنا الإسلامى وما السبيل لمواجتها؟ - هناك حالة توقف حضارى تعيشه الأمة منذ عقود، بالإضافة للمحاولات المستميتة لضرب هوية الأمة وإعادة بناء منظومة قيم شعوبها وفق الرؤية الغربية وليس وفق الموروث الحضارى والدينى لأمتنا، وغياب المشروع الحضارى لها، وظهور مشاريع التقسيم فى جسد الأمة مع بتر أجزاء هذا الجسد والمشهد الدامى فى سوريا وليبيا والعراق واليمن خير دليل على ذلك، وتحول أراضى المسلمين والبلدان العربية لساحة للحروب بين القوى العظمى والدم العربى والمسلم هو وقود هذه الحرب، أما سبل المواجهة فتكمن فى الإيمان بالقدرة على النهوض وصناعة الأمل وعدم اليأس، وإدراك أهمية العلم والبحث العلمى وأن يكون مشروعنا الأهم هو الاستثمار فى عقول البشر، مع أهمية التكامل العربى والإسلامى والسعى لإنشاء تكتل اقتصادى وعسكرى يحمى تطلعات الأمة ويساهم فى إعادة تشكيل مستقبلها، ولابد من تحصين شباب الأمة من الأفكار الهدامة والأطروحات الفكرية الفاسدة. كأحد علماء الأزهر الشريف ما الدور به علماء الأمة الإسلامية فى هذه الظروف؟ - دورهم خطير جداً، فهم ضمير الأمة اليقظ الذى يُبصر ويرشد ويقود ويجب أن ينهض العلماء من خلال الأطروحات العلمية والفكرية والمبادرات الأخلاقية والتنموية بتحصين المجتمع من الانحراف بشقيه التكفير والتطرف والإلحاد والانحلال، وأن ينشغلوا بصناعة «النمذجة» القيمة فيقدمون للمجتمع نماذج حقيقية للإنسان بدلاً من النماذج المشوهة التى تقدمها السينما كما يجب أن ينشغلوا بدرء الفتن ونشر قيم الإسلام والتعاون والتعايش بين مكونات المجتمع. فضيلة الدكتور.. وهل المؤسسات الدينية فى العالم الإسلامى تقوم بدورها حيال ذلك حالياً؟ - هى فى مأزق حقيقى وضعت فيها ودُبّر لها بليلٍ منذ عقودٍ طويلة، ولذلك يجب أن تقوم هذه المؤسسات بإعادة صياغة خارطة طريق لنهوضها، وأن تضع رؤية ورسالة وأهدافاً تتلامس مع واجباتها تجاه الإسلام والمسلمين، وفى مصر نتطلع لدور أكثر فاعلية للمؤسسات الدينية، ولن يتأتى ذلك إلا بتكامل قدرات الأزهر ودار الإفتاء والأوقاف وأن نتعاون جميعاً من أجل الحفاظ على هوية هذه الأمة وخصوصيتها الحضارية، وأن تضع مشروعاً فكرياً للتجديد وأن تؤسس لفقه الحياة بدلاً عن انتشار ثقافة الموت. وكيف يمكن تعزيز دور الأزهر كقلعة للإسلام الوسطى ولمواجهة الابتذال فى الفتاوى وتعدد مراكز صدورها ولو كان ذلك عن غيرها علم بالفتيا؟ - بداية.. أؤكد محورية دور الأزهر فى هذه اللحظة من تاريخ العالم الإسلامى، مما يستوجب دعمه وإعطاؤه القدرة على التحرك والابتكار وتوفير الإمكانيات له، فالدولة من مصلحتها أن يقوى الأزهر لينهض بدوره فى نشر تعاليم الإسلام الصحيحة، وتفنيد ودحض الأطروحات المنحرفة والمتطرفة، كما يجب إصدار مجموعة قوانين من مجلس النواب تمكن الأزهر من أداء دوره سواء من ضبط الخطاب الدينى أو الحد من التلاعب بالفتوى وتجريم الإفتاء من غير المتخصصين. ماذا عن مشروعك لتفعيل دور الأزهر عالمياً؟ - أُدرك وسطية الطرح الذى ينتهجه الأزهر الشريف، ولذا أتمنى إطلاق قناة الأزهر العالمية باللغات المختلفة، ولقد تقدمت لفضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب برؤية متكاملة لمشروع شبكة قنوات الأزهر بها أفكار وآليات تنفيذ لهذه القناة، بل وألحقتها بأكثر من مائة فكرة لبرامج قنوات الأزهر، كما أتمنى إطلاق مشروع لتأهيل ألف داعية أزهرى متمكن من أدواته الشرعية والعلمية، ويتحدث اللغات المختلفة لينطلقوا كرسل نور ورحمة وسلام فى ربوع الدنيا يبرزون عظمة وكمال الإسلام. من خلال خبرتك الدعوية والأكاديمية ما أسباب التراجع الحضارى والعلمى فى أمتنا؟ - الاستعمار الذى استطاع أن يغير ويغيب الكثير من المقومات الثقافية والفكرية، بالإضافة لنهبه ثروتنا وتأصيله للجهل بين شعوبنا، بالإضافة لعملية التغريب التى تحاول أن تجعلنا مسوخاً للآخر، وكذلك القراءات المنبهرة بالثقافة الغربية وتحاول الاستنساخ عن ثقافة الغرب، بغير اختبار للمنسوخ والظرف الزمنى لنشأته، مع غياب التزاوج بين العلم والحرية فى مجتمعاتنا مما أسس لثنائية «جهل الصناعة» و«صناعة الجهل»، بالإضافة للصراعات بأشكالها المختلفة، وعدم تولى الأكفاء وأصحاب الكفاية والاعتماد على أصحاب الخطوة وأهل الثقة مما زرع اليأس فى نفوس الأكفاء وصُدر عديمى المعرفة فى مكان لا يستحقه فاحتل الميزان وضيع العمران. هل تخشى على الدعوة الإسلامية فى ظل العولمة؟ - نحن الآن فى لحظة فارقة، فى عصر تخطى العولمة بمراحل حتى أن «جون راستون سول» ألف كتاب «انهيار العولمة وإعادة اختراع العالم» وهو فيلسوف ومؤرخ وسياسى كندى وتكمن عبقرية هذا الكتاب أنه تحدث عن انهيار العولمة قبل حدوثه، فالعالم الآن فى لحظة فارقة تخطت العولمة والحداثة وما بعدهما إلى نموذج مؤسس على الصراع عند «صموئيل هنتجتون» فى كتابه «صراع الحضارات» وإعادة صياغة النظام العالمى، فمحاولة فرض النموذج المعرفى الغربى على كل شعوب الأرض وكل الثقافات هو من أهم تحديات هوية الأمة كأمة وبالتالى دعوتها، كما أن الدعوة فى عصر ما بعد العولمة تحتاج إلى قفزة حقيقية فى الرؤية والوسائل والمقاصد مع الابتكار والإبداع فى طرق بلاغها. ولذلك لابد من وضع استراتيجية حقيقية للدعوة الإسلامية، والأمر يحتاج إلى أطروحات فكرية ورجال مخلصون ونظام يعتمد على المؤسسة وصناعة عقول شابة تقوم على أكتافها الدعوة الإسلامية. أخيراً.. ماذا عن مؤلفكم الأخير وماذا تهدف منه؟ - هو عمل موسوعى كبير تحت عنوان: «من المواقف الخالدة لعلماء الأزهر» فيه ما يزيد على (500 موقف أزهرى) فريد قمنا بجمعها من خلال القراءة المتأنية لتاريخ هذا المعهد وتاريخ مصر وتاريخ الحركة الإسلامية، وسوف يكون هذا العمل من أهم الأعمال المعنية بتاريخ الأزهر وتاريخ أعلامه ومواقف شيوخه، وهو كتاب يعيد الثقة للذات الأزهرية ويبرز شخصيتها ودورها العظيم فى الحفاظ على الإسلام واللغة العربية وقواعد الشرع والدين.. إلخ وبه مفاجآت ونوادر وحكايات فريدة من أعلام الأزهر.