إلى أرواح الآلاف من الضحايا الأبرياء الذين صرعهم الإرهاب المتأسلم على مدى تاريخه الدموى.. هذه العبارة ليست مجرد إهداء من كاتب كبير فى افتتاحية أحد أهم الكتب التى تناولت قضية المتاجرة السياسية بالدين، ولكنها بمثابة شهادة سياسى مخضرم صاحب تجربة عميقة وعلم غزير فى عالم السياسة والفكر، لأنك تجد نفسك وأنت فى حضرة قطب وفدى عملاق بحجم أحمد عز العرب، كأنك تشد الرحال إلى كل بلاد العالم وتعود إلى نقطة «ثقة» يندر أن تعثر عليها فى هذا الزمان.. تبحر معه فى التاريخ وتتنقل بين شخصيات عظيمة وأحداث مهمة وآراء ذات قيمة وتأثير. «الوفد» تحاور اليوم الكاتب السياسى الكبير أحمد عز العرب رئيس شرف حزب الوفد فى حديث عن هموم الوطن والقضايا العربية والدولية الشائكة. طبيعة الأحداث وما يجرى حولنا من كوارث وتمدد النشاط الإرهابى المتطرف الذى لم يترك دولة عربية أو أجنبية تفرض أن نتناول فى البداية قضية التطرف الذى أصبح ظاهرة عالمية.. وإلى أى مدى يتجه؟ - المسألة ليست وليدة هذا الزمان بل تضرب بجذورها فى التاريخ وأنا شخصياً أهتم بهذه القضية بدافع خوفى الحقيقى على الوطن وهويته وعلى الهوية العربية عموماً بالأديان الثلاثة وما يعيش بجوارهم من طوائف أخرى سواء مستقلة عنها أو منشقة عن بعض هذه الأديان، فالمسألة كما ذكرت فى كتابى تاريخ الإرهاب المتأسلم فى مصر.. مسألة كيان نعيشه وأرى مصير الشعوب العربية الذى نعيشه حالياً تأكيداً لوحدة المصير وحتمية الترابط ضد أعداء الداخل والخارج. وهل قضية التطرف والإرهاب العالمى ترتبط بشكل أو بآخر بالمخططات الاستعمارية واستهداف المنطقة؟ - هناك مخطط مترصد بالمنطقة وتم تنفيذه بنجاح فى تدمير العراق وينفذ الآن فى سوريا واليمن وليبيا لكنه ضرب فى القلب عندما قامت مصر بثورة 30 يونية التى أفقدت الاستعمار صوابه تماماً لأنه لم يكن مستعداً له وأنا الآن بصدد طرح كتاب جديد بعنوان «القنبلة الموقوتة - حل شفرة الشرق الأوسط» يتناول منظور مصر من وجهة نظر أعدائها، ومنظور مصر من وجهة نظر مصر ومصلحتها. ما مدى إدراك المنطقة للخطورة المحيطة بها؟ - الكتلة العربية واعية بكل شىء وعلى مستوى العمودين اللذين تستند إليهما المنطقة مصر والسعودية التى أدركت أن أهداف الاستعمار إسقاط العرش السعودى لصالح داعش، ولذا أحست بارتباط المصير كل الدول، ومصر والسعودية تدركان ذلك جيداً وقضية تيران وصنافير لن تنال من هذا الفهم العميق للأمور، فالجزيرتان سعوديتان 150% ومن يتحدث باسم الوطنية هو من باع ربع سيناء وقبض الثمن وآخر من يتكلم عن أرض الوطن هم من باعوا هذا الوطن وقالوا «طز فى مصر» ووضعوا خريطة لمصر فى قصر الاتحادية مقطوع منها حلايب وشلاتين. ما حقيقة انتمائك لجماعة الإخوان المسلمين فى فترة من الفترات؟ - وأنا طالب فى الثالثة عشرة من عمرى كانت مصر وقتها تغلى سياسياً نتيجة الصراع ضد الاحتلال البريطانى والصراع ضد الخطر الصهيونى بعد قرار تقسيم فلسطين لدولتين بين العرب واليهود وكنا طلبة فى غاية الوعى السياسى، وأنا شخصياً كنت فى مرحلة البحث عن الذات وراقنى بعض ما عرضه لنا زملاؤنا من أعضاء الجماعة من أفكار براقة تدعو للجهاد ومقاومة العدو.. وبحكم نشأتى الدينية وحرصى على الصلاة اتجهت للإخوان واستمعت لخطب حسن البنا وكان له سحر هتلر فى الخطاب فالتحقت بشعبة السيدة زينب. وكيف تركتهم؟ - سرعان ما اكتشفت محاولتهم السيطرة على العقول والتطويع والتدريب على فكرة السمع والطاعة وبعد ستة أشهر جاءت لحظة الفراق التام.. وكان لدينا ما يسمى بمسئول التوعية الذى كان يتميز بالنعومة والطيبة البالغة، ولكن ذات يوم طلب منا أن نتجمع الساعة الرابعة فجراً عند محطة باب اللوق لحضور ندوة لأحد شخصيات مكتب الإرشاد بحلوان وكانوا كأنصاف آلهة، وما أن اعترضت على الموعد المبكر حتى تحول الحمل الوديع إلى وحش كاسر، قائلاً «يا أخ أحمد هذه أوامر تنفذ وليست مقترحات للمناقشة»، وهنا أدركت محاولة التطويع فرفضتها وقطعت صلتى بهم نهائياً. وماذا كان موقف عائلتك الوفدية؟ - أنا من عائلة وفدية عريقة ولكننى كنت متمرداً وأحاول الخروج عن السياق، وكنت أحد خطباء مدرسة الخديو الثانوية ومش عاجبنى أن أمشى على خط العيلة، كما أننى فصلت من جميع المدارس الأميرية لخروجى فى مظاهرات ضد معاهدة صدقى بيفن.. وكان جدى الشيخ محمد عز العرب أحد خمسة أشخاص سنة 1918 كونوا الوفد مع محمود أبوالنصر وويصا واصف وجورج خياط وكانوا يتقابلون عند سعد باشا، وقد بدأت العلاقة بين سعد باشا وجدى عندما أراد سعد أن يترشح للجمعية الوطنية وكان ناظراً للمعارف، وكان جدى سيترشح عن السيدة زينب لكنه تلقى مكالمة تليفونية من سعد زغلول، وحضر إلى بيتنا ليقسم جدى أن سعد لن يخرج من بيتنا إلا وهو مرشح فى الجمعية عن السيدة وكانت صداقة العمر ولم يترشح جدى لكن بيت عز العرب كان مقر الانتخاب لسعد زغلول، وكان سعد باشا أول من أعطى صوته لجدى فى انتخابات مجلس الشيوخ عن الوفد. وما علاقتك باليسار واعتناق الفكر الشيوعى؟ - لما تركت الإخوان اتجهت لدراسة اليسار والشيوعية وكنت عضواً فى «حديتو» الشيوعية، وكان فى كلية الحقوق شخص يصغرنى بعام ويعرض فكر الإلحاد وهى فكرة براقة لإنصاف المتعلمين لكنى اتجهت لقراءة القرآن بتحدى ومعرفة سر إيمان الملايين به وتصادف حدوث انقلاب 52 وأصبحنا وقتها من الفلول، وكنت كلما ترشحت لوظيفة رفضونى فاتجهت لعمل دبلومة دراسات عليا فى الشريعة الإسلامية ودرست أصول الفقه على يد الشيخ على الخفيف.. وتستطيعين القول إننى مررت برحلة طويلة من الشك إلى اليقين الكامل بدينى وإسلامى، وكنت قد سألت شيخى عن مصادر التشريع الإسلامى وقلت كيف نعلم أنها حصلت وليست أساطير الأولين، فقال لى استفتِ عقلك وتعمقت فى قراءة القرآن الكريم بتمعن وفهم ودراسة وكانت الآيات الكريمة مثل قوله تعالى «كل فى فلك يسبحون» سبباً فى زعزعة إيمانى بالإلحاد وبدأت أربط بين آيات القرآن والواقع الذى نعيشه وتوصلت إلى ضرورة وجود قدرة إلهية ثم بدأت رحلتى للاختيار بين الأديان التى أوصلتنى للإسلام عن اقتناع. قلت من قبل «ليس هناك نظام حكم إسلامى تركه الرسول».. كيف تدافع عن فكرتك؟ - نعم الرسول صلى الله عليه وسلم ترك ديناً وليس نظاماً للحكم. وكل محاولات الحركات السياسية التى تتخذ الدين ستاراً لها إلى زوال والمسألة كلها فى إطار المؤامرة الكبرى على المنطقة وإذا عدت لجذور الإخوان تجديها فى فكرة ضرب الليبرالية بإحياء الخلافة الإسلامية إنما الإخوان أصلاً لا وطن لهم وعندما حصلت مصر علي استقلالها، ووضعت أول دستور ليبرالى فى تاريخ الشرق الأوسط وبدأت الليبرالية سنة 24 تحت قيادة سعد زغلول كان ألد أعدائها الملك فؤاد والإنجليز، فجاء العبقرى الفرنسى الذى كان على رأس دولة داخل الدولة فى الإسماعيلية وقال لهم ضرب الليبرالية يكون بإحياء الخلافة الإسلامية.. ومن هنا كان ضرب الوفد وخرج الشعب مع النحاس ضد صدقى باشا سنة 30 وقال الإخوان «الله مع الملك».. وعندما تولى فاروق عام 37 ذهب الإخوان للشيخ المراغى عدو الوفد اللدود ليروجوا لفكرة حلف اليمين فى الأزهر ووضع التاج وقالوا أن يعطوه سيف جده محمد على الكبير.. لكن العملاق مصطفى النحاس كان رئيس الوزراء وقتها وقال «مكانك يا مراغى لو وضعت رجلك علي باب السياسة سأكسرها لك خليك فى الدعوة»، فما كان منهم إلا أن ذهبوا لفاروق وقالو له «النحاس بيغير منك». 500 جنيه لبناء أول مركز للإرشاد إذن إحياء الخلافة فى الأصل فكر استعمارى لضرب وإضعاف المنطقة؟ - لقتل المسلمين بيد المسلمين والإخوان لم يكونوا أبداً جزءاً من الحياة السياسية لكنهم ينتهجون العنف للوصول إلى الحكم.. وحتى داعش فشلت ولذا تخلى عنها الغرب كما تخلى عن أردوجان لأنه لم ينجح فى إحياء فكرة الخلافة ولم ينجح فى أن يكون خليفة المسلمين.. ولذا كل الحركات الإسلامية إلى زوال. رغم اختلافك مع عبدالناصر إلا أنك طالبت السيسى إبان ترشحه للرئاسة أن يتعامل مع الإخوان كما تعامل معهم عبدالناصر؟ - نعم القاتل لابد أن يعدم وينال جزاءه. ما رأيك فى فكر المصالحة؟ - أرفض المصالحة تماماً لأنها ليست بين طرفين بل بين قاتل وقتيل وقلت هذا فى أعقاب حادث مديرية المنصورة ولا أصدق أن من تربي على السمع والطاعة يمكن أن يعود للفكر، والمراجعات الفكرية كذب صريح.. فالعقائد التى صنعت منذ الصغر لا يمكن تغييرها.. وتاريخ الإخوان ملىء بالعنف ثم إن لهم ست جولات يضربون فيها السلطة سواء الجيش أو لشرطة أما الجولة السابعة ضموا إليهما الشعب هم يدمرون مصر بكل الوسائل بحرق الأسواق بالغلاء بالسياحة فى كل شىء. هل تري أن إسرائيل ليست بعيدة عما يحدث بالمنطقة ؟ - قضية حياتي صراع الوجود وصراع الحدود. فالصراع العربي الإسرائيلي جزء خطير في ملف المنطقة الآن ومخطط الشرق الأوسط الكبير لا ينفصل عن التحركات الإسرائيلية، وكسينجر الصهيوني الأعظم قال لن أشعر بالاطمئنان إلا عندما يصبح اليهود نصف سكان الشرق العربي وانتهاج ما يسمي بإبادة المسلمين بالمسلمين، وهذا أنجح ما وصلت إليه الحرب الرابعة. وقلت مراراً إن منظمة التحرير أساءت للقضية الفلسطينية عندما طالبت بالحل القائل بالدولتين. لأنه يعني التنازل عن 78% والاكتفاء ب22% كان من الأفضل البقاء والمطالبة بكامل الأراضي الفلسطينية، وكان في خلال نصف قرن سيكون عدد الفلسطينيين أضعاف عدد اليهود ويحدث ما حصل لجنوب أفريقيا عندما اضطر البيض للتنازل للسود عن الحكم بعد أن عجزوا تماماً عن الاحتفاظ بالسلطة بالقوة، ولقد حضرت حفل خروج مانديلا من السجن وزرت جنوب أفريقيا 18 مرة، وأذكر أن صحفياً سأل مانديلا ألا تكره البيض؟ قال أمقتهم فسأله. هل تنوي طردهم قال لا يمكن وإلا انهارت جنوب أفريقيا، لقد اكتشفت أني أحب جنوب أفريقيا أكثر مما أكره البيض. هناك عداء صهيوني لشخصكم بسبب آراء أعلنتموها بخصوص محرقة اليهود؟ - لقد حصلت علي الماجستير من جامعة استوكهولم، وكان هناك كتب بعنوان مذكرات أنا فرانك وقلت إن الفتاة حقيقية إنما القصص ملفقة. وكما قال جيم كراون الأمريكي في 500 مقال إن الهولوكوست أكذوبة وادعاء وأبسط دليل أن عدد اليهود كان 2.5 مليون وهم يقولون 6 ملايين وقلت أكثر من ذلك في لقاءت صحفية بكبريات الصحف الأجنبية. إلى أين تتجه مصر الآن؟ - مصر تتجه إلي استقرار وازدهار يقيني لكن يحاولون إفساد كل شيء لكني أعول علي ذكاء الشعب المصري، المشكلة في حصار الأعداء في الداخل والخارج، ولا اشعر بالقلق علي المستقبل. لكن المشكلة في وجود من يتأثرون بالشائعات وهناك فئة غير مستعدة لتقديم التضحيات ولكن بشكل عام لولا تماسك الجبهة الداخلية والنظام الداخلي لصارت مصر سوريا أخري. هناك من يعمل ضد البلد ولدي مستند وقع في يدي يبين حجم المؤامرة والمتآمرون وبينهم أسماء لامعة لا تخطر علي بال أحد والمؤامرة برعاية الولاياتالمتحدة التي أنفقت المليارات من أجل ذلك لإنجاح الإخوان لكن مصر نجحت نجاحاً ساحقاً للتصدي للمؤامرة لأن الجبهة الداخلية متماسكة. وصلابة هذا الشعب أقوي من كل المخططات وارجعوا إلي التاريخ عندما انتخب الفلاح المصري الفصيح سعد زغلول بأغلبية ساحقة. برغم كل ما تعرض له من ضغوط وأكاذيب وعندما طرح الملك فؤاد نفسه علي أنه راعي الأقلية القبطية فرفض الأقباط ذلك، وقال بولس حنا له: «نحن مصريون ولسنا أقباطاً ولسنا في حاجة إلي حماية. وعندما قال مكرم عبيد أنا مصري وطناً وقبطي ديناً». ولذا لا أخاف علي مصر طالما بها هذا الوعي. بصفتك من عائلة برلمانية عريقة ما رأيك في البرلمان الحالي؟ - هو تجربة لابد أن نمر بها وإنجاز كبير وسوف يتبلور مع الوقت ولا أستطيع الحكم عليه الآن لكنه خطوة مهمة نحو الاستقرار. وعلي النائب الحزبي فيه أن يلتزم بخط الحزب الذي ينتمي إليه وإلا يستقيل. ما رأيك في الحياة الحزبية في مصر الآن؟ - ليست هناك حياة حزبية بالمعني المعروف في الغرب لأن الأحزاب تعاني نتاج 60 عاماً من الحكم الذي منع خروج كوادر سياسية ولدينا نخبة أغلبها من الانتهازيين الباحثين عن فتات الموائد. وماذا عن تقييمك لدور الوفد الآن؟ - الوفد حزب له تاريخ وهو عمود الحياة الحزبية في مصر. ماذا كان يعني فؤاد سراج الدين بالنسبة لك؟ - كان يعاملني كأنه أبي، وكنت ذات مرة بالدانمارك وحملت له رسالة من عيسي سراج الدين ابن عمه وسفيرنا هناك. وكانت الرسالة عبارة عن تنبيه من محاولة السادات عودة الوفد إلي الساحة السياسية. فسألني وما رأيك فقلت: مهما كانت دوافع السادات فؤاد سراج الدين عليه التزام تاريخي بعودة الوفد. فقال: «بتقرا أفكاري يا ولد». كما أنني تعلمت الكثير من أبي الذي قال لي عندما تصل إلي سني ستندم ليس علي ما فعلت وإنما علي ما لم تفعل. ما رأيك في أداء الرئيس عبدالفتاح السيسي؟ - السيسي يواجه حرباً يواجهها جندي واحد اسمه عبدالفتاح السيسي، أشعر أنه كابني وأكن له كل الإعزاز والتقدير لإخلاصه ووطنيته، والحمل عليه ثقيل لذا يحتاج إلي وعي وإخلاص من جموع الشعب ومن يحبون هذا البلد كثيرون، وأنا متفائل جداً رغم الحرب التي تواجهها مصر خاصة في النواحي الاقتصادية، والسيسي له كاريزما لكنه يعلم أيضاً خطورتها. أحمد عز العرب فى سطور هو رئيس شرف حزب الوفد.. حصل علي ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1953.. حصل على ماجستير العلاقات الدولية من جامعة استوكهولم عمل محامياً ومسئولاً بشركة مصر للطيران في روما وكبنهاجن وجلاسكو. له عدة مؤلفات وترجم العديد من الكتب الأجنبية، منها كتاب لجورج أويل وكتاب العائلة والملكية الخاصة والدولة لفريدريك انجلز، وله العديد من المقالات السياسية القيمة التي يكتبها بانتظام فى جريدة «الوفد».