بلا ملل أو تعب، يعملون طيلة النهار أمام حرارة الفرن الشديد، التى قد لا يتحملها كثيرون فى الأيام العادية، فما بالنا بهذه الحرارة الشديدة فى رمضان؟ فمعظم الصائمين، إما يلجأون إلى النوم أو العمل البسيط حتى لا يشعروا بالإرهاق أو التعب، خاصة مع ارتفاع درجات حرارة الجو المتواصلة.. لكن الخبازين لا يعرفون النوم أو التعب. فالخبازون، جنود مجهولة لا تحمى الحدود، ولكنهم يعملون بجد لكى يطعموا أكثر من 30 مليون أسرة تعتمد بشكل يومى على «رغيف العيش» حتى يأكلوا ويطعموا أبناءهم وهذه الفئة رغم أهمية وصعوبة عملها ودورها فى توفير أهم سلعة أساسية للمواطن، إلا أنها تعانى أشد المعاناة.. والمشاكل لا تفارقهم أبدًا بسبب تدنى أجورهم، التى لا تتوافق مع العمل الشاق الذى يقومون به، حتى بعد بلوغهم سن التقاعد لا يجدون معاشًا مناسبًا ينفقون من خلاله على أسرهم، إذ لا يحصلون إلا على «الفتات»، على حد تعبيرهم. «عيد» يعمل طول اليوم لتأثيث شقة الزوجية «عيد» شاب فى الثلاثينات يعمل فى المهنة منذ 9 سنوات، يبدأ عمله منذ ال8 صباحًا وحتى 5 مساء. حياته لا تختلف كثيرًا عن غيره من الشباب التائهين فى دوامات الدنيا، إذ يعمل ليلاً ونهارًا من أجل أن يدبر تكاليف زواجه من الفتاة التى يحبها. يقول «عيد»: عملى يتلخص فى وضع العجين فى القرن وأعجن من 7 إلى 8 شكاير يوميًا، وأتقاضى 100 جنيه فى اليوم، وهى تكفى طعامى والباقى لتجهيز الشقة. أما حكاية «على» «38 سنة» فلا تختلف عن زملائه، إذ يعمل فى المهنة منذ أكثر من 2 عامًا، ومعذلك لا يتقاضى 80 جنيهًا إذ يعمل فى يوم العمل الواحد، مشيرًا إلى أن لديه 4 أبناء جميعهم فى المدارس، واليومية التى يتقاضاها من الفرن تكفى بالكاد للإنفاق على الطعام، أما بالنسبة لفواتير الكهرباء وغيرها من مصروفات الأبناء فقال: «ربنا بيدبرها.. ساعات باشتغل فى فترة إضافية أو باعمل أى مصلحة تجيب فلوس». واشتكى «على» من أن التعب والإرهاق الذى يتحملونه فى النهاية، لا يكون بفائدة، فبعد بلوغهم سن التقاعد لا يحصلون إلا على فتات، فمعاشهم يبلغ نحو 400 جنيه فى الشهر، أى معاش شحاتة على حد تعبيره، مشيرًا إلى أن وزارة التموين تحصل على 10 قروش عن كل «شيكارة» دقيق من المخبز، لا تعود فى النهاية عليهم فى صورة معاش. وأضاف: عندما نذهب إلى وزارة التموين للمطالبة بمعاشاتنا بعد بلوغنا سن التقاعد، فإنها تعاملنا كشحاذين، والموظفون يقولون لنا: اخرسوا بلاش صوتكم يعلى.. إحنا بنعطى لكم معاش شحاتة وأنتم مالكوش أصلاً أى معاشات». ويتمنى «على» أن يتم تعديل لائحة سنة 67، والتى تنص على الحصول 10 قروش عن كل شيكارة دقيق من صاحب المخبز، أى تحصل الوزارة على نحو 10 جنيهات شهريًا من كل مخبز، مع خصم جانب من يومياتهم، لكى يجدوا معاشًا مناسبًا ينفقون منه بعد بلوغهم سن التقاعد. وأضاف: أنا نفسى اللى بيحدد 400 جنيه معاش لناس بسيطة زينا، ياخد منى ألف جنيه ويقولى هيعيش إزاى بيها، أو هيكفوه إزاى فى الزمن اللى إحنا فيه ومع الغلاء المستمر، لافتًا إلى أنه يعمل نحو 12 ساعة يوميًا، ويبدأ عمله من ال4 صباحًا وينتهى فى الخامسة مساء. «عبدالعليم»: أنا ميت.. والتأمينات ما بترحمش «أنا باعتبر نفسى ميت من ضمن الأموات»، بهذه العبارة، بدأ عبدالعليم عبدالحميد «62 سنة»، حديثه ل«الوفد» مضيفاً: معايا خمسة أولاد، اثنين منهم فى تعليم عالى ومعاشى أنفق على أولادى، مشيرًا إلى أنه يتقاضى يومية 60 جنيهاً، ويأتى فى الصباح الباكر لكى يضع الدقيق فى الماكينة، ويشرف على العمال، ثم ينصرف عند ال5 مساء. ويوضح «عبدالعليم» أن معاشه لا يتعدى 400 جنيه فى الشهر، ولا يكفى احتياجات المنزل، لذلك فضل العودة مرة أخرى لعملى، لكى يستطيع الإنفاق على أولاده، مشيرًا إلى أنه رغم فقره وضعف إمكانياته، فإن التأمينات لا ترحمه. فعندما تأتى لجنة من «التأمينات» للتفتيش على المخبز، ويجدونه يعمل رغم بلوغه سن التقاعد يقوموا بتحويله إلى التحقيق ويوقفوا صرف المعاش، وأضاف: طب أعمل إيه مش بمزاجى يعنى أنا عايز أتعب نفسى؟ المعاش مش بيكفى أولادى حتى العيش الحاف، ومش بناكل اللحمة أبداً.. ونعيش على الفول والطعمية، والعيال بتبقى نفسهم فى اللحمة ومع ذلك لا أستطيع شراءها.. والوزارة ما بترحمش». وقال «عبدالعليم»: ربنا مش بينسى حد.. بس أنا مش هقعد فى البيت وعيالى نفسهم فى حاجة، أو مش لاقيين ياكلوا.. هأفضل أشتغل لآخر يوم فى عمرى». «أبوتامر»: «فلوس» المعاش ما بتأكلش عيش حاف رغم دخوله عقد الستينات، فإن «أبوتامر» يرفض أن يجلس فى منزله بعد خروجه إلى المعاش ويفضل العمل فى مخبز حتى يستطيع الإنفاق على أسرته، خصوصًا أنه عندما تقاعد عن العمل بعد بلوغه سن الستين، لم يتعد معاشه ال400 جنيه. يتحدث «أبوتامر» ل«الوفد» قائلاً: «العيشة بقت غالية، ولكى أستطيع تلبية احتياجات أسرتى.. كان لازم أشتغل بعد المعاش، لأن فلوس المعاش مش بتأكل حد حتى عيش حاف.. دا أنا معايا بنات عايز أجهزهم، وأولاد لسة فى المدارس». وأضاف: «أستطيع تحمل حرارة الفرن والتعب والإرهاب، ولكن لا أتحمل أن يكون أولادى محتاجين حاجة، وأنا مش عارف أجبلهم»، مشيرًا إلى أنه يتقاضى يومية 80 جنيهاً، ويعمل حتى الخامسة مساء.