معركة جديدة تخوضها تركيا بعد أدانتها بالأمس، حيث صدق البرلمان الألماني بأغلبية كبيرة وساحقة، على مشروع قرار، يعتبر الجرائم التي ارتكبت بحق الأرمن في الحقبة العثمانية عام 1915 بأنها إبادة جماعية. وشارك في إعداد مشروع القرار، كل من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، والحزب الديمقراطي الاجتماعي، وهي أحزاب الحكومة الإئتلافية، إضافة إلى حزب الخضر المعارض، والحزب اليساري. وتأتي إدانة ألمانيالتركيا لتنضم إلي 27 دولة، اعتبرت الجرائم التي اُرتكبت في حق الأرمن بمثابة إبادة جماعية، وعلي رأسهم "الأرجنتين، بلجيكا، كندا، ايطاليا، روسيا، لبنان، ألمانيا، فرنسا، اليونان وقبرص. كما تدينها أيضًا، بعض المنظمات في العالم مثل البرلمان الأوروبي، المجلس الأوروبي، مجلس الكنائس العالمي، الرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية، 43 ولاية من أصل 50 في الولاياتالمتحدة، إضافة إلي عدد من الاقاليم . وردًا علي هذا القرار، نددت تركيا بتبني مجلس النواب الألماني له، معتبرة أنه قرار باطل ولاغي ويشكل خطأ تاريخي، ويقف ورائه جماعات الضغط الأرمنية العنصرية، علي إثر القرار قامت أنقرة باستدعاء سفيرها في برلين للتشاور. وأعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان أن اعتراف البرلمان الألماني ب"إبادة الأرمن" على يد العثمانيين سيؤثر بشكل خطير على العلاقات مع ألمانيا، وأنه سيتخذ قرارا بشأن الخطوات التي سترد بها بلاده على القرار. وقال رئيس الوزراء التركي علي يلديريم، إن أنقرة ترفض بشكل قاطع، اعتراف ألمانيا بإبادتهم للأرمن، وهو ما سيشكل اختباراً فعلياً للصداقة بين تركياوبرلين، مشيرًا إلي أن 3,5 مليون تركي يقيمون في ألمانيا، ويساهمون بشكل كبير في الاقتصاد". وأضاف خلال اجتماع لحزب العدالة والتنمية، لا يحق لأصدقائنا الألمان أن يخيبوا آمال مثل هذه المجموعة، مؤكدًا أن الشعب التركي يفخر بتاريخه الذي لا يتضمن أي واقعة تدعونا للخجل أو لتنكيس الرؤوس. وأكد السياسيون والمتخصصون في الشأن التركي، أن القرار يمكن أن يمنع دخول تركيا للاتحاد الأوربي، وسيعمل على فضح سياساتها علي مستوي ملف حقوق الإنسان، كما أنه يمكن أن يعرضها لدفع تعويضات واعتذارات للأرمن. قال بشير عبد الفتاح، المحلل السياسي المتخصص في الشأن التركي، إن هذا القرار دلالاته من الناحية السياسية، فهو يعني نجاح الأرمن في الحشد الدولي لقضيتهم، حيث تعترف دولة بعد الأخري بأن المذابح التي تعرضوا لها بمثابة إبادة جماعية. وتابع أن القرار ربما يؤثر علي تركيا علي المدي البعيد، حيث يمكن إلزامها بتقديم اعتذارات رسمية وتعويضات للأرمن، وليس من مصلحتها التصعيد ضد ألمانيا، مشيرًا إلي أن قرار ألمانيا من الناحية القانونية غير ملزم ولا يؤدي إلي أي نتائج. وأوضح عبد الفتاح أن هذا القرار ذريعة جديدة في طريق التحاقها بالإتحاد الأوربي، حيث يمثل حاجزًا وعائقًا أمامها، كما يصعب من موقفها في ملف حقوق الإنسان،مؤكدًا علي أن فرص التحاقها للاتحاد الأوربي مستحيلة. وأضاف عبد الفتاح أن الإتحاد الأوربي لا يريد أن يتوغل في مشاكل الشرق الأوسط، لهذا فإن تركيا لن تنضم إليه، إضافة إلى أنها دولة مسلمة، وهو لا يريد أن يتلون ويصبح فيه أغلبية مسلمة لأسباب ثقافية. وصف محمود جابر، المحلل السياسي، هذا القرار بالمهم والتاريخي، ومن شأنه أن يعمل علي محاصرة السياسات التركية في العالم وأوربا، ومن تبعاته أيضًا عدم حصول الأتراك علي تأشيرة الانضمام للاتحاد الأوربي في القريب العاجل. وأوضح عبد الفتاح أن الضغط الألماني على تركيا سيعمل على فضح سياساتها على مستوى ملف حقوق الإنسان، وهو ما يؤثر على عليها اقتصاديًا، سواء في عمليات التصير والاستيراد من تركيا وإلى أوربا. وأشار جابر إلى أنه من الممكن أن يكون هناك تبعات أكبر لهذا القرار، ومنها عدم التعاون الأوربي مع أنقرة في قضايا الشرق الأوسط، ومطالبتها بدفع تعويضات وتقديم اعتذارات للأرمن، وتجميد أرصدة بعض المسئولين والمنظمات التركية، موضحًا أن رفض تركيا الالتزام بهذه القرارات حال صدورها يعني خروجها من المجتمع الدولي بشكل تام.