صلاح عنانى ليس مجرد فنان تشكيلى، بل مفكر صاحب رؤية قومية مصرية عربية تتسع لكثير من الحوار والجدل، ومهما تتفق معه أو تختلف فإنك لا تملك إلا أن تحترم مفاهيمه، التى تشى بكثير من الحصاد ودعم التنوير. لم يكن «عنانى» يوماً مهادناً أو منحازاً.. فقد التزم بفكر راديكالى يسارى ثورى، وعرف كيف يحافظ على مواقفه نقية شامخة لا تقبل الانكسار، ومنذ تخرجه فى كلية التربية الفنية عام 1977، اصطبغ فنه بشخصية مصرية زاهية الألوان ومتسعة الرقعة الأرضية لتشمل كيانات وأجساداً وأرواحاً وصلصالاً، هو من الفنانين العالميين القلائل الذى عرفته الجماهير من أعماله، منذ بداياته التى حملت بصمة واضحة عبَّر من خلالها عن مصر الصغرى والكبرى، فقد تجد فى لوحاته ملامح معاناة المصرى الذى تمتلئ وجهه بتجاعيد آلاف من السنين تكسوها غبار الأسى واللا أمل وربما ارتقاب المجهول.. لوحات صلاح عنانى فى مجملها، منذ انطلاقاته الأولى حتى الآن، هى لوحة واحدة ممتدة ترصد طين مصر وسماءها وخلودها، وهذه العبقرية المدهشة التى تملأ هذه الأرض العميقة بروح عجيبة من الائتلاف والتماسك وتحدى كل الغزوات والغزاة، ومها اختلفت أشكالهم وألوانهم، ليبقى النسيج المصرى الواحد أكثر زهواً ونضارة وارتقاء. شعب مدهش، كيف كانت أكبر الإمبراطوريات فى قمة الطمأنينة وهى تحتل بلادنا، واثقة أنها إلى الأبد ستكون له اليد الطولى أمام هذا الشعب المسالم الطيب، فإذا بهذا الكيان العظيم يتمكن من طرد هذه الإمبراطوريات، مهما علت رموزها، حتى تمكن المصريون أخيراً من طرد الغطرسة الأمريكية من بلادنا فتطهرت مصر من هذا الاحتلال القذر الذى استمر أربعين عاماً إلى غير رجعة. صلاح عنانى عمل رساماً صحفياً فى مؤسسة «روز اليوسف» لمدة عشر سنوات، ورساماً بمجلة صباح الخير، ثم عمل معيداً ومدرساً بقسم التصوير بكلية التربية الفنية جامعة حلوان ومدير قصر الغورى فى أكثر من سبعة معارض جماعية، وشارك فى ترينال نتبرج للرسم بألمانيا عام 1986، وبينالى القاهرة الدولى السابع 1998، ومعرض الأسبوع الثقافى المصرى بالشارقة بالإمارات عام 2000 واختير ضمن أربعين فناناً ممثلاً لمصر والشرق الأوسط لمؤسسة عام واحد بلوحة «هنا القاهرة» التى عرضت في معرض بألمانيا 1992، حصل «عنانى» على جائزة التصوير فى بينالى القاهرة الدولى السابع عام 1998، وله مقتنيات خاصة لدى إيطاليا وقبرص واليونان وفرنسا وألمانيا وأعماله توجد فى وزارة الثقافة المصرية ومتحف الفن المصرى الحديث، من أهم أعماله لوحة «جائزة نوبل نجيب محفوظ» عام 1988 ولوحة مهرجان القاهرة للمسرح التجريبى 1989 وعمل رسوم الفيلم التسجيلى «الأزهر والحركة الوطنية» للمخرج صلاح التهامى وقام برسم أغلفة روايات نجيب محفوظ المترجمة للفرنسية لدار نشر نوبل، وقام بعمل ملصق فيلم «إسكندرية كمان وكمان» ليوسف شاهين. بعد 18 عاماً من غيابه عن قاعات الفن التشكيلى يعود «عنانى» بإبداعاته فى قاعة المسار بالزمالك، معرضه الأخير أحسبه درة معارض 2016، فقد حشد من خلاله خبراته التى أودعها فى خزانة التجريب والابتكار حتى صار أميز ريشة عرفتها مصر فى السنوات الأخيرة.