أعتقد أن الخطأ الأكبر الذى وقع فيه أولئك الذين صاغوا ما يسمى بوثيقة المبادئ فوق الدستورية هو العنوان الغامض للوثيقة الذى فتح الطريق أمام الجدل. وأفسح المجال أمام الاجتهادات المختلفة. وكان يمكن لهؤلاء أن يسلكوا طريقاً واضحاً وصريحاً يحقق أهدافهم من أقصر الطرق، ويزيل حالة الضباب التى أحاطت بتلك الوثيقة سواء من التمهيد لها أو الإعلان عنها.. فى اعتقادى أن ذلك كله كان يمكن أن يتحقق لو أنهم صاغوها تحت عنوان وثيقة المبادئ فوق الشرعية. بصراحة أنا لم أفهم معنى المبادئ فوق الدستورية، ولكنى أفهم معنى المبادئ فوق الشرعية.. وهو ببساطة أن هذه المبادئ تعلو أى شرعية، وتجُب ما بعدها من خيارات حتى لو كانت من خلال صناديق الانتخابات أو الاستفتاءات.. فمثلاً إذا كان الشعب قد قال كلمته فى الاستفتاء الأخير وحدد خارطة طريق تتضمن انتخاب برلمان يتولى اختيار لجنة إعداد الدستور فهذا شأنه أى الشعب وإذا جاء البرلمان الذى انتخبه الشعب في انتخابات حرة واختار لجنة المائة التى تتولى إعداد الدستور الجديد، وقامت هذه اللجنة بوضع دستور يخالف أى بند من بنود الوثيقة فإن هذا الدستور لن يخرج الى النور وسيكون مجرد حبر على ورق. باختصار.. فإن الشرعية هنا للمبائ فوق الدستورية أو المبادئ فوق الشرعية إذا صح التعبير.. أما الشرعية المستمدة من الشعب وصناديق الانتخاب والاستفتاء فهى شرعية مشروطة.. والديمقراطية التى صدعوا بها رؤوسنا ليل نهار هى ديمقراطية تفصيل.. وثورتنا التى أبهرت العالم هى ذكرى جميلة فى كتب التاريخ وسجل الأيام وأجندة الأحداث. لقد ذكرنى أولئك الذين صاغوا تلك الوثيقة بترزية قوانين الحزب الوطنى الذين كانوا يدبرون بليل لإصدار قوانين مشبوهة، وادخال تعديلات دستورية سيئة السمعة.. فالأجواء التى أحاطت بتلك الوثيقة هى نفسها التى كنا نعيشها فى ظل نظام الرئيس المخلوع.. البداية كانت دائماً تسريبات من هنا، وشائعات تنتشر من هناك، ثم يعقب ذلك نفى قاطع لما يتردد، وبعدها تبدأ الإرهاصات وتنعقد الاجتماعات، وقبل ان ينفجر بركان الغضب الشعبى يكون التشريع قد أخذ طريقه الى البرلمان، ويتم التصويت عليه على طريقة عمنا الدكتور فتحى سرور أو سرور التاسع عشر كما كان يطلق عليه واليوم يحدث نفس الشىء على اختلاف بسيط فى السيناريو يفرضه عدم وجود برلمان. الشىء الغريب فى هذه الوثيقة انها مازالت تبحث عن أب شرعى.. فلا أحد يدرى من الذى يقف وراءها؟ ومن الذى منح لنفسه حق الوصاية على الشعب؟ ومن الذى فكر ودبر بليل؟ ومن الذى يملك القدرة على استفزاز شعب جريح ينتظر أن يحصد ثمار ثورته؟ ليس من المقبول أن يكون مسئول أو اثنان فى الحكومة وراء كل ما يحدث، ولا حتى الحكومة بأكملها لسبب بسيط، وهو ان هذه الحكومة لا تملك من أمر نفسها شيئاً، وهى حكومة فاشلة وعاجزة عن تسيير الأعمال، ولا تملك رؤية ولافكراً لإدارة حى من أحياء القاهرة، ولايصلح رئيسها أن يكون رئيساً لحى الدقى فما بالنا بمسئولية إعداد وثيقة تجهض ثورة شعب! إن ما يحدث فىمصر الآن لا يخرج عن احتمالين لا ثالث لهما: الأول أن الشعب المصرى أعطى توكيلاً للحكومة المؤقتة والزعيم عصام شرف بتحديد ملامح المستقبل واتخاذ ما تراه من قرارات جوهرية لتحقيق آمال ومصالح الأمة وهو بالقطع لم ولن يحدث، أما الاحتمال الثانى فهو فرض الوصاية على الشعب من جانب مجموعة نصبوا أنفسهم أوصياء على الوطن، ومنحوا أنفسهم الحق في تحديد مصيره.. ولهؤلاء أقول: إن الشعب لم يعد يطيق أو يحتمل وجودكم أكثر منذ لك فأنتم أفشل وزراء وأسوأ حكومة وسترحلون غير مأسوف عليكم بعد أسابيع قليلة.. فالانتخابات القادمة ستفرض التغيير وستطيح بكم من مواقعكم التى وصلتم اليها فى غفلة، وفى فترة ارتباك وفوضى.. فكيف تنصبون من أنفسكم أوصياء على الشعب، وكيف تتخذون مثل هذه القرارات المصيرية رغم ان عمركم الافتراضى قد انتهي، ورصيدكم قد نفد ورحيلكم عنا أصبح وشيكاً؟ إنكم لم تستوعبوا الدرس جيداً.. فالشعب لن يقبل بالوصاية، ولن يرضى إلا بديمقراطية كاملة غير منقوصة، وإذا كانت الثورة قد حصدت ألف شهيد من أجل إسقاط نظام الطاغية.. فإن الشعب المصرى على استعداد ان يقدم مائة ألف شهيد في ثورة جديدة لإسقاط نظام الوصاية الذى يعيدنا إلى الوراء عشرات السنين.. انتبهوا يرحمكم الله!