لقد حفل تاريخ الحياة السياسية والبرلمانية بعدد هائل من رموز وطنية مسيحية منذ عام 1866 وحتى عام 2010 مثل النواب : جرجس برسوم، والمعلم فرج عمدة دير مواس، وويصا واصف رئيس مجلس النواب 1934 والذي أعيد انتخابه أكثر من مرة، وسنيوت حنا عضو اللجنة التشريعية للحزب الوطني القديم عام 1913 وصاحب المقولة الشهيرة «الوطنية ديننا والاستقلال حياتنا» والبابا كيرلس الخامس عضو مجلس الشورى والذي أعلن أن الإنجليز يمثلون مكمن الخطر على أقباط مصر، وفخري عبد النور المجاهد الوطني الذي واتته المنية وهو يقدم 3 استجوابات هامة وخطيرة تحت قبة البرلمان.. ووصولاً إلى منير فخري عبد النور سكرتير عام حزب الوفد السابق ووزير السياحة الحالي، والقمص بولس باسيلي أول وآخر كاهن يدخل البرلمان بالانتخاب الحر المباشر.. وعليه فحكاية التركيبة الجينية القبطية والامتثال الكهنوتي الذي قد يحول دون المشاركة السياسية مجرد افتكاسات لا يمكن اعتمادها، أليس كذلك؟! وأناشد من ينادون بضرورة مقاطعة الانتخابات القادمة احتجاجاً على أحداث ماسبيرو أن يتراجعوا، فلو كان حافز المشاركة هاماً قبل تلك الأحداث، فإنني أراها أهم بعد وقوع تلك الأحداث.. ولكن يتبقى الوقوف عند بعض الخواطر وعلامات الاستفهام التالية التي أطرحها من واقع تاريخ الممارسة السياسية للمواطن المصري المسيحي على قداسة البابا شنودة الثالث : يا قداسة البابا شنودة.. لايمكن أن نتصور رأس الكنيسة وقد اصطف إلى جوار من تجاهلوا عذابات أم الشهيد المصري الذي لقى حتفه وسالت دماؤه على أرض كورنيش النيل.. هل من المقبول أن تطالب أسر الشهداء بعدم اللجوء إلى القضاء، وسؤالكم: هاترفعوا القضية على مين؟ وكأنكم نسيتم تأكيدكم على أن دم الشهداء لن نهدره؟!.. لماذا تؤكدون تدخل الكنيسة في كل شىء؟!.. من طلب من قداستكم ذلك؟!.. كيف يمكن قراءة تصريحكم في وجود أسر شهداء لملموا أشلاء جثث شباب ثوري عظيم التكوين الوطني من على بلاط المستشفى القبطي، فتقول لهم : الكنيسة حزينة على من قتلوا، ولكن لابد من مراعاة أن هناك مجموعة أقباط مقبوض عليهم، ونحن نحاول الإفراج عنهم؟! كيف يمكن التصريح بأنه لا يمكننا اللجوء للقضاء الدولي، لأننا سنتهم بخيانة البلاد؟!.. ثم وفي نفس اللقاء تسمحون لنيافة الأنبا موسى بالتصريح أن أسقفية الخدمات ستقوم بتشكيل لجنة لتلقي شكاوى أسر الشهداء، ودعوته لكل من لديه دليل أو مستند حول موقعة ماسبيرو تسليمها للجنة لتقديمها للقضاء.. هناك لجوء للقضاء أم لا؟.. من نصدق قداسة البابا أم أسقفه؟! لماذا قبلتم العزاء من رموز الدولة، وكأننا لم نقم بثورة على نظام اختزل ملايين الأقباط في شخصكم ياقداسة البابا؟!.. لماذا نُضيع على شباب ماسبيرو دوره الوطني التاريخي، عندما قرر التوجه إلى ماسبيرو بدلا من الوقوف على باب الكاتدرائية مُلقيا بنفسه في حضن الوطن الأرحب، فتصرون ملاحقته بكهنة ورموز دينية، وهم يطالبون بحقوق وطنية أصيلة؟!.. لما تصرون على خلط الأمور بين مفهوم التحقيق الدولي، والتدخل الدولي؟!.. لماذا لاتقف مع من يرفضون إهدار الحقوق السياسية للمواطن المصري عندما يطالبون بتفعيل المواثيق الدولية الموقعة من الحكومة المصرية؟! قداسة البابا، لقد وصل الأمر بمن يرون في مواقفكم السياسية أنها مواقف روحية دينية، وإلا اعتبرنا – من وجهة نظرهم – أن السيد المسيح قد صلبوه لأنه قد ألقى بنفسه فى مربع السياسة؟!.. هل يرضيكم وصول الأمر إلى هذا الحد من القراءات الخاطئة للكتاب المقدس، لالتماس الأعذار للكنيسة والتبرير لدخول رموزها في معترك الحياة السياسية؟! هل من المقبول ترديد مقولة شهيرة لرمز ديني في زمن الاحتلال، بصياغة حديثة «لو أمريكا اللى هتحمى الاقباط فى مصر وتفرض الحماية الدولية على مصر فليموت الاقباط ولتحيا مصر «؟!.. قداسة البابا مصر دولة كبرى في تاريخها الوطني.. دولة مستقلة ذات سيادة، ولم يفوض أحد الحديث باسم الأقباط، أقباط مصر بعد ثورة يناير لن يتحدث أحد باسمهم..ولكنهم كأقباط يصطفون روحياً خلف كاهنهم الأعظم يتعلمون صحيح دينهم من الإكليروس، ويعترفون أمامهم على مقربة من المذبح بخطاياهم، ويمارسون خلفهم كل طقوس المسيحية بخشوع، وهذا هو دورهم.. لماذا تطالبون الأقباط بالتوقف عن أداء التراتيل الحزينة؟!.. هل تريدها قداستكم مبهجة مستبشرة احتفالاً بمشاهد الضحايا والدماء المصرية على أسفلت كورنيش النيل العظيم؟! كنت أنوي التوقف عند كل تلك الأسئلة، ولكنني رأيت أن أذكر قداستكم بورقة من ورقات التاريخ المصري، وهو العلم الذي تخصصتم فيه.. عن ثورة البشموريين، وكيف تم استخدام الجانب الروحي لإخماد ثورة البشموريين، عندما تم استدعاء الأنبا ديونيسيوس البطريرك الإنطاكي و الأنبا يوساب الأول بطريرك الأقباط وطلب منهما تحت التهديد أن يتعاونا في إخماد ثورة الأقباط، وقد أجابا بكل أسف طلب ولاة الأمر وحررا للثوار رسالة بها نصائح ومواعظ يحُثان فيها الثوار أن يلقوا بسلاحهم ويسلموا أنفسهم لولاة الأمر. وفي الوقت الذي كان الثوار في أمس الحاجة للمعونة المادية والمعنوية حتى يتمكنوا من التخلص من الظلم والاستبداد الأجنبي، إذ بالقادة الروحيين يخدعونهم فيدعوهم إلى الاستسلام. ولا شك أن هذا الموقف من طرف القادة الروحيين كان له أثره البالغ على الأقباط أكثر من كل القوى التي كانوا يقاومونها. ولكن على الرغم من كل هذا فقد رفض آباؤنا الأقباط في إباء وشمم هذه النصائح الاستسلامية وفضلوا أن يعطوا أرواحهم فداء لمصر وعقيدتهم..وهنا نذكر أيضاً ما قاله جمال الغيطانى: إن الارتباط بالأرض نتاج طبيعي للوضع التاريخي والجغرافي والحضاري لمصر، وتمسُك القبطي بأرضه ووطنه حتى الموت. يشهد عليه تقديم هذا العدد الهائل من الشهداء الأقباط الذين افتدوا مصر منذ القدم وحتى وقتنا. ولعل ثورة البشموريين في عام 824 خير دليل على ذلك.. قداسة البابا : الدماء لم تجف والدموع في المآقي ندية كأجساد الضحايا، ولن نكف عن أداء تراتيل الحزن..