أيها الأخوة الكرام: الله جل جلاله عفو كريم، يعفو عن السيئات، ويعفو عن كثير، فإذا تاب العبد توبةً نصوحة أنسى الله حافظيه، وجوارحه، وبقاع الأرض جميعها خطاياه وذنوبه. فالعفو كما يقول علماء اللغة أبلغ من المغفرة لأن الغفران يُشعر بالستر، بينما العفو يشعر بالمحو، والمحو أبلغ من الستر، وقد أمر الله جل جلاله نبيه الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم بالعفو والصفح، فقال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [سورة الأعراف:199] وقال أيضاً: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ [ سورة الحجر: 85] وقد فهم النبي عليه الصلاة والسلام العفو بأن تعطي من حرمك، وأن تصل من قطعك، وأن تعفو عمن ظلمك، وقد أمر الله المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال جل جلاله: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [ سورة البقرة: 109] أيها الأخوة الكرام: أجمع علماء التفسير على أن قوله تعالى: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [سورة النور: 22] أجمع علماء التفسير على أن المقصود بكلمة أولي الفضل سيدنا الصديق رضي الله عنه، كان يعطي مسطحاً، فهو من أقربائه الفقراء الذين هاجروا في سبيل الله.. حينما أشاع في المدينة حديث الإفك امتنع عن العطاء، فعاتبه الله جل جلاله وقال: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ أي إذا كنت مكلفاً من قبل الحق جل جلاله أن تعفو عمن أشاع في المدينة حديث الإفك الذي لا يحتمله أب فكيف بما دون ذلك من الذنوب؟ إذا كان هذا الذنب الذي لا يُحتمل قد أمر المؤمن أن يعفو عن قائله فكيف فيما سوى ذلك من الذنوب؟