ما كان يتوقع أحد من أهالى الإسكندرية أن يقع أحد أكبر إمبراطوريات البناء المخالف فى يد القبضة الأمنية.. وما كان أحد يتوقع أن يقع «م. ه» فى قضية رشوة نظراً لحجم أعماله الكبير ودولاب عمله الأكبر ومساعديه من كبار القوم الذين يعملون معه من وراء الستار فى مواقع مختلفة.. ولسنا هنا جهة تحقيق لأن القضية محل تحقيق بنيابة الأموال العامة تحت إشراف المستشار شريف صفارة، رئيس النيابة. وفى الحقيقة القضية تنسب لجهاز الرقابة الإدارية بالإسكندرية صاحب الفضل كسابق عهد وتاريخه فى ملاحقة الفساد الحكومى. حيث تم القبض على «م. ه» وشهرته «سوسو» صاحب إحدى الشركات الكبرى للاستثمار العقارى وغيره لاتهامهم فى قضية رشوة بمبلغ 800 ألف جنيه لمقاول الهدم بحى المنتزه أول ويدعى «أ.ز» مقابل عدم تنفيذ قرار الإزالة للطوابق من الرابع علوى وحتى الدور العشرين لأحد العقارات المقامة بدون ترخيص والذى تسلمه مقاول الهدم من الحى لتنفيذ قرار الإزالة الصادر من المحافظة، كما تم القبض على المهندسة «م.م.ر» بإدارة المشروعات بالحى، وذلك عقب نزولها من سيارة الراشى، وتقاضيها مبلغ 100 ألف جنيه مقابل عدم اتخاذ الإجراءات حيال عدم تنفيذ المقاول لقرار الهدم.. وتحرير محضر يتضمن اعتراض السكان على تنفيذ قرار الهدم بعد إجراء عملية تسكين وهمية بالمخالفة للحقيقة. ومازالت التحقيقات جارية وتم تجديد الحبس للمتهمين ولا يهمنا هنا أن نعرف من المتهم ومن البرىء لأنه شأن القضاء ولكننا نسلط الضوء على فساد بعض مهندسى الإدارات الهندسية الذين يبيعون القانون ويتحايلون عليه بالاتفاق مع المقاولين الفاسدين والذى يكون نتيجته الطبيعية استفحال بعض المقاولين أمثال «سوسو» وتكوين ثروات هائلة من جراء البناء المخالف. ولا يهم «سوسو» أو غيره أن يمثل البناء المخالف عبئاً على البنية التحتية ويضر بشبكات الصرف الصحى والمياه والكهرباء فى الوقت الذى تعجز فيه الدولة عن حل هذه المشاكل، خاصة لو انسدت مواسير الصرف بسبب الأحمال الزائدة ونفس الشيء فى باقى الخدمات، ومعه تنهار المنازل المخالفة، وهى المعضلة التى تؤرق المهندس محمد عبدالظاهر، محافظ الإسكندرية، منذ توليه المسئولية. بدأ المقاول «سوسو» حياته فى مهنة السباكة ثم اشترى محلاً للسباكة ثم شارك أحد المقاولين ومن هنا كانت نقطة البداية للأحلام التى كانت تراوده منذ أن كان سباكاً مع المقاولين الكبار بحى المنتزه، ثم مع كثرة العقارات التى بناها بأسماء الكواحيل حتى لا يقع تحت طائلة القانون قام فى أحد عقاراته بتزوير مستند خاص بدخول الكهرباء فتم حبسه لمدة عام فخرج من السجن واستعاد نشاطه ونجح فى تكوين إمبراطورية كبيرة مستعيناً بالكبار لتسهيل مهامه فى البناء المخالف حتى استطاع بناء أكثر من 50 برجاً سكنىاً كلها مخالفة، ول«سوسو» طريقة فى العمل، حيث يقوم بإنشاء شركة لكل عقار جديد باسم كحول أو باسم صاحب الأرض أو العقار القديم حتى يكون فى مأمن من المسئولية وبعيداً عن المحاسبة أو مخالفات المبانى، وله واقعتان شهيرتان خلال عمله، قام فى إحدى السنوات أوائل الألفية الثانية بعمل إعلانات «اشترى شقة تحصل على الثانية مجاناً»، وهو موضوع حقيقى ولكنه فتح العيون عليه وأحدث مشاكل كثيرة فقام بإلغائه.. والواقعة الثانية عندما استطاع إقناع اللواء طارق المهدى بافتتاح أحد العقارات التى صممها «سوسو» لتعمل بالطاقة الشمسية، وكان فى ذلك الوقت منذ حوالى ثلاث سنوات.. يحب طارق المهدى أن تدخل الطاقة الشمسية فى كل مكان ويشجع على ذلك، ولكن الشيء المضحك فى هذا الموقف أن المهدى عندما حضر لافتتاح العقار فوجئ بأن العقار مخالف وارتفاعه عشرون دوراً، فارتبك المهدى وأحمر وجهه وكان هذا الموقف حديث الإسكندرية جميعها بسبب الإحراج الذى وقع فيه المحافظ ولكنه فى النهاية افتتح المشروع، كما وقع «سوسو» فى مشكلة كبيرة فى العقار الذى بلغ 22 طابقاً بشارع خالد بن الوليد والملاصق لجامع سيدى بشر على البحر.. مش بس عقار مخالف.. لأ.. الأكثر من ذلك هو رفض «سوسو» تسليم حصة صاحب الأرض وهي ثلاثون شقة من العقار الجديد عقب الانتهاء من إنشائه، فقام «م.ع» صاحب الأرض برفع دعوى قضائية ضده وحصل على حكم نهائى باستلام الشقق خاصته بحكم تنفيذى وهذه الواقعة عرفها القاصى والدانى فى الإسكندرية بأن «سوسو» رفض يعطى صاحب الأرض حقه فى العقار، مما جعل أصحاب المنازل والأراضى الذين سيتعاقد معهم «سوسو» يتراجعون عن عقود المشاركة.. المصيبة الأكبر فى هذا العقار أن الأرض التى تم البناء عليها هى فى الأصل ملك لهيئة الأوقاف، وسبق لهيئة الأوقاف أن أصدرت عليها خطابات استبدال وقف القاضى حسين لبعض المتقدمين إلا أن سوسو لعب لعبته واتفق مع صاحب العقار القديم وضرب بهيئة الأوقاف عرض الحائط حتى بلغ العقار 22 طابقاً تشاهد جميع وحداتها شاطئ سيدى بشر.. ولا عزاء لهيئة الأوقاف وضياع حقوق ورثة القاضى حسين، فى الحقيقة كون «سوسو» ثروات طائلة من البناء المخالف بأسماء كواحيل مستغلاً التشريعات الفاسدة والمهندسين الفاسدين، وبالتالى هرب من سداد الضرائب المقررة عليه، ولكن جهاز الكسب غير المشروع لابد وأن يحقق فى هذه الثروات حتى ولو كانت العقارات التى بناها بأسماء وشركات كواحيل.. وصدق المهندس محمد عبدالظاهر، محافظ الإسكندرية، عندما قال إن قضية الرشوة ضربة قوية لمافيا العقارات المخالفة والتى تم ضبطها بعد التعاون والتنسيق بين المحافظة والأجهزة الرقابية من أجل القضاء على المخالفين والفاسدين والمرتشين، وأكد محمد عبدالظاهر أن هذه الضربة هى ضربة قوية والأهم والأخطر فى هذا التوقيت لمافيا العقارات المخالفة بالإسكندرية. وأضاف المحافظ أن الأجهزة الرقابية قامت بمراقبة جميع الأطراف والمشاركين معهم لمدة دامت أكثر من شهر والنصف حتى تم ضبط المقاول متلبساً ومن معه من المعاونين من مهندسى ومقاول الهدم، مؤكداً أن جميع الأجهزة الرقابية تعمل جاهدة على ضبط جميع المخالفين واتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم وأن المحافظة لن تتهاون أبداً فى محاسبة المقصرين والضرب بيد من حديد على جميع الفاسدين والمرتشين وغير الملتزمين بتنفيذ القانون.. وأشار المحافظ إلى أن أحداً لن يفلت من الحساب وشدد على تنفيذ قرارات الإزالة تباعاً، وإعمال القانون على الجميع حتى يشعر المواطنون الشرفاء بالتعاون مع الدولة فى القضاء على ظاهرة البناء المخالف التى تتسبب فى العديد من المشاكل بدءًا من مشكلة التكدس المرورى وطفح الصرف الصحى وانقطاع المياه مروراً بالنظافة والكهرباء وحتى انهيار العقارات المخالفة التى تعرض حياة المواطنين للخطر، ووجه المحافظ نداء للمواطنين بعدم شراء شقق تم بناؤها فى عقارات مخالفة لأن مصيرها الإزالة وضياع مستحقاتكم.