الإعلامي فهمي عمر واحد من جيل الرواد الذين شكلوا الإعلام المصري وأسهموا في دوره التنموي والتثقيفي للناس. استطاع بأسلوبه المميز أن يخلق لنفسه مكاناً خاصاً مع الجمهور، بالرغم أن العمل الإذاعي لم يكن من طموحاته منذ البداية، ولكن سحر «الميكروفون» جذبه ليحقق هذا النجاح الكبير ولأننا نعيش عصر الانفلات كان علينا ان نذهب إلي أحد الرواد لكي يتحدث عن المشهد الإعلامي.. وجدنا «فهمي» ليس مهموما بالإعلام ولكنه يشعر بغضب شديد من حملات السخرية علي مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسي «صبح علي مصر» وهي رسالة نصية هاتفية يذهب عائدها لصالح «صندوق تحيا مصر»، وأشار إلي أن من يطلق حملات السخرية لا يعرف شيئاً عن التاريخ ولا يستحق أن يكون مصرياً يعيش علي أرض هذا البلد وينعم بخيراته. وأكد «عمر» ان الإعلام كان عليه أن يقف إلي جانب مصر بدلا من ان يحولها إلي مادة للنقد، وقال إن مصر في حاجة إلي فنانين بحجم «كوكب الشرق» أم كلثوم التي ذهبت إلي كل مكان في العالم للغناء من أجل مصر وأيضا في حاجة إلي إعلام يرفع الروح الوطنية للشعب، فلا يمكن أن نحمل المسئولين كل شىء ونحن نجلس مرفهين في انتظار الحلول فقط. في حوار مع «الوفد» تحدث الإعلامي فهمي عمر عن حال الإعلام في الفترة الحالية، والفرق بين الأجيال الحالية والماضية في كافة المجالات ورؤيته للمشهد السياسي الحالي لمصر. كيف يري فهمي عمر سنوات عمره الإعلامي والسياسي؟ - رحلتي مليئة بالكفاح منذ ان كنت طفلا يذهب إلي مدرسته وهو يسير علي قدميه لأكثر من 15 كيلو، في البداية كان يروادني حلم العمل في القضاء، ولكن تغير الحال وتقدمت لاختبارات الإذاعة، واستطعت اجتيازها بنجاح، وبدأت بتقديم نشرة الأخبار وبعدها حاورت العديد من الشخصيات المهمة في مصر، حتي عشقت العمل الإعلامي إلي جانب التعليق الرياضي، وبعدها تقلدت العديد من المناصب الإذاعية، فأشعر برضا تام عن سنوات عمري المهني وفخور بعطائي الإعلامي والسياسي، واتمني أن يكون الجمهور راضياً عني. الفرق بين أهل الفن والرياضة والإعلام الآن.. وعباقرة الزمن الجميل؟ - زمان كان حب الوطن مرتبطاً بكياننا، فكان الجميع يسخر نفسه لخدمة وطنه وحل مشاكله وأزماته من أجل العبور لمستقبل جديد وبناء وطن كبير ومتقدم، فكانت سيدة الغناء العربي أم كلثوم تذهب إلي جميع بلاد العالم تغني بصوتها الرائع الذي يعشقه كل من يحب الغناء وتدعو الجميع للتبرع إلي مصر بدون الشعور بأي خجل أو تعالٍ علي الأمر، وكان بالفعل يستجيب لها الجميع وتصل التبرعات إلي ملايين الجنيهات، بالإضافة إلي استقبال ملوك ورؤساء الدول لها بشكل حافل لانهم يقدرون قيمة وعظمة مصر. ما فعلته أم كلثوم فعله كافة الرياضيين والإعلاميين، فكانت مباريات كبيرة تقام من أجل مصر، ولم يتوقف قلم عن الكتابة من أجل مصر ولم يهدأ صوت إعلامي عن مناداة الناس للخوف علي الوطن والعمل من أجله، ولكن في الوقت الحالي هناك حالة من اللامبالاة من قبل الجميع، الفنانون يمتلكون ملايين ويبخلون بالتبرع لمصر، والإعلاميون «يستفون» أموالهم فقط ولم يكتفوا بذلك بل يحاولون إشعال الفتن من أجل زيادة المال، فنحن في حاجة إلي الاهتمام بمصر وأمنها واستقرارها وإعلاء رايتها في المقام الأول وقبل أي شيء. هل تري أن الإعلام فقد وقاره في الوقت الحالي؟ - الإعلام في الوقت الحالي لا يعرف معني الوقار، وأصبحت الصورة تعني فقط «الصوت العالي والشرشحة» وكأن استديوهات البرامج تحولت إلي حارات وأزقة للعراك وتصفية الحسابات، وبدلا من الدور الإعلامي الحقيقي كسلاح لتنوير المجتمع وتثقيفه، أصبح سلاحاً لذبح الوطن تحت راية حرية الإبداع، وما يشعل بداخلي الغضب هو انتقاد رئيس الجمهورية بأسلوب بعيد تماما عن حدود اللياقة والأدب لا يليق بالحديث مع كبير العائلة المصرية، مثل ما شهدناه عند إطلاق مبادرة «صبح علي مصر»، وبعدها خرج الكثير من الإعلاميين ينتقدون المبادرة بشكل «فج» وكأن من يشارك بها خائن لوطنه، فمن يفعلون ذلك من وجهة نظري لا يستحقون الحياة علي أرض مصر، لانهم يأخذون من خيرها فقط ولا يعطونها شيئاً، بل يقومون بإشعال الفتن بين الناس كما ذكرت. هل تؤيد مقولة ان الإعلام المصري يستقبل المعلومة ولا ينتجها؟ - بالطبع.. في الوقت الحالي لم يعد هناك إعلامي ينتج معلومة، فالجميع يحصل علي المعلومات من المواقع الإلكترونية ويبني عليها حوارات ومناقشات، يحركها مالك القناة تبعا لأجندته الخاصة، ولذلك لم يعد هناك مصداقية للإعلام في الوقت الحالي، وهذا سبب سقوطنا علي مدار السنوات الماضية في فخ الشائعات. - هل يحتاج المعد في القنوات التليفزيونية إلي تأكيد أهمية التحري والاستقصاء عن صحة الأحداث؟ - أبسط قواعد العمل الإعلامي التحري عن الخبر والتأكد من صحته قبل نشره للناس، ولكن كما ذكرت في الوقت الحالي الكل يعمل تبعاً لأجندته الخاصة بدون التفكير في الآثار السلبية للمعلومة إذا كانت خاطئة والسبب هو إعلاء المصالح الشخصية علي مصلحة الوطن. تضع الدول الأوروبية ترسانة من القوانين الصارمة علي الإعلام لحماية المشاهد، متي سنطبق ذلك؟ - في الدول الأوروبية هناك قوانين لا يمكن تجاوزها من قبل الإعلاميين، لان هذه الدول تحرص علي عدم نشر الفوضي والتفكك في مجتمعنا، ولذلك من يتخطي هذه القوانين يجد عقوبات رادعة، أما في بلدنا الإعلام يعيش حياته «بالطول والعرض» بدون أي حسابات ولذلك يجب فرض هذه القوانين هنا حتي نحقق الدوري التنموي والتثقيفي الذي لابد ان يقوم به الإعلام كما هو الحال في جميع العالم، ويكفي الكوارث الإعلامية التي حدثت علي مدار السنوات الماضية ومازلنا نحصدها حتي الآن. ما سبب غياب دور الإذاعات المحلية كجزء من إعلام الدولة؟ - قديما كانت الإذاعات المحلية هو المسيطرة علي الأقاليم، وكانت تستطيع الوصول إلي الناس والاستمرار معهم أكثر من التليفزيون المحلي، ولكن في الوقت الحالي أصابها التهميش ولم يعد هناك اهتمام بها ولذلك لم تعد قادرة علي تحقيق دورها. بعيدا عن أزمة الإعلام.. غضب منك والدك وقرر مقاطعة سماع الراديو.. لماذا؟ - بابتسامة.. قصتي مع والدي لطيفة للغاية، فكان يريد ان أعمل في القضاء، لأن رجل القضاء ذو سلطان وهيبة وعندما عملت بالإذاعة رفض سماع «الراديو» نهائيا، بالرغم من مطالبي لجميع أقاربي بالاستماع إلي برامجي بالإذاعة، إلي أن جاء يوم يجلس فيه أبي مع عمداء وشيوخ القرية ومديري الأمن، وقال له أحدهم كيف استطاع ابنك تحقيق هذا النجاح الكبير، فخرج أبي من المجلس وبداخله شعور بالعظمة، وأرسل «غفير» لشحن «بطارية الراديو» في قرية مجاورة علي بعد ساعتين من القرية التي نعيش بها، واتصل بي هاتفيا بعدها ليهنئني علي نجاحي. كرئيس شرفي للقبائل العربية.. كيف نواجه الإرهاب بمساعدتهم، خاصة أن معظم محافظات الحدود بها القبائل؟ - مصر بها قبائل في كل مكان، وبينهم صلة نسب مع القبائل العربية، وبعد اجتماع الرئيس السيسي مع القبائل قررنا ان نضع خطة لمساعدة الدولة في حربها علي الإرهاب، وأنا شخصيا أؤيد الرئيس السيسي وأري أن كل ما يفعله من أجل الوطن وعلينا مساندته في قراراته ومشروعاته وعلي الإعلام ان يقوم بدوره أيضا بمساندة الرئيس في مشروعاته وقراراته من أجل مصر. من لقبك بالمذيع الصعيدي؟ - هذ اللقب بدأ منذ أن كنت في اختبارات الإذاعة بسبب لهجتي الصعيدية، وكانت أم كلثوم تناديني به دائما، وأيضا الرائعة فاتن حمامة رحمها الله عندما كانت تأتي إلي الإذاعة تسأل أين المذيع الصعيدي الجدع وكذلك الرئيس السادات رحمه الله. نجحت في لم شمل الجمهور حول «ميكروفون» الإذاعة الرياضي، ولقبوك بشيخ الإعلاميين الرياضيين؟ - اعترف أنني زملكاوي حتي النخاع، ولكن هذا لم يمنعني من الحياد في التعليق علي المباريات وتحليلها، فالرياضة «فن وهندسة» ولكن للأسف يتم تمويلها حاليا في برامج لا تنتمي إلي الرياضة، وكنت أتمني أن يبتعد نجوم الرياضة عن تقديم البرامج. مواقف لم ينسها فهمي عمر في حياته؟ - في الحقيقة هي كثيرة.. ولكن أتذكر صباح يوم 23 يوليو عندما ذهبت إلي الإذاعة ووجدتها محاصرة من جنود الجيش، وعندما صعدت إلي استراحة المذيعين لفت نظري الضابط أنور السادات، وبدأت ألقي النشرة وبعدها قام السادات بإلقاء بيان الجيش، وكانت ردود أفعال الناس في الشوارع عظيمة، وبعدها بسنوات قابلته في حفل لعائلة «عثمان» وعندما دخلت الحفل شاهدته مع المهندس عثمان أحمد عثمان وعندما سلمت عليه قال «هذا المذيع أهداني الميكروفون لإلقاء بيان الثورة وضحك وداعبني «دايما فاكرك»، أما الحادث الذي لن أنساه هو قتل ابني في انتخابات مجلس الشعب، فمازلت افتكره حتي الآن وأعيش علي ضحكته وشقاوته.