كما توقعنا في جريدة «الوفد» في العدد الذي صدر في 5 ديسمبر الماضي بان الضجة التي صاحبت الإعلان عن قيام المطربين محمد منير وعمرو دياب بتقديم أغنية مشتركة بعنوان: «القاهرة» خاصة ان البعض صور الأمر علي انه لقاء سحاب لم تكن مقبولة وقلنا في هذا التقرير انه لا سحاب إلا لقاء أم كلثوم وعبدالوهاب، فأغنية «أنت عمري» هي القمة الحقيقة التي جمعت كبيري النغم والغناء في عالمنا العربي. أو يهنئا بهذا اللقب وعليهما ان يظهر للناس ويقولا معاً لا سحاب إلا أم كلثوم وعبدالوهاب. - مرت الأيام سريعاً وطرح عمرو دياب أغنيته «القاهرة» ومعه ضيف الشرف محمد منير. وجاءت الأغنية كما توقعنا أقل بكثير من الضحة التي حدثت حول إطلاق المشروع، فهو عمل أقل بكثير من مكانة النجمين علي مستوي الكلمة واللحن والتصوير. علي مستوي الكلمات التي كتبها تامر حسين جاءت أغلبها مكرر ومستهلك ماذا تقول الأغنية.. كإنها بنت جميلة بتنادي عليك فيها سر بيخليها دايما حلوة في عينك يا سحرها.. عشقتها.. بحبها القاهرة ونيلها وطول ليلها وأغانيها ومواويلها وحكاويها آه يا جمالها القاهرة تجيلها تحنلها وتهواها ما تنساها وتتحاكي بأحوالها هنا ناس تسيل عنك همك وتقاسمك فيه وفي عز فرحك تفرحلك وتجاملك فيه ناس يوحشك لما يسبوك ويفكروك بالقاهرة ونيلها وطول ليلها يا جمالها ساعة العصرية في مركب ع النيل مع صحبة حلوة وأغنية ع الشوق والليل للمغرمين والعاشقين والسهرانين استعرضنا كلمات الأغنية حتي يتعرف القارئ علي ما جاء بها لكي يحكم معنا علي المفردات التي وردت بها والتي تبدو مستهلكة للغاية ولا يوجد بها مواطن جمال أو بلاغة وشتان الفارق عندما تستمع إلي أغنية مثل «هنا القاهرة» كلمات سيد حجاب وإلحان الراحل العبقري عمار الشريعي وغناء أهم نجوم الغناء في النصف قرن الأخير علي الحجار. فارق كبير بين العملين في البلاغة وقوة الجملة والمفرد. أما عن لحن الأغنية الذي وضعه عمرو دياب وأحمد حسين، فهو متواضع جداً ومن أول وهلة تشعر وكأنك استمعت له من قبل في إعمال كثيرة لعمرو دياب، والعمل عبارة عن جملة لحنية واحدة وهناك ملحنون لها من هو يا تري صاحب الجملة هل عمرو أم أحمد حسين أم ان كلاً منهما وضع نصف الجملة. وهذا أمر تكرر كثيرا في أعمال عمرو دياب رغم ان الحكاية لا تستحق، وبالنسبة تصوير الأغنية سأكتفي هنا بتعليقات الجمهور الذي شاهد العمل حيث أجمع الكل علي ان القاهرة التي قدمها شريف صبري هي قاهرة عمرو دياب ومحمد منير اللذين دائما ما يتابعنها من خلف نوافذ الفنادق الكبري، فالجمهور الطبيعي يري جمال القاهرة في أحيائها العريقة القديمة وشوارعها المملوءة بالحيوية ليل نهار القاهرة التي لا تنام. لكن علي ما يبدو وان المخرج شريف صبري كان يتعامل مع عمرو دياب وفرقته علي أنه القاهرة وناسها ولياليها. الشيء الأغرب ان الغناء لا يوجد فيه شيء اسمه ضيف شرف ودائما هذا الجيل يبحث عن مسميات من أجل التفخيم وإبراز النجومية، وكذلك للهروب من ترتيب الأسماء، وهنا تبرز الحيل للتغلب علي المأذق، فإذ بأحدهم يخرج بفكرة يصفق لها فريق العمل، لكن هناك تقاليد في عالم الغناء ليس من بينها ان يكون في أغنية زمنها لا يتعدي الثلاث دقائق ضيف شرف. والدويتو علي مستوي الأغنية العربية والغربية له مفردات وشكل، ومن العيب ان يقع نجما الغناء المصري والعربي في هذا الخطأ خاصة ان كليهما جسده في مصر وعيناه وأذنه في الخارج ودائما ما يستشهدان بما يحدث في أوروبا والعالم، وأتصور ان ما يحدث عالميا لا يطبق عندنا إلا في الكلام فقط، وفي استيراد بعض الأشكال الموسيقية. الأزمة أننا في مصر نستهلك أنفسنا في أمور ليس لها علاقة بالواقع. لقاء منير ودياب كان من الممكن ان يكون أكثر قوة ولمعانا مما ظهر عليه لو انهما عقدا جلسات مع فريق عمل له فكرة، ويتركا نفسيهما لهذا الفريق.. لكن من الواضح ان الفكرة ولدت سريعاً وأراد كل منهما ان يستغل ويطوع شعبية الآخر لصالحه، لا أحد ينكر شعبية محمد منير الضخمة التي لا يضاهيها شعبية، ولا أحد ينكر مبيعات عمرو دياب علي مستوي صناعة الأغنية، والتي ربما لم يصل إليها أحد خلال الربع قرن الأخير. وبالتالي كان من الممكن ان يقدم منير ودياب عملاً أفضل يعيش لسنوات وسنوات علي غرار الدويتوهات المصرية والعالمية التي عاشت عقودا طويلة بسبب جودتها، ولان القائمين عليهما غلبوا لغة الفن علي لغة النجومية ودواعي النجومية، فالفن له لغة واحدة وأي اختراق لها يعتبر تجاوزاً في حقه. أغنية «القاهرة» لم تكن العمل الذي يستاهل به منير ودياب عملية التعاون الفني.. وما يؤكد كلامنا ان مشاركة منير في العمل جاءت بالصدفة البحتة، بدليل ان عمرو دياب كان قد طرح البرومو الخاص بالأغنية علي قناة «عالم عمرو دياب» قبل ان تجمعهما الصدفة وتتحول الأغنية إلي أول مشروع فني بينهما، وتحدث هذه الضجة أي دويتو حقيقي يبدأ بفكرة لمؤلف أو ملحن أو حتي مطرب ثم البحث عن الصوت الآخر بما يخدم اللحن والعمل ككل.