في الأوبرا حاليا معرض توقفت عنده بشغف ودراسة، وقد راعي في أسلوبه بأن يلتزم بكلاسيكية القدماء مع تطوير واضح في تدعيم لوحاته بحداثة تختفي في ظلال لا يغلبها النور وألوان لا تهزم أمام زهو السائد من لوحات قد تجذبك وقتا قصيرا ثم تموت سريعا لأنها لا تؤسس علي أعمدة الصدق والتقاليد الفنية أتحدث عن الفنان فرحات زكي ومعرضه بالأوبرا بقاعة صلاح طاهر وفرحات ظل معتكفا فهو من خريجي كلية الفنون الجميلة في سبعينيات القرن الماضي وأغلب ظني أنه لم يجد نفسه وسط سيل من الأعمال التي تملأ جدران المعارض ولا يبقي منها سوي الملل وقد ظل فرحات زكي محافظا علي الفن الأصيل مهما كانت التحديات راسخا في كيانه مستندا الي يقين بداخله - هو يقين كل فنان جاد - أن الفن الحقيقي سيعود مهما سادت فنون التسالي أو فنون العشوائيات أو الفن التجاري وكلها مفردات تداخلت في السنوات السابقة الأربعين، يحاول الأدباء والفنانون اليوم أن يغسلوا عار هذه الحقبة لتخرج فنوننا علي أعلي حالاتها وتعود بكل ما تملك من تراث مصري عظيم. فرحات زكي يصور في لوحات بورتريهات مصرية ويستخدم خامات من الألوان الزيتية والباستيل هو معرض يشير الي بدايات واثقة الخطي لعام 2016. توقفت عند كتاب مهم للفنانة الدكتورة أمل نصر بعنوان «جماليات المنمنمة الإسلامية» صدرعن الشارقة وأهميته أنه يبحث في أصول فلسفة فن المنمنمات الإسلامية وهي النواة الأولي والأهم في الفنون الإسلامية وتشير الباحثة في هذا الكتاب المهم الي جانب اعتبره الجانب التاريخي الأعلي في عدم اهتمام العالم بالمنمنمات الإسلامية وذلك نتيجة سعي الاستعمار لتشتيت الوعي العربي عن بحثه في تاريخه وتأصيل فنونه ولهذا تصل الدكتورة أمل نصر الي خطورة الاعتماد علي المصادر الغربية في هذا المجال، واستحالة أن يكون المستعمر مصدرا للثقافة فهو يزعم أنه يدخل الشرق خاصة بلادنا العربية لتحضيرها وانتزاعها من التخلف وهي مزاعم أثبت التاريخ علي مدي سنواته كذبه وسقوط أقنعته، كتاب «جماليات المنمنمة الإسلامية» شامل جامع، أحسبه يشدنا بعمق للاحتفاء بتراثنا الإسلامي في هذا الجمال والسعي دوما لتأصيله والتعمق والدرس فيه. نصف قرن يمر هذا العام علي رحيل واحد من عمالقة فنوننا التشكيلية، ترك لنا علامة راسخة في تاريخنا التشكيلي، هو الفنان عبدالهادي الجزار.. تميزت أعماله بالتعبير عن روح المواطن المصري وكفاحه وله دور فعال في عالم ترميم اللوحات فقد درس الجزار الترميم والتكنولوجيا وحصل علي درجة الدبلوم عن هذا المجال في روما، بعد تخرجه في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، ولد عبدالهادي الجزار عام 1922، وأثر تخرجه في كلية الفنون اشتهر كفنان مجدد له سمات حديثة ورؤية سريالية كانت في وقتها سباقة لكنه التزم برؤية اجتماعية سياسية وكان واعيا بمبادئه الجزار بعد رحلته الي روما، عاد منتصرا لوطنه بعد أن تأكدت عبقريته في مجال الفن السريالي لكنه نجح في تعريب هذا الفن لصالحه.. و«الجزار» ظل في روما سنوات درس فيها ثم اختير ليكون مدرسا في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، بعد أن تخصص في فن التصوير من أكاديمية الفنون الجميلة بروما، واليوم ونحن نحتفل بمرور نصف قرن علي رحيل عبدالهادي الجزار (1922 - 1966)، الاسكندرية، إنني أطالب وزير الثقافة الكاتب المستنير الكبير حلمي النمنم بأن يعيد اعتبار هذا الفنان الذي مات شابا في الرابعة والأربعين من عمره، بعد أن أسس فنا مميزا لا يزال نضرا كأنه يرسم في عامنا هذا، أعماله حية والحق أننا لا نجد صفة نصف بها هذا التراث المكثف الذي تركه «الجزار» أصدق من أنه كان حياة تمهد الأرض لبناء جديد يقام عليها حين تحين الفرصة المناسبة، ولذلك شغل العالم التشكيلي في تلك الحقبة بالتنوير عامة وبالتنوير فيما يمس الحرية العقلية والفنية والسياسية بصفة خاصة. كان «الجزار» واحدا من كوكبة أضاءت هذا الزمن الجميل الذي شهد أبرع الثقافات شعرا ورواية ومسرحا كان المسرح في قمته في الستينيات وكانت دواوين الشعر المطبوعة ما بين القاهرة وبيروت تتنافس علي تقدير ذائقة القارئ وكان الفن التشكيلي في قمته تنوعت حالاته وفلسفاته. وكان «الجزار» أحد أهم نجوم هذا الزمن.. الجيل الحالي من المتلقين وبعض شباب الفنانين لا يعرفون عبدالهادي الجزار،ولعل سنوات الغيبوبة الثقافية التي عاشتها مصر بفضل الأربعين عاما التي حاولت تغييب المواطن المصري وطمس أصالته، كانت كفيلة بمحو عشرات الفنانين الجادين والأدباء والشعراء ولم يبق في ذاكرة الأجيال الجديدة سوي الغثاء.